19 ديسمبر، 2024 12:54 ص

ثقافة الطفل … المحتوى, الاتصال, التواصل

ثقافة الطفل … المحتوى, الاتصال, التواصل

اية ثقافة نريدها للطفل ؟
لا يمكن الحديث عن ثقافة الطفل في اي مجتمع دون تشكّل رؤية واضحة ومرنة ومدروسة لدى المعنيين بهذه الثقافة . رؤية تحدد خصائص وشكل ومضمون ثقافة الطفل هذه , وترسم الأهداف المُراد تحقيقها, من خلال الخطط والبرامج وادوات التنفيذ ووسائل الاتصال والرقابة والتقويم والتقييم , حتى الوصول الى النتائج المستهدفة, ومن ثَمّ وضع الخطط والبرامج الكفيلة باستدامة وتطوير هذه الثقافة وضمان موائمتها لخصوصية المجتمع وللتغيرات والمتغيرات التي تحصل  داخل ذلك المجتمع, او التي تحدثها فيه, المؤثرات والمتغيرات الخارجية, او مؤثرات اخرى , كالبيئة والظروف الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والسياسية وغيرها . هذه هي الثقافة العامة الموجَهة للطفل . ولكن, هناك ثقافة موجَهة وموجِهة,  تستهدف تنشئة الطفل باتجاه ما, للمجتمع, كالتوجه الاشتراكي او الرأسمالي او الديني او القومي او السلطوي او الديمقراطي او غير ذلك .     في العراق  ” مثلا”  تلقى المجتمع تغييرات هائلة على المستويات كافة, حتى باتت الثقافة والمجتمع في حرج كبير بل, في مأزق حقيقي حاد نتيجة توجه المجتمع العراقي نحو النظام الديمقراطي . والحال هذه تتطلب اعادة تشكيل الثقافة العراقية برمتها ومن ضمنها ثقافة الطفل . فأية ثقافة يريدها العراقيون لأطفالهم !! ؟؟  فعلى مستوى الحقوق والحريات هم ازاء اتفاقية حقوق الطفل العالمية التي وقّع عليها العراق وهو ساع على تفعيلها منذ بدايات نظام الحكم الجديد , والتي تتطلب منهم توفير حقوق وحريات الطفل التي نصت عليها الاتفاقية الدولية والتي يتعارض قسم منها مع الموروث الاجتماعي والديني والواقع الاقتصادي . والعراق اليوم ايضا, ازاء نهج سياسي ديمقراطي “رأسمالي الاقتصاد” , يُوجب على ارباب النظام الحاكم – اذا كانوا يؤمنون به ويريدونه للعراق- تنشئة الطفل وفق هذا النهج, لكي يكون الطفل مستعدا لتقبله والتعامل معه بايجابية تمكنه من الاستمرار بالعطاء والتقدم والإبداع والتطوير . ولكن هذا التوجه او هذه المهمة سوف تواجه ثقافة متجذرة لا تقبل هذا النظام ولا تريده للأطفال في حاضرهم ولا في مستقبلهم , وهي ثقافة كامنة في اعماق النفوس وفي مفاصل الحياة كافة , في المجتمع ونشاطاته وممارساته الدينية والسياسية والاقتصادية وموروثة وتاريخه . ويواجه العراقيون ايضا تحديات اكبر في  مدى قدرتهم على حماية الطفل من الكم الهائل من المنتجات التجارية الربحية الضارة التي تستهدف أطفالهم من اجل ان تفتح سوقا رائجة لبضائعها في هذا المجتمع , هذه المنتجات التي تعتمد على وسائل اتصال عالية القدرة والتأثير ولا قدرة لأحد على حجبها كالتلفزيونات الفضائية والإذاعات والانترنت والمجلات والأشرطة وغيرها , هذا, ناهيك عن غزو الثقافات الاخرى التي تردهم بوسائل الاتصال الحديثة, والتي تتعارض مع الثقافة التي يريدها العراقيون لأطفالهم

من هو الطفل ؟
قبل الحديث عن ثقافة الطفل كـ – محتوى وشكل وخطط وبرامج ونتائج وجودة وجدوى – وقبل الحديث عن ادوات الاتصال المتعددة ما بين الطفل ” مستهلك الثقافة” وبين مُنتِج الثقافة ( افراد, مؤسسات , مجتمعات ) قبل الحديث عن كل هذا علينا تعريف “الطفل” . اذ يختلف الكثيرون على تعريفه من حيث مراحل العمر وسن البلوغ والقدرات الذاتية, وتدخل في هذا الاختلاف البيئة والمعتقدات الدينية والاجتماعية والظروف الاقتصادية والسياسية والدراسات العلمية , ولكن, الامم المتحدة تعرف الطفل بانه : (كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة. ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه .) وفي حديثنا هذا سوف نعتمد تعريف الامم المتحدة , لانه الاكثر قبولا وشيوعا في الاوساط الرسمية وغيرالرسمية وفي دول العالم كافة
 
تعريف ثقافة الطفل
كما لم يُتفق عالميا على تعريف محدد للثقافة بشكل عام, لم يُتفق ايضا على تعريف محدد لثقافة الطفل من حيث نوع المنتَج الثقافي وشكله ومضامينه ومصادره , ولكننا نستطيع تمييز وتحديد بعض انواع ومضامين ثقافة الطفل واشكالها حسب نوع المنتج الثقافي – كالقصة والشعر والمسرحية والاغنية والسيناريو والرسم وغيره من الطرائف والحكم والامثال و”الفوازير” – ناهيك عن التقاليد والعقائد والسلوكيات الاجتماعية بشكل عام – كل هذه المواد والمصادرتشكل منهلا ثقافيا ومعرفيا للطفل . وتتميز مضامينها عن مضامين مثيلاتها في ثقافة الكبار . اذ تحكم مضامين ثقافة الطفل بشكل عام ” الانقرائية او الاستيعابية او التوائمية ”  والأخيرة هي الأقرب للدقة لانها تتوافق مع المبدأ القائل ان الطفل إنسان يختلف في خصوصيته التكوينية عن الكبار فلا يمكن ان نعد أي منتج ثقافي – ثقافة طفل – ما لم يقع ضمن مساحة استيعاب الطفل له او ملائمته لخصوصية كينونته, وذلك لكي تتحقق النتائج والاهداف التي كُتب او قُدم من اجلها هذا المنتج . وعليه يمكن القول بان ثقافة الطفل هي إحدى الثقافات الأساسية في المجتمع ، وأن كانت تنفرد بمجموعة من الخصائص والسمات العامة ، وتشترك في مجموعة أخرى مع ثقافة الكبار . ومادام الأطفال ليسوا مجرد – راشدين صغار- فإن لهم قدرات عقلية وجسمية ونفسية واجتماعية ولغوية خاصة بهم  في عملية الإدراك والتخيل والتفكير، ولهم أنماط سلوكية مميزة ، وإنهم يحسون ويدركون ويتخيلون ويفكرون في دائرة ليست مجرد دائرة مصغرة عن تلك التي يحس ويدرك ويتخيل ويفكر فيها الراشدون، لذا فإن ثقافة الأطفال ليست مجرد تبسيط أو تصغير للثقافة العامة في المجتمع ، بل هي ذات خصوصية في كل عناصرها وانتظامها البنائي مع ان ثقافة الطفل عادة ما تكون منتج من الكبار موجه للصغار. وهذا ما تُظهر جانبا منه العملية التعليمية والتربوية في المدرسة والأسرة والمجتمع .

محتوى ثقافة الطفل
كل انواع واشكال ثقافة الطفل يفترض ان يكون فيها محتوى معدّ بدقة وحرفية وخبرة علمية عالية . محتوى ينسجم مع خصوصية الطفل وعالمه الخاص ويستجيب للشروط العلمية والفنية التي تقوم عليها تنشئة الطفل تنشئة صحيحة وفق المعايير العالمية العامة . ويجب ان يكون المحتوى رافدا يصب في تحقيق الاهداف المرسومة لثقافة الطفل . وعليه يفترض ان يكون المحتوى متوائما ومتكاملا مع توجه البلاد العام, في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي . وبما ان العراق بلد يحث الخطى نحو اقامة مجتمع ديمقراطي متحضر يسوده العدل والمساواة , بلد يريد ان يساهم مع البلدان الاخرى في النهضة الانسانية في جميع ميادينها, صار لزاما على المعنيين بثقافة الطفل السعي الى تضمين هذه الثقافة ومحتوياتها العناصر الاساسية للديمقراطية والتحضر والتقدم العلمي . وغرز القيم العليا لهذا النظام في الطفل حتى ينشأ ولديه قاعدة ثقافية تصبح سلوكا طبيعيا عند بلوغه سن الرشد وممارسته لحياته الطبيعية او حين توليه وظائف عامة في ادارة شؤون الدولة . هذا , مع الاحتفاظ بالقيم الموروثة التي لا تتعارض مع النظام الجديد, او مع تلك القيم التي تعزز هذه النظام  وتنزع عليه خصوصية المجتمع العراقي . مقابل هذا يجب ان تتخلص ثقافة الطفل العراقي من الإرث الكبير الذي تركه النظام السياسي السابق  في كافة الميادين ما عدى ذلك الإرث الذي يعزز الروح الوطنية والانتماء لهذا البلد دون تعصب او غلو او عنصرية, او الإرث العلمي الذي سيكون قاعدة صالحة للنهوض . والحال هذه تنطبق على الإرث المتراكم خلال القرون المتمثل بعضه بتمجيد سلطة السلطان المطلقة, ووجوب طاعته, والنظر للاخر على انه عدو” كافر” وان الحياة معه حياة حرب وصراع حضارات . وضرورة استبدلها بمفهوم “حوار الحضارات وتكاملها” . وهذه الحال تتطلب اعادة النظر بالمنتج الثقافي الهائل والمتراكم الذي غالبا ما يكون مصدرا لادب الطفل ونجد ابطاله سلاطين وملوك وامراء ذوي سلطات مطلقة وبيدهم العطاء والثراء والموت والحياة ومنح الرتب الاجتماعية وغيرها حتى في الامور الغيبية . ويجب التركيز على عطاء وفكر واجتهاد الفرد بغض النظر عن اصوله ومرتبته الاجتماعية او الدينية . واشاعة الثقة بان الناس متساوون في القيمة الانسانية والحقوق والواجبات , وامّا القدرات الابداعية والتميز فمنوطان باجتهاد الفرد وجهده واصراره على تحقيق ما يريده . وينبغي التركيز على مبدأ الانحياز الى جانب الخير مقابل الشر في اي صراع , وزرع الثقة بان الخير في نهاية المطاف هو المنتصر . هذا الى جانب تخصيب الخيال والعمل على اطلاق العنان لمخلية الطفل من خلال محتوى يساعد على ذلك . كل هذا المحتوى يحتاج الى اوعية ادبية وفنية يُقدم من خلالها للطفل . وقد ذكرنا منها اجناس الادب: كالشعر والقصة والمسرحية الرواية والاشكال النثرية الاخرى المختلفة. هذا, اضافة الى الاوعية الفنية المختلفة كالرسم والتجسيد المسرحي والسيناريو وغيرها . ولن يصل هذا المحتوى دون وجود ادوات ووسائل اتصال فاعلة .

انتاج المحتوى
اذا كان المحتوى هو غاية ومركز ثقافة الطفل وعمودها الفقري, وبدونه ليست هناك ثقافة طفل, بات من الضروري جدا ان يكون هذا المحتوى ذا قيمة عالية – في المضمون والشكل – ومستوفيا للشروط الفنية الإنتاجية , لينافس بهما الإنتاج العالمي من حيث القبول والتأثير والتأثر به, وإلا فانه ليس بذي قيمة , واذا افترضنا ان المحتوى الثقافي المنتج عالي الجودة . يبقى أيضا بلا جدوى اذا لم يصل للطفل ويستهلكه, واذا لم يستطع منتجه تسويقه ” اي الوصول به الى نسبة كبيرة من الاطفال الذين يتناولونه بشهية عالية ويتفاعلون  معه” ولن يتحقق هذا لمنتِج ثقافة الطفل ما لم يتضمن المنتَج تشويقا وإثارة , وهذه الحال هي الاخرى يجب تنافس الإنتاج العالمي بهذا الخصوص . وهنا في هذا المفصل تحديدا تتعرض ثقافة الطفل الى تحدٍ خطير جدا, اذ غالبا ما تطغى الاثارة والتشويق على الرسالة “المضمون” وتهمشها وتشوهها فيسقط المنتج الثقافي في فخ المتعة الخالية من الفائدة , بل تذهب المتعة بالمنتَج الى حالات ضارة كان من واجب ثقافة الطفل معالجتها . فتتحول الشجاعة ” مثلا” الى العنف والجريمة  والذكاء الى المكر والوقيعة, والمحبة والتسامح الى الضعف . والثقة الى الغفلة  . وعليه تصبح عملية انتاج المحتوى عملية معقدة جدا ولن تنجح دون ان يقوم بها اشخاص مبدعون متخصصون قادرون على انتاج الأفضل وقادرون على معالجة المنتج وفلترته ويستطيعون معرفة نتائجه وتأثيراته على الطفل لاحقا . والاهم انهم قادرون على ادارة عملية الإنتاج والتسويق , بقدرات عالية تسمح لمنتَجهم ان يحقق الاهداف التي اُنتج من اجلها . هذا على افتراض ان ثقافة الطفل منتَجة من قبل الكبار وموجهة الى الصغار .                       
                       
الاتصال
الاتصال في ثقافة الاطفال , هوعملية ضخ ونقل المعلومات والمعارف من مُنتجها – افراد , مؤسسات – الى الاطفال, من خلال المُنتِج نفسه او من خلال شخوص او قنوات او وسائل نقل مختلفة  او ادوات اخرى تحمل هذا المُنتج من منتجيه وتذهب بها الى الاطفال , وهذه هي وسائل الاتصال.  ولما لهذه الوسائل الاتصالية المفصلية, من وظائف مهمة , فانها تلعب دورا مهما وخطيرا في عملية تثقيف الاطفال . فاذا كانت مستوفية الشروط الفنية, وتمت ادارتها بشكل صحيح , فانها سوف تنجح باستهدافها الاطفال بشكل واسع , واذا كانت غير ذلك فان المنتَج الثقافي لن يحقق الأهداف المرجوة منه وستفشل العملية برمتها . وعليه يجب دراسة عملية الاتصال والتعرف عليها بشكل صحيح . فالاتصال يعرف وفق الدراسات العلمية  بانه العملية التي يتم من خلالها نقل المعلومات والمعاني والأفكار من شخص إلى آخر أو آخرين, بصورة تحقق الأهداف المنشودة لأي مجتمع او جماعة من الناس ذات نشاط اجتماعي . إذن الاتصال هو بمثابة خطوط تربط أوصال البناء أو الهيكل التنظيمي لأي مجتمع ربطا ديناميكيا . فليس من الممكن أن نتصور جماعة – أيا كان نشاطها – دون أن نتصور في نفس الوقت عملية الاتصال التي تحدث بين أقسامها وبين أفرادها وتجعل منهم وحدة عضوية حية فاعلة لها درجة كافية من التكامل, تسمح لها القيام بنشاطاتها . وباتت وسائل الاتصال الحديثة بالنسبة لملايين البشر، تمثل الوسيلة الأساسية في الحصول على الثقافة وجميع أشكال التعبير الخلاق، كذلك للاتصال دور في تدبير شؤون المعرفة وتنظيم الذاكرة الجماعية للمجتمع، خاصة في جمع المعلومات العلمية ومعالجتها واستخداماتها، والاتصال يستطيع إعادة صياغة الواقع الثقافي والسياسي والاقتصادي لأي مجتمع وللمجتمعات مجتمعة . وقد شهدنا مؤخرا كيف استطاع الاتصال من خلال شبكات التواصل الاجتماعي كـ – الفيسبوك وتويتر- وغيرهما ان يقلب الواقع برمته في اغلب البلدان العربية .

مستويات الاتصال في ثقافة الطفل
بعد ثورة الاتصالات الحديثة تغيرت ملامح العالم في جميع ميادين الحياة بسبب سرعة الاتصال والتواصل بين الشعوب والأمم فيما بينها , وبين ابناء الشعب او المجتمع الواحد بمختلف شرائحه الاجتماعية والعمرية . وبدأ العالم يقترب من بعضه البعض بشكل كبير , ما انعكس على واقع الثقافة في كل بلد ومجتمع . ولكن الاكثر تأثرا بثورة الاتصالات هم الاطفال لانهم الاكثر ميلا ورغبة وحاجة للتعامل مع معدات الاتصال ووسائله وما تحمله من رسائل في الوقت الراهن بشكل عام , والمستقبل بشكل خاص . وقد هيأ علم الاتصال وسائل وادوات فائقة الجودة لنقل ثقافة الطفل من منتجيها الى مستهلكيها ” الاطفال”  وللاتصال مستويات هي:
 
الاتصال الذاتي Intra Personal Communication
وهو العملية الاتصالية التي تتفاعل وتأخذ مكانها داخل الانسان ” الفرد” أي مخاطبة الانسان لنفسه . وهذا النوع من الاتصال يجب احداثه داخل الطفل من خلال تاثير ما يأخذه الطفل من جرعات الثقافة التي تستهدفه . او استغلال هذا الاتصال العفوي عند الطفل وتوظيفه في عملية التفكير والإبداع والخيال وغيرها 

الاتصال بين الاشخاص Inter Personal Communication
وهو الاتصال المباشر او ما يعرف باتصال المواجهة ويمثل تفاعلاً متبادلاً بين شخصين أو ثلاثة أشخاص أو يتعدى ذلك الى مجموعة صغيرة في موقف ما وتستخدم فيه الحواس الخمسة . وينتج عنه التفاعل ما بين المرسِل والمتلقي وفيه يمكن التعرف على رجع الصدى ( feed back ) وهذا الاتصال يمكن استخدامه في ثقافة الطفل من خلال اللقاءات بالاطفال او من خلال الندوات والمحاضرات والقراءات الأدبية والممارسات الفنية التي يقمها شخص او اشخاص متخصصون . ويسمح هذا النوع من الاتصال بمعرفة تأثير المادة الثقافية على الطفل ومدى استجابته لها والتفاعل معها . وبالمقابل يكشف العيوب الفنية للمادة المرسلة. من حيث جودة صياغتها وشكلها وقدرتها الى امتلاك وعي الطفل ومدى موائمتها لقدرات تلقي الطفل وفهمه لها, بسهولة ويسر.  ويتوسع هذا الاتصال ليصل الى ما يسمى بـ (الاتصال المجتمعي) وهذا المستوى من الاتصال يرتبط بمواقف التفاعل بين عدد غير قليل من الأشخاص . ويحقق نفس اهداف الاتصال بين الاشخاص الا ان تحديد رجع الصدى فيه يكون اصعب , وتضعف فيه القدرة على ايصال الرسالة على اكمل وجه وذلك بسبب وجود العدد الكبير من المشاركين فيه . وغالبا ما يحدث هذا النوع  في الاحتفالات الجماهيرية العامة .

الاتصال الجماهيري, ( communication  Mass Media )
وهو اتصال يرتبط بمواقف التفاعل بين عدد كبير من الأشخاص . ويستعين بوسائل لنقل المضمون . والاتصال الجماهيري عادة ما يكون غير مباشر اي, عبر الصحف والكتب والإذاعة والتلفاز والسينما وهو أكثر تعقيداً من الاتصال الشخصي والمجتمعي لأنه يستلزم قيام دولة او منظمة بدور المرسل, كما أنه يتوجه الى أعداد غفيرة من الناس . ومن أجل فهم طبيعة هذا الاتصال بثقافة الأطفال لابد من معرفة ودراسة الأبعاد التالية لهذا الاتصال وهي : المصدر- المرسل – الرسالة – الوسيلة – المتلقي – رجع الصدى – التأثيرات . والحديث هنا لا يتسع لذلك . وسنكتفي باستعراض سريع لخطورة واهمية هذا النوع من الاتصال في ثقافة الطفل .  وتُعد وسائل الاتصال الجماهيري باشكالها كافة هي الناقل الاكبر لثقافة الطفل بمختلف انواعها وعلى مستوى العالم اجمع , ومن اهم تلك الوسائل :
 
1 –  الصحافة (صحافة الطفل)
وهي عادة ما تكون مجلات متخصصة اسبوعية وشهرية وفصلية وسنوية او ملاحق في الصحف العامة او الصحف ذات التخصصات المختلفة . ورقية كانت ام الكترونية . ولهذه الصحافة تاريخها الطويل والمعروف الذي بدأ عام  1774 – 1791 في فرنسا, وعام 1922 في العراق علي يد فهمي سعيد . و تُعنى صحافة الأطفال بشؤون الثقافة عموماً دون أن تقتصر على جوانب معينة, او مقيدة في بالمنهج المدرسي . وتصدر اليوم صحف الأطفال في العالم بأعداد كثيرة ،وهي في الغالب تزدان بالرسوم الملونة ونستطيع تقسيم صحف الأطفال نسبةً إلى الشكل إلى : مجلات وجرائد . اما بالنسبة للمضمون فهناك صحف منوعات وصحف مسلسلات وصحف هزلية ،وصحف فنية ،وصحف علمية ، وصحف تربوية ، وصحف هوايات وغيرها . وبالنسبة للجهات التي تصدرهذه الصحافة  فهي : حكومات ومنظمات رسمية وغير رسمية وأحزاب ، وجهات تجارية ، واشخاص, وتتنوع هذه الصحف وفق الفئات العمرية للطفل . وصحافة الطفل هي الاكثر شيوعا بين وسائل الاتصال الجماهيري التي تُعنى بالطفل وثقافته .

 2 – الكتب
تعد الكتب من اهم وسائل الاتصال المقروءة وهي على انوع مختلفة ومنها الكتب العلمية والفنية وكتب المغامرات والسير والقصص والاشعار والروايات . وكتب التاريخ والكتب الاجتماعية . وكتب الرسومات والسناريوهات والحكايا والامثال وغيرها الكثير من الكتب المتخصصة والمتنوعة . وقد فاق عدد الكتب المنشورة للأطفال خلال القرن الماضي مجموعة ما نشر من كتب الأطفال مجتمعة على مدى القرون السابقة . وكان ذلك بفضل نظريات التربية وعلم النفس التي أكدت على ضرورة القراءة للأطفال . وتمثل كتب الصورة أول تقدم كبير في القرن العشرين في أدب الأطفال فقد اكتسبت الرسوم أهمية تعادل أهمية النص او تزيد عليه في فهم الكتاب عامة القصة خاصة والاستمتاع بهما .

 3 – التلفزيون
يعتبر التلفزيون من اكثر وسائل الاتصال الجماهيري تأثيرا واكثرها جمهورا والنظام التلفزيوني يقوم على اسلوب إرسال واستقبال الصورة الحية المرئية والمسموعة. وهو بهذا يُعد اقدر وسيلة اعلامية عرفها الانسان في هذا التوجه, لانه يجمع الصورة والصوت معا, ويستطيع السيطرة على حاستي السمع والبصر وهما اهم الحواس الإنسانية  واشدها اتصالا بما يجري في نفس الانسان من افكار ومشاعر. وفي عام 1930 كانت البداية الرئيسية لاستخدام التلفزيون بشكل واسع عندما  اخذت التجارب في تأسيس محطات خاصة به في عدد من الدول الأوربية . والتلفزيون اليوم هو قبلة الأطفال لما يعرض فيه من برامج وافلام وصور متحركة ومنتجات اخرى تجتذب الطفل . وللتلفزيون قدرات كبيرة جدا على التثقيف والتعليم, لامتلاكه خصائص جامعة لا تتوفر في وسيلة اتصال غيره, فقد اخذ الحوار والتمثيل عن المسرح واخذ عن السينما شاشتها وطريقة عرضها واخذ قدرات الإذاعة في الوصول الى كل بيت ومكان . اضافة الى ذلك فإن التلفزيون له مؤثراته المرئية الالكترونية التي يكثر استخدامها في مختلف البرامج وتستعمل بهدف جذب الانتباه , ففيه القدرة على الانتقال السريع من صورة الى اخرى لتتابع المَشَـاهد واظهار صورة فوق اخرى لتجسيد الأفكار . وعليه فان التلفزيون اداة اتصال بإمكانها ليس المساهمة في نقل ثقافة الطفل الى متلقيها وحسب بل لها التأثير المباشر والقوي في توجيه الطفل, لان المؤكد علميا, ان الانسان كلما كانت عدد حواسه التي تتلقى المثيرات اكثر كان ادراكه أقرب الى أن يكون صحيحاً ومتكاملا , فالطفل الذي يتهيأ له أن يرى عصفورا ويسمع زقزقته يكون إدراكه لكينونة هذا المخلوق أكبر من إدراك طفل آخر تهيأ له سماع الزقزقة  وحدها او العصفور بدون زقزقة ,. وهذه الحال جعلت خبراء الاتصال يقولون أن التلفزيون أكثر قدرة على إيصال الرسالة الاتصالية من كافة وسائل الاتصال .

 4 – الإذاعة .. وهي من وسائل الاتصال ذات التأثير الكبير,  وتأتي بعد التلفزيون في مقدار قدرتها على نقل ثقافة الطفل من خلال تأثيراتها السمعية الكبيرة وقدراتها على تجاوز الحدود والحواجز والمسافات الطويلة . وعادة ما تكون الإذاعة كأداة اتصال فاعلة في المناطق النائية التي لا تتوفر فيها وسائل الاتصال الأخرى لأسباب تقنية او فنية  او مواصلاتية , والاذاعة لا تتطلب غير جهاز راديو يعمل بالبطاريات الجافة التي تكون بديلا عن الطاقة الكهربائية في مناطق يصعب توفير الكهرباء فيها .

5 – السينما .. وهي اداة اتصال تتطلب وجود بيئة مناسبة لها: كقاعات العرض الملائمة والقناعات والانطباعات المسبقة لدى المجتمع بأهميتها . وتوفر الاشرطة المناسبة للعرض . وسينما الأطفال لا تتمتع بوجود فاعل في معظم دول العالم لأسباب كثيرة تتعلق بشحة المُنتج السينمائي الخاص بالطفل  ومحدودية قاعات العرض الخاصة بهذا النوع من السينما وكلفة الانتاج مقارنة بالربح البسط . ومحدودية استيعاب قاعات العرض لعدد كبير من الأطفال, مقارنة بمشاهدي التلفزيون ومستمعي الاذاعة وقرّاء الكتاب والمجلة . ولكنها تمتلك قدرات هائلة في عملية الوصول والتأثير على الطفل وشده لما تقدمه, ورفده بانواع كثيرة من الثقافة .

6 – الشبكة العنكبوتية – الانترنت – وهي اداة اتصال بإمكانها جمع كل وسائل الاتصال في ثناياها حتى التلفزيون ولكنها هي الاخرى تواجه صعوبات متعددة تتعلق بالبني التحتية, كتوفير شبكات اتصال قوية واجور اشتراك مناسبة او مجانية وتوفر اجهزة حواسيب وقبل كل هذا, وجوب حصول الطفل على خبرة مناسبة للتعامل مع التقنيات المعقدة لهذه الشبكة  . وتنطوي اداة الاتصال هذه, على مخاطر جسيمة يتعرض لها الطفل . اذ يستحيل التحكم بمساراتها الاتصالية وبالتالي استحالة التحكم بنوع المنتج الذي يتلقاه الطفل , وفيها يكون الطفل عرضة للاستغلال والانزلاق في متاهات تدمر وجودوه بالكامل .  

التواصل
التواصل يعني الاستمرار بالاتصال وتقييمه وتقويمه من خلال رجع الصدى الذي يوفر فَهْما افضل وادق لعملية الاتصال وتأثيراتها في الطفل . ما يعني , العمل على التغيير بالأساليب والمواد المرسلة لهذا الكائن الصغير . والتواصل يوطد العلاقة بين المتصل والمتصل به , ويزيد حجم الإدراك والفهم للمادة من قبل متلقيها ويمنح مرسلها قدرة على تقييم هذه المادة مع قدرات ورغبات وإمكانيات وتوجهات المتلقي . والتواصل هو جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها,  ويعتبر التواصل المعرفي في ثقافة الطفل هو الذي يهدف إلى نقل واستقبال المعلومات، والتركيز على الجوانب المعرفية ومراقبتها، ونقل الخبرات والتجارب إلى المتلقي وتعليمه طرائق التركيب والتطبيق والفهم والتحليل والتقويم بصفة عامة. إنه يهدف إلى تزويد المتلقي بالمعرفة والمعلومات الهادفة. ومن ثم، يقوم هذا التواصل على تبادل الآراء ونقل المعارف وتجارب الاجيال من جيل الى جيل .

اهمال الطفولة في العراق تهديم مسبق لمستقبل البلاد وشعبها
قد لا يدرك المعنيون بالواقع العراقي الراهن وهم في خضم الفوضى والإرباك السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي , ان ثمة خطر, يهدد مستقبل العراق برمته . قد لا يدرك هؤلاء انهم ومهما اجتهدوا وحققوا بجهدهم, كل اهدافهم التي ارادوها , يظل عملهم انجازا منقطعا, “يقف على فراغ” وهو مهدد  بالضياع الكامل في قابل الأيام . بسبب الغفلة والاهمال اللتين تعاني منهما الطفولة العراقية التي تمثل المستقبل كلّه . واذا كان حال الانسان الراشد هو شاغل صاحب القرار السياسي والثقافي والاجتماعي العراقي, لان هذا الراشد هو الفاعل المباشر الحالي في الحياة العراقية المعاصرة والضاغط على صاحب القرار, فان المستقبل سوف لن يكون لهذا الراشد بل سيؤول الى انسان آخر هو “طفل اليوم” الذي يعاني من انعدام او نقص الخطط والبرامج والآليات التي تسمح له بان ينشأ وينمو بطريقة صحيحة ومعاصرة, تتوفر فيها كافة احتياجات الطفل, ليكون رجل المستقبل المؤهل للقيام بدوره الكامل والصحيح في بناء بلده , لا بل ان العيوب والمشاكل المستعصية حاليا والتي يعاني منها المجتمع العراقي  وتهدد وجوده , قابلة للاختفاء تماما بل والانقلاب من مشاكل الى ثيم ايجابية تصب في قوة النسيج الوطني العراقي وتخلق خواصا جديدة  سيتمتع بها الإنسان العراقي في علمه وعمله وسعيه الى التقدم العلمي والتكنولوجي والتحضر الإنساني , هذا اذا تم الانتباه للطفل العراقي واُعدت له كافة السبل والوسائل الحديثة في التربية والتعليم والثقافة والترفيه , كما هو الحال في الدول المتقدمة . نعم , يوجد في العراق تعليم يناله غالبية الاطفال ولكنه تعليم متخلف بالمقاييس الدولية المعاصرة التي رجحت ان يكون التعليم بطريقة اللعب لان اللعب ملازم لرغبة الطفل . ونعم , توجد في العراق تربية ولكنها اكثر تخلفا واعظم خطرا من التخلف في التعليم , ولكن الاكيد انه لا توجد ثقافة واعلام يُعنيان بالطفل , وثقافة الطفل يعدها مختصون بانها الأهم, ذلك لانها الوعاء الذي فيه وتمر من خلاله التربية والتعليم معا , ناهيك عن كونها مادة بناء راقية للذات الصغيرة , بناء فكريا وحسيا يعمل على رفع قدرات الطفل على صياغة حياة افضل واكثر رقيا – انسانيا وعلميا – في المستقبل . امّا صحافة الطفل فتعد مشلولة ومشوهة  وفق المقاييس الوظيفية لهذه الصحافة حسب ما معمول بها في العالم المتقدم , ولا تختلف ثقافة الطفل عن صحافته . اذ ليس هناك اية مواد ثقافية مدروسة علميا تقدم للطفل , مواد تعمل على توسع مداركه وافق خياله وتحرضه على الابداع والتميز والعطاء . فلا توجد مكتبات ثابتة او متنقلة تتوفر فيها الكتب المقروءة والمسموعة والمرئية المسموعة المناسبة “انقرائيا” للطفل وهي تحمل موادا يحتاجها هذا الطفل في حياته لينمو نموا صحيحا وصحيا , وتنعدم المسارح وورش العمل في الفنون والاداب والعلوم والوسائل المختلفة الاخرى التي تغذي ذات الطفل . لا بل وجدنا مديريات التربية تحارب مثل هكذا ثقافة ووسائل اتصال . ولا توجد مراكز ثقافية للطفل تدرك وتعمل في هذا الاتجاه ولديها الستراتيجيات والخطط والبرامج المناسبة وتتوفر لديها الامكانيات المادية والمعنوية والخبرات الكافية . ان حال الطفل وثقافته وصحافته في العراق ” هذه الايام ” وكأنها زائدة عن الحاجة , وينظر اليها اغلب المعنيين بالشأن العراقي وكأنها قضية ترف . 
وفي ظل هذه الحال تنبغي الاشارة الى وجود اهتمامات شخصية محدودة بالطفل وثقافته من قبل كتاب ومثقفين ومربين , ولكنهم يعدون على اصابع اليد كما يقول المثل .