18 ديسمبر، 2024 9:19 م

ثقافة الفتوى والفكر الآخر‎

ثقافة الفتوى والفكر الآخر‎

. من الوضوحِ بمكان أن تكونَ نمطيةُ الفتوى بما تتضمنهُ من خصائصَ علميةٍ ذات نزعةٍ قدسيةٍ سلاحًا حاسماً لكثيرٍ من المخالفات التي لا تنسجم مع جوهرِ الشريعة وروحِها، ويأتي دورُها لتُحجِّمَ الظواهرَ المنحرفةِ وتقللَ من شأنها حتى تغدو لا أثر لها في دائرة السلوك.
. بيد أنّ هذا النمط َمن المواجهة قد لا يكون بالغًا أمرُه في بعض الميادين، وذلك حينما تُثار المخالفة من قبل الفكر الآخر مؤطرةً بإطارٍ فكري متحضر يستند في طرحه على أسسٍ علميةٍ كعامل جذبٍ فعال ، فنمطية الفتوى هنا وبوشاحها الكلاسيكي في الاقتصار على ألفاظ الجواز وعدمه أو الحلية والحرمة لا يمكن لها وهي بهذه الشاكلة أن تجاري الفكر ذا السمة العصرية في الطرح و المنافسة.
مثلث أسود مزدوج يشير لليسار (إرجاع). لأن ما ينبغي أن تستهدفه في أول ظهورها الهدايةَ والإصلاحَ لمن تعرَّض للشبهة في طول الزمن ومع بقاء نفس الظروف، كما أن قوة الفتوى تنبع من حيث مراعاتِها مسألةِ القناعةِ ومحاولة رفع العلم والوعي ليتم الأخذَ بها على محمل الجد سلوكًا واعياً، لتضمن بقاءها في دائرة المواجهة.
. ويبدو لي أن بقاء الفتوى وفقًا لهذا النمط في مواجهة الشبهات التي تطرح بصورة عصريةٍ حداثويةٍ من الفكر الآخر له تداعياتٌ خطيرة؛ منها:
. إن الفتوى ستفقد رونق ما كانت تمتع به من قداسة وقوة لعدم قدرتها على مجاراة الطرفالآخر والمسألة مسألةُ وقتٍ ليس إلا .. وكذلك لا يكون باستطاعة من استهدفتْ الفتوى إصلاحَه ورشدَه أن يحتفظَ بها سلاحًا مانعًا من ضلالته ،فضلاً على أن يُصدِّرها للآخر بسبب افتقار هذه النمطية إلى التفصيل الذي من شأنه أن يقدم الفتوى بإسهابٍ وإيضاح يُسهِّل قبولَها والتفاعلَ معها.. ومنها أيضًا بقاء الشبهة التي أُثيرتْ من الطرف الآخر تحوم في دائرة الفكر، وشيئًا فشيئا سيؤول الأمر إلى ضعف الارتباط بالمؤسسة الدينية ، من قبل أتباعها لتبقى الفتوى في آخر الأمر ليست سوى كلمات لاتحمل معها ذلك الزخم والاندفاع كما عودتهم في سابقٍ عهدهم بها.
. ومع الضرورة والحاجة الملحة لدفع كل ما ذُكر وخصوصًا مع تنامي الوعي والانفتاح المستمر عند طبقة الشباب، بسبب الاحتكاك المباشر مع الآخر الذي يختلفون معه في الفكر و الانتماء.
مثلث أسود مزدوج يشير لليسار (إرجاع). استدعى أن تأخذ الفتوى في ثقافتها نمطًا جديدًا يناسب مواجهةِ الفكر الآخر محتوىً و دلالةً ورصانة ، يمتاز بالتفصيل واستعراض الأدلة التي تؤيد و تعضِّد انتمائية الفتوى لهذا الحكم دون غيره، بما يحرز حصولَ الاطمئنان لدى المتلقي بزوال الشبهة عنه، وفي نفس الوقت تحمله هذه النمطية الجديدة على تبني منهجيتها كثقافة توازي الثقافة الأخرى في الطرح.
. مما يؤسس لبناء ثقافة الحوار والانفتاح على الآخر مهما يكون انتماؤه فكراً و عقيدةً، فتغدو ظاهرة الفتوى من كونها:-. ((( ظاهرة انغلاقية ))) لا تقبل النقاش مختصرة المضمون.= إلى. ((( ثقافةٍ حضاريةٍ ))) تنفتح على الآخر وتفتح معه أبواب الحوار.
. وهي بذلك تعزز ( عالمية الإسلام ) كدين إنساني شمولي يستوعب جميع التناقضات المطروحة في ساحة الفكر ويضع لها الحلول المناسبة.
مثلث أسود مزدوج يشير لليسار (إرجاع). ومن ثم تكون الثقافة الجديدة في ( نمطية الفتوى ) بوابةً لزيادة الوعي ونمائه لدى أتباعها من جهة، وفي نفس الوقت تغلقُ جميعَ المنافذ التي يحاول أن يلج منها من يتصيد بالماء العكر، حينما يصف الإسلام بأنه ( دينًا تقليديًا ) لا يواكبُ الحياة.
. لأن القانون الأصيل لاسبيلَ أمامه إلا أن يُواجه الفكر بالفكر والعلم بالعلم وإلا فالدين في ظل بقائه مطروحا في تشكُّله ضمن النمطية الكلاسيكية للفتوى تجعله تحت ناقوس الخطر.