نشر أحد الأصدقاء مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي منشورا مؤلما قال فيه
من فاجعة الكرادة #بغداد
إلى حادثة العبارة #نينوى
إلى مستشفى ابن الخطيب #بغداد
إلى قاعة الحمدانية #نينوى
إلى هايبر ماركت #الكوت
“لن ينتهي هذا المسلسل من الحوادث ما دام هناك من يفكر بالأرباح لا بالأرواح”
هذه العبارة ليست مجازاً بل تشخيص دقيق لمرض مستشر في جسد الدولة والمجتمع اسمه الفساد، الإهمال وانعدام الإنسانية ،هذه الكلمات رغم بساطتها تختصر حقيقة جارحة يعيشها كل عراقي وتمثل مرآة لواقع تتكرر فيه المآسي بلا نهاية
أرواح تباد باسم الأرباح
ما يجمع هذه الفواجع جميعا ليس فقط الفقد بل الحقيقة المرعبة أن أغلبها كان يمكن تفاديه. لو وجدت رقابة، لو طبقت معايير السلامة، لو كانت الأرواح تقدر كما تقدر العقود والمشاريع. لكن في العراق بات الربح فوق الروح، والأولويات مقلوبة بشكل يهدد وجود الناس في أماكن يفترض أن تكون آمنة: سوق، قاعة أفراح، مستشفى.
كل مأساة تمر نسمع بعدها تصريحات عن ،لجنة تحقيق ،عن قصور إداري، عن أحكام قيد الدراسة، ثم يمضي الوقت وتطوى الصفحات ويبنى متجر جديد فوق الرماد وكأن الأرواح التي صعدت لم تكن سوى خسارة هامشية في ميزانية أحدهم.
السبب الحقيقي خلف تكرار الكوارث ليس سوء الحظ، بل بيئة تمنح الفاسد حصانة، والتاجر المتواطئ مبررا، والمسؤول المهمل فرصة ثانية. في هذه البيئة تتحول الأبنية إلى قبور والمستشفيات إلى محارق وقاعات الاحتفال إلى مصائد موت، بيئة يختصر فيها الإنسان إلى رقم، يصبح كل مشروع فرصة استثمار لا مسؤولية. تبنى الأبنية بلا شروط، تجهز المستشفيات بلا تدقيق، وتمنح التراخيص بلا ضمير. ويكون السؤال الأول: كم أربح؟ لا من أحمي؟
تشترى معدات إطفاء مغشوشة، وتركب أنظمة إنذار غير فعالة، وتهمل مخارج الطوارئ، وكل ذلك بأوراق رسمية موقعة من جهات يفترض أنها تراقب وتحاسب.
مسلسل لا ينتهي… لأن الأبطال محصنون
ما يحصل ليس مجرد صدفة أو قدر بل نظام متكامل من التراخي والفساد والتواطؤ وفي كل مرة تقع فيها كارثة نسمع كلمات مكررة: تشكيل لجنة، تحقيق عاجل، محاسبة المسؤولين… ثم يمضي الوقت، وتنسى الدماء، ويصبحوا الضحايا في خبر كان
ولذلك، كما قال هذا الصديق بصدق عفوي مؤلم:
” لن ينتهي هذا المسلسل… ما دام هناك من يفكر بالأرباح لا بالأرواح ”
نهاية مفتوحة على الخذلان
من يطفئ الحريق القادم؟ من يمنع فاجعة الغد؟ الجواب بسيط ومخيف: لا أحد، ما دام الربح يعبد، والروح تهان، وما دام القاتل يلبس ربطة عنق ويتصدر شاشة المؤتمر الصحفي دون خجل
إن ما قاله هذا المواطن البسيط هو أكثر صدقا من مئات المؤتمرات الصحفية والخطابات الرسمية، ما دام هناك من يفكر بالأرباح لا بالأرواح، فلن يتوقف هذا المسلسل
اخيراً اقول
لكل من فقد ابنه في حريق، أو والدته في مستشفى، أو أحبته في عبارة، نقول: أنتم لستم أرقاما. والدم الذي سفك لا يغسله بيان ولا يبرره إهمال.
المسؤولية لا تسقط بالتقادم، والذاكرة العراقية ليست قصيرة كما يتوهم الفاسدون.