23 ديسمبر، 2024 1:20 ص

سقطت الشعارات لدينا وفقدت معانيها الحقيقية ، ككل الأشياء الساقطة في الوحل الذي نغوص به .
ففي ظل غياب المعاني الحقيقية الصادقة في نفوسنا للمباديء والقيم والألتزامات التي (( يفترض )) اننا نتبناها ونرفعها كشعارات ولافتات طريق ، يصبح الهدف نحو مسخنا واتلاف شخصيتنا وتغييبنا أسهل وأمضى .
لقد رفعت كل الحركات والأمم والأحزاب شعاراتها عبر تاريخ نضالها المجيد ، وقد قدمت التضحيات والقرابين والشهداء تحت ساريتها .
وقد اختلفت الشعارات بأختلاف الأمم ، وتنوعت بتنوع الأهداف والغايات التي ترجوها . حتى أصبحت هذه الشعارات هي الأهداف والغايات لها وبالتالي شكلت الجزء الأكبر من هوية وجودها وديمومتها .
فهي اذن – الشعارات – المباديء التي يتحطم على عتباتها كل فعل معاكس ومناهض وكل سلوك منحرف ، وتصبح هي عمود الظهر لتقويم محيطها ورسم الخطى له بما ينسجم ويتوافق معها .
كل حركات التحرر في العالم رفعت شعاراتها وناضلت وكابدت وقدمت ماتوجب عليها من الضحايا والقرابين لأجلها .
كل ثورات الكادحين في العالم رفعت شعاراتها والتزمت بها الى حد الرقبة . . كل المناضلين . . كل الأبطال . . كل المظلومين . . كل المهمشين والمقهورين والمعدمين . كل دعاة التصحيح والتقويم ومحاربة الأنحراف والتحريف رفعوا شعاراتهم وأصبحت هي طريق مسارهم ومنهاج حياتهم . كل الأديان والأنبياء والأتقياء والصالحين كانت شعاراتهم هي منهاج حياتهم .
في نفس الوقت ،
كل حركات الأستعمار والغزو أوجدت لها شعارات وبررت غزوها واستعمارها وحركتها . كل تكتلات الرأسمالية والبرجوازية والأقطاعية ، وكل هيئات ومنشآت الأقتصاد والأجتماع والعلوم والبحوث كانت لها أهدافها وشعاراتها المعلنة وغير المعلنة وتمضي بخطى حثيثة لأجل تحقيقها وتحقيق غاياتها (( مهما كانت تلك الغايات وتلك الأهداف صالحة أو قبيحة )) لكنها أوجدت شعارات تبررها .
التاريخ العربي والأسلامي والعالمي مليء بالرموز والشواهد والدلالات العميقة لعظماء التزموا بمبادئهم ورفعوا شعارات تسمو معانيها مع سمو وعمق التفاني والتضحيات التي قدموها لأجلها ، رجال أحرار وثورات حرة ، أفكار ومشاريع تحرر ومشاريع نهوض وتقويم وبناء ، كبيرة كانت أم صغيرة ، سواء أخذت وضعها وفاعليتها أو لم تتمكن من المضي والأنجاز وتوقفت الى حد معين بفعل ماجرى عليها من محاولات اطفاء واخماد .
واذا اردنا ايراد الأمثلة والشواهد على ذلك فلن يتسع المجال لذكر أكثر من ثورة التصحيح التي سعى لها (( الحسين بن علي بن أبي طالب )) في تاريخنا الأسلامي ، أو ثورة المغلوبين السلمية التي سعى اليها المهاتما غاندي ،أوالنضال والكفاح الذي قدمه مانديلا أوجيفارا أو المئات من المناضلين والثائرين في عصرنا الحديث في كل دولنا وأقطارنا ، الذين كانت شعاراتهم هي البداية وهي الخلود وليست النهاية لهم .
في كل ماذكرناه أعلاه لم تكن تلك الشعارات مجرد حبر على ورق سوف تمحوه الشمس أو يزيله المطر أو تذروه الرياح عما قليل وانما كانت نتاج ومحفز لفعل وهدف وبناء ذات وقيام أمم . ولم تكن تلك الشعارات مجرد واجهات تختبيء وراءها المآرب الشخصية والنفعية الضيقة كما صار يحصل الآن في زمن اسقاط القيم والمثل والمباديء وزج العباد في سيول وتيارات من الألهاء والتلهية .
هذا الكم الذي لاحدود له من الشعارات والهتافات المكتوبة بأحدث طراز وبأجمل الخطوط التي نغرق بها يوميا في كل مكان وعلى مختلف الأصعدة والنشاطات الأجتماعية والسياسية والخدمية ، أصبحت مجرد – حبر على ورق – . فقد أصبحت اليوم الشعارات واللافتات والأدعاءات البراقة مجرد وسيلة للأيهام والخداع وابعاد الأنظار والأبصار عن الحقيقة المرة ، وأمست وسيلة لتغطية وتزويق وتلميع العجز والتهاون والفشل والخيانة . مما أفقد هذه الشعارات والأدعاءات معانيها وجعلها سهلة التفسخ والتحلل والأندثار .
كلنا أصبحنا نرفع شعاراتنا العامة والشخصية لأجل أن نختفي وراءها أو نخفي وجوهنا الحقيقية . .
مجرد شعارات ، ومجرد هتافات . .
لانستحي من رفعها واطلاقها على الناس ولانتردد بتلميعها وتزويقها لأيهام الآخرين بنا .
لم يعد لدينا الحياء الكافي لغرض مراجعة أنفسنا بين مانتقوله وحقيقة مانفعله وما نرمي اليه ، فقد ضاعت علينا خيوط الأمساك بأنفسنا وأغرقتنا براقع الضوء والتلميع والتزييف وأصبح كل منا يختفي وراء شعاراته ويلبس أكثر من برقع لأكثر من وجه وأكثر من غاية وأكثر من طموح صغير ذاتي دنيء .
هذا كله لايتماشى مع ماعرفناه وماقرأنا عنه وماكان يجب أن نتربى عليه من سفر التعاليم والأديان والمذاهب والطقوس التي كانت بكل وجوهها تحمل غاية وشعارا لتكويننا نحو الأحسن ، أو من جدليات التاريخ التي تم دعكنا وصقلنا من خلالها بما فيه الكفاية لظهور وجه مشرق لنا . . ولكن ماذا نقول وقد تم تحريفنا وجرنا نحو هاوية الأكاذيب . . .
علينا اعادة النظر بذلك .
كريم عبدالله هاشم
[email protected]