17 نوفمبر، 2024 9:23 م
Search
Close this search box.

ثقافة العراق خالدة رغم الغرق والحرق

ثقافة العراق خالدة رغم الغرق والحرق

يصادف في الخامس من اذار الجاري الذكرى العاشرة لتفجير شارع الثقافة والادب في بغداد شارع المتنبي، ففي صباحات هذا اليوم من عام 2007 انفجرت سيارة مفخخة اودت بحياة العديد من اصحاب المكتبات والمثقفين ورواد هذا الشارع، واحترقت كتب كثيرة، لا لشيء سوى لان هذا الشارع يشع بالثقافة والانسانية، وليكون نبع للوعي الوطني وندا للوعي الطائفي والقومي.

في هذا اليوم تحول صرح الثقافة، شارع المتنبي الى لوحة سوداء ثيمتها القتل وشخوصها خفافيش الظلام، واطارها الحقد وكراهية الثقافة والوان الفرح، اذ احدث الانفجار حفرة عميقة في وسط الشارع راح ضحيتها اكثر من ثلاثين شخصا وتضرر اكثر من ستين محلا لبيع الكتب، منها اربعين محلا دمرت بالكامل مع احتراق الاف الكتب النادرة وعدد من المطابع والابنية، كما دمر مقهى الشابندر الذي يعتبر ملتقى الادباء والكتاب والمثقفين والفنانين، وهو احد المعالم المهمة لهذا الشارع الذي تأسس عام 1917.

هذا العمل الارهابي هو امتداد للاعمال الاجرامية للقوى الظلامية عبر التاريخ، التي اعتمدت حرق الكتب واغراقها وقتل الشعراء والكتاب والفنانين ومازال التاريخ سجله حافل بذلك، ومنها حرق مكتبة قرطبة بعد سقوطها عام 636 للهجرة ومكتبة بغداد العظيمة عام 656 للهجرة التي احرقت واغرقت الالاف من جواهر ودرر كتابها عند احتلال المغول للعراق.

وهاهم احفاد الظلام يستخدمون لغة النار لالتهام لغة الثقافة والادب وتحويلها رماد وسواد، لكنهم لا يعلمون ان الثقافة والفن والاداب بكل اشكالها حية لا تموت، ولا تستطيع الرياح الصفراء والغبار الاسود من اطفاء بريقها واخفاء لمعانها، وها هو شارع المتنبي ينهض من تحت الركام لينفض عنه الرماد ويتوشح بوشاح الفروسية ويمتطي من جديد صهوة الثقافة بصورة ابهى واقوى. بعد اعادة بنائه وترميم ما دمر من مكتباته ليفتتح من جديد في شهر كانون الاول من عام 2008، لتعود الحياة اليه ويستقبل رواده من القراء والمثقفين وباعة الكتب بحلة جديدة، اجمل من السابق بعمارته وعبق عطره التراثي. وليعود مقهى الشابندر بهي بمثقفيه ونقاشاتهم الادبية والشعرية.

ولم يعد شارع المتنبي مقتصرا على بيع وطباعة الكتب فقط، بل اصبح مكانا تقام فيه الفعاليات والنشاطات الثقافية المتعددة واصبح المغذي للحركة الفكرية وقاعدة لانطلاق الاشعاع الثقافي بما يحمله من معانٍ تأريخية وحضارية في زمن الخراب والدمار.

ومنذ عام 2008 وشارع المتنبي يكبر ويتسع لرواده المثقفين، ولتضج ساحة القشلة وحدائقها بمجاميع الشعراء والادباء ولوحات الفن التشكيلي ورسامي البورتريه والصور الفوتوغرافية، ولتتسابق انامل الشباب وهي تداعب اوتار العود لتتهادى كمويجات نهر دجلة الخالد وهو يحتضن هذا الشارع، ليحكي قصة حضارة وتراث تأبى الا ان تكون صلبة امام من يريد خرابها.

أحدث المقالات