22 نوفمبر، 2024 11:20 ص
Search
Close this search box.

ثقافة الناصبي والرافضي

ثقافة الناصبي والرافضي

الحركات والأحزاب الإسلامية ( الإسلام السياسي ) التي ظهرت على الساحة العربية لم تكن وليدة ما تمر به أرضنا العربية اليوم جراء محاولة الاستيلاء على مقدر أتنا وثرواتنا ومحاولة إلغاء هويتنا والتطاول على ديننا الحنيف من قبل إمبراطورية القطب الواحد بقيادة اليمين المتصهين وتابعيهم، بل هي حركات وأحزاب كانت موجودة منذ النهضة العربية الحديثة ، لكن وجودها هذا امتاز بالتحجر إزاء الكثير من الأمور المهمة في حياة امتنا وشعبنا و التي تتطلب دراسة القوانين المحركة لواقع الأمة والعمل على إيجاد ما هو بديل لهذه القوانين بغية إيجاد نظرية عمل مرحلية وستراتيجية تؤمن للإنسان العربي المسلم مستقبل افضل مبني على تعاليم ديننا الحنيف.
كلنا يعرف إن الرسالات السماوية والحركات السياسية المعبرة عنها في صدر الرسالات كانت ثورية وتقدمية فكرا وممارسة ، آي إنها خاضت صراع مرير مابين القديم والجديد ، ثبتت القيم والمفاهيم الانسانية الاصيلة في حياة الامم والشعوب واجتثت ماهو ضار وبالي ، والرسالة الاسلامية كانت اعلى مراحل التطور التي شهدتها الرسالات لذلك كان الاسلام الحنيف اخر الرسالات وان نبينا الكريم صلوات الله عليه كان خاتم الانبياء والمرسلين فالرسالة الاسلامية نقلت العرب نقلة نوعية من العصر الجاهلي الذي كان من اهم سماته التناحر والتقاتل والتمزق الى بناء دولة عربية اسلامية قوية ومزدهرة ، دولة كان من ابرز سماتها التطور الروحي والثقافي والاجتماعي وحتى الاقتصادي ، فاين الحركات الاسلامية المعاصرة من هذا ، ان ظاهرة السلفية المتخلفة للاسف هي من ابرز سمات الحركات السياسية الاسلامية في عالمنا العربي في العصر الحديث ، سلفيتها تتجلى بالنظر الى عالمنا المعاصر الذي يتسم بالتقدم العلمي والتكنولوجي وخلق الثروة واستخدامها استخداما كاملا ، ان النظرة السلفية لاتقودنا الى طريق التحرر والتقدم والاقتدار في مواجهة التحديات الاستعمارية والصهيونية وتحديات العصر الحديث ، بل على العكس من ذلك فهي تقود باتجاه الانكسار والهزيمة ، ان السلفية التي نعنيها هنا هي ليست العودة للسلف الصالح والاقتداء به واستلهام ماضي الامة المجيد ، بل هي سلفية العودة الى الماضي بهدف تمزيق نسيج الامة على اسس طائفية مقيته ، ونقل كل ماهو بالي ومتخلف من عادات وتقاليد واجتهادات الى عالمنا المعاصر.
ان من ابرز سمات الاسلام السياسي الذي عبرت عنه الحركات والاحزاب الدينية ، من خلال التجربة في العراق  بعد الاحتلال الامريكي الايراني هي :
1ـ لم تقم على اساس توحيدي ، اي انها بدل من القيام بتوحيدالامة والقطر الواحد والمدينة الواحدة على اساس مبادئ الاسلام الحنيف المعورفة لكل عاقل ،عملت للاسف على نشر بذور الفرقة والشقاق حتى بالبيت الواحد.
2ـ اعادت هذه الحركات والاحزاب ذكريات الصراعات المذهبية والسياسية في بعض العصور الاسلامية لاهداف سياسية خفية ، وبذلك اتصفت بانها طائفية بامتياز ، فهذا حزب سني لايقبل الجعفري وهذا حزب شيعي لايقبل السني ، وانتشرت ثقافة الناصبي والرافضي بدل من ثقافة الاسلام الواحد ، الاسلام الذي كان نور وهدايه الى البشرية جمعاء.
3ـ العداء المطلق لكل ماهو قومي عروبي ، فالحركات والاحزاب الدينية وبمختلف اتجاهاتها شيعية كانت ام سنية ، توحدت في الوقوف بالضد من العرب والعروبة  وبهذا انطبقت عليها صفة الشعوبية بامتياز ، ان موقفها المعادي هذا قادها من حيث تدري او لا تدري الى جانب الانظمة الرجعية العربية وحتى بعض الاوساط الاستعمارية.
ان الاسباب التي ادت الى ظهور الحركات الدينية هي طبيعة العالم الرأسمالي الذي ابتعد عن الروح وافرازاته التي انعكست على واقعنا العربي ومادية التوجهات الماركسية التي انكرت كل ماهو روحي والتي مثلتها بعض الحركات والاحزاب الشيوعية والماركسية ، بالاضافة الى العوامل الاخرى التي عاشها ويعيشها الانسان العربي من فقر ومرض وجوع واضطهاد ، الامر الذي جعل الاسلام السياسي يستغل توجه الانسان الى السماء في بحثه عن الخلاص ، والتطلع هذا واستنادا الى تلك الحركات ياتي عبر الاستحضار المنقول لحلول السلف السابق في صلته بالسماء ، فكان ان يلجاء الانسان الجائع المضطهد المهمش الى التوجه الى السلف باساليب وعادات رسمتها قيادات الحركات والاحزاب الاسلامية بهدف الخلاص ، والسؤال هل البكاء والعويل يوفر لنا الامن والامان اليوم في العراق مثلا ، وهل ينقذ  بلدنا من الاحتراب والاقتتال الطائفي الذي شجعت وتشجع عليه القيادات التي تقود الحركات والاحزاب الاسلاموية ، ان التوجه بسلاحنا نحو المحتل وتابعيه هو الخلاص ، ان العوده الى النبع الى الاسلام الحنيف واستلهام كل ماهو مشرق هو الخلاص ، الايمان بالنفس وقدراتها الخلاقة في ظل قيادة غير طائفية هو الخلاص وللخلاص طرق كثيرة غير التي نراها اليوم في العراق وغير العراق على يد الاسلام السياسي.
ومن الاسباب الاخرى التي تؤدي الى ظهور الحركات الدينية بشكلها السياسي الطائفي المعروف هو ردود الافعال السطحية على النكسات الموقته التي تمر بالامة ، وهي عبارة عن مشروع لسد الفراغ مؤقتا بسبب الانحسار المؤقت للقوى الحية في امتنا العربية منها العراق ، فعندما لاتكون هناك حركات سياسية ذات قوة جماهيرية وزعامة قوية تحشد طاقات الشعب تبرز الحركات الدينية الاسلاموية في محاولة منها لسد الفراغ ، والتجربة في العراق تؤكد ذلك فقد برزت ظواهر التستر بالدين كغطاء لتحقيق طموحات شخصية بالاستيلاء على السلطة مستغلين الظرف الذي يمر به العراق.  ان الايمان بالدين يوفر للانسان طاقة روحية كبيرة تدفعه نحو النضال والتضحية ، غير ان العلة ليست بالدين بل هي في تصميم قيادات الحركات والاحزاب الدينية التي تسيطر اليوم على الحياة السياسية.
فالحركات والاحزاب الاسلامية كانت ولازالت تقف في بعض الحالات مواقف مؤذية للوجود الاستعماري الصهيوني ومصالحه بالمنطقة العربية ، ولكن في حالات اخرى يكون موقفها يصب في خدمة المخططات الاستعمارية والصهيونية، فالطبيعة الطائفية التي تمتاز بها تلك الاحزاب والحركات معروفة للمستعمر وبالتالي فهو يجيد العزف على وترها ، فما يدور في العراق واستغلال المحتل  للحركات والاحزاب الدينية معروف ، فهل القتل المتبادل الذي يعتمد على اسسس طائفية يصب في خدمة المحتل او يصب في خدمة الوطن ؟ 
( لوقدر وان استمرت الحركات والاحزاب الدينية في حكم العراق او في اي بلد عربي اخر فانها ستحتاج الى (10ـ20) سنة من أجل تدمير البنى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية القائمة في المجتمع ، واعادة بنائها وفق أسس دينية كما يفترض ذلك ، على افتراض أن هذه العملية ممكنة وستنتهي بالنجاح خسارة (10ـ20) سنة في سياق التطور السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الامة من جهة ، وبين الاستعمار والصهيونية من الجهة الاخرى وليس صعبا معرفة الجهة التي ستستفيد من ذلك ، غير ان الامر المؤكد هو ان عملية كهذا ، على ماتتطلبه من فترة طويلة ، لايمكن ان تتكلل بالنجاح.

أحدث المقالات