بين عذب الكلام وعطنه مسافة شاسعة لايدركها الا المهذبون العقلاء ، العارفون بدقة مغزى القول الحكيم الخالد ((لكل مقام مقال )) .
اما الجهلة فأن الامر سيان عندهم لذلك تجدهم يخلطون جميل اللغة بفاسدها في اللحظة الواحدة بدون الانتباه الى قيمة مايطلقونه ومدى تأثيره على افكار او مشاعر على الناس .
ان امثال هؤلاء لهم تبريراتهم الخاصة التي هي وليدة التفكير السطحي والتنشئة البيئية الرديئة والانحدار الطبقي ذي الثقافة المتدنية .
وهي تبريرات تولد في الشارع وتتغذى على افرازاته وتنمو عليه ، ولذلك تجدهم ينظرون الى كل مايرمونه من كلام على مسامع الاخرين باعتباره (( كلام طبيعي جدا)) وماعلى الاخرين سوى استقباله بلا احتجاج او استنكار .
هذه النماذج كانت في زمن ماقبل الفضائيات تحقق حضورها في المقاهي ورؤوس الازقة والشوارع والبارات الرخيصة فقط ، وهي اماكن طبيعية جدا لها ، ولهذا كان ضررها العاطفي محدود وتأثيرها الفكري لايحقق نجاحه الا في بعض العقول التي تجيد الاستقبال فقط ولاتجيد الفرز.
لكن الخطاب الفكري الهابط لبعض الفضائيات العراقية ، والمتأثر بخطاب بعض القنوات العربية والعالمية الخاصة ، شاء ان ينقل مثل هذه النماذج من تلك الاماكن الى الاستوديوهات ، ويعطيهم صلاحية زرع الثقافة الشوارعية في دماغ الجيل الجديد الذي كنا نعول على تحضره كثيرا ، ليجعلوا منه نسخة طبق الاصل لماسبقه من اجيال لم تعرف من الحضارة الا قشورها .
انها كارثة حقيقية تحيق بنا ،بدأنا نلمس انعكساتها على اخلاق وسلوك الصغار وعدد كبير من الكبار ممن لايملكون بناء اخلاقيا وثقافيا رصينا . خصوصا في طرائق كلامهم واساليب تخاطبهم مع الاخرين ، تلك الطرائق والاساليب التي لم يتحرجوا من استخدامها في كل مكان ومع اي كان الا الذي يخافون من جبروته .