22 نوفمبر، 2024 5:22 م
Search
Close this search box.

ثقافة الحوار ….وأدب المناظرة

ثقافة الحوار ….وأدب المناظرة

الذين يبحثون عن الحوار أنما يقصدون بذلك طلب المعرفة والحقيقة لتغيير بعض الحقائق المترسخة في أذهانهم وتحويلها للمسار الصحيح،هنالك من يبحث عن الحوار لغرض خلط الأوراق وتشويه الحقائق عند لجوءه للمناظرة ,أنما للسب والقدح والطعن بثقافة الآخرين وكأنه يعلم ما لا يعلمون،تلك هي النظرة الفوقية والدونية التي رفض الباري ان يتعامل بها الناس مع بعضهم البعض وقول الرسول (ص) (الناس سواسية كأسنان المشط) ,الحوار سلوك قويم ,مارسته الملائكة قبل ان يخلق الله تعالى الإنسان حين أنبئهم بخلقه البشرية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (البقرة : 30 ),ولم يقتصر الحوار مع الملائكة , فقد فسح المجال لإبليس , حين عبرة عن رائيه مسوغأ رفضه للسجود لآدم (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) ( الاعراف : 12 ), فلم يمنعه الباري من الإدلاء برأيه والتعبير عما يعتقده , ولم يرسل عليه عذابا يدمره في حينه رغم انه خالف امره, بل منحه فرصة عندما طرده من الجنة ,ومنحه مهلة ليوم القيامة (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ, قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُون,قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ )( الأعراف : 15,14,13 )هذا الأدب والخلق الرباني المستمد من القرآن ,مثال لنا في تعاملنا مع من نخالفهم في الرأي ,وكيف نفسح المجال لهم للتعبير عن آرائهم بكل حرية؟,المناظرة مع الآخرين والحوار سمة من سمات أصحاب العقول الصحيحة ,من اجل أقناع الآخرين برائيهم وأفكارهم مستخدمين الحجج العقلية والأدلة والبراهين لدعم أرائهم ,أن ثقافة التكفير لدى بعض الجماعات الاسلامية المتعصبة والمتطرفة، تجاوزت الحدود بشكل مذهل وخطير لإقصاء الآخر والإفتاء بقتله ،وهذا ما يتناقض مع سماحة رسالة السماء وقيم الإسلام العادلة ،لقد تجاوز الفكر التكفيري حتى مقولة (ابي حامد الاسفراييني ) وهو احد علماء الشافعية في القرن الرابع عشر حيث قال :(من كفرني كفرته ذلك اني واثق من اسلامي ولا اشك

فيه فإذا كفرني خصمي هو الكافر)ويعتمد نوع الحوار او المناظرة مع طبيعة الجانب الاخر وفكره ومعتقداته وسلوكه ،وكلما كان الحوار هادئا بعيدا عن التشنج والتهكم والسخرية بالخصم كلما فسح المجال للرأي الأصيل والفكرة الهادفة بأخذ مكانها في الحوار وإقناع الطرف المقابل بها,وما من رسول او نبي الا وقد ناظر قومه وحاججهم وجادلهم في أثبات صحة ما يدعوهم اليه, فقد حاجج ابراهيم (عليه السلام) النمرود، كما حاجج قومه, وجادل نوح (عليه السلام ) قومه حتى قالوا له (يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) (هود:32) ،وقد امر الله الرسول (ص) بمجادلة المشركين ودعوتهم الى الحق ، فقال (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن,ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله ، وهو اعلم بالمهتدين )(النحل:125) ,كما امره الله تعالى بمجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالحكمة والموعظة حيث جاء في قوله تعالى (ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي أحسن )( العنكبوت: 46),فالغلظة في المناظرة والجدل لا تزيد الطرف الآخر الا نفورا وعناد وتعصبا، وتمسكا بالباطل كما أوضح الباري تعالى (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) (ال عمران : 159) ويتضمن القران الكريم احتجاجات كثيرة بين الله تعالى والبشر،ضاربا الامثال التي توضح الفكرة ، ذاكراً الأدلة المنطقية والعقلية التي تدعم الفكرة،يقول الله تعالى (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه , قال من يحي العظام وهي رميم ,قل يحيها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم الشجر الأخضر نارا فاذا انتم منه توقدون )(يس : 78-79),وقد دخل النبي (ص) في مناظرات مع اهل الأديان الأخرى ،فينقل لنا الطبرسي في كتابه ( الاحتجاج) مناظرات للرسول الاكرم (ص) مع اليهود والنصارى والدهرية والثنوية ومشركي العرب ،ويروي تفاصيل شبهاتهم وجوابه لهم ودحضه لمزاعمهم,كما ان المتبع لسيرة الائمة (عليهم السلام) يجد أمثلة كثيرة في مناظراتهم واحتجاجاتهم مع خصومهم،بدء بأميرالمؤمنين علي (ع) وبقية الائمة الذين وردت أخبار كثيرة بشان مجادلة الخصوم وإقناعهم ،وكانوا (عليهم السلام) يأمرون بعض اصحابهم ممن يتوسمون فيهم القدرة على مقارعة الحجة بالحجة ، كما هو المشهور في موقف الامام الصادق (ع) من هشام ابن الحكم وثلة من

أصحابه الذين تصدوا لأفكار الزنادقة والملحدين والمخالفين في المسائل الاعتقادية كالمجبرة والمفوضة والمجسمة وغيرها من المذاهب,ففي كل حروب الامام علي (ع) كان قبل ان يبدأ المعركة يدخل مع المعسكر الآخر لقتاله في مناظرات فكرية وفقهية ليرشدهم لطريق الحق وان لا يضلوا عنه قائلاً لهم مذكرهم بقول الرسول (ص) (علي مع الحق ،والحق مع علي ) والسؤال هو كيف يخرجون لقتاله ولقتال أصحابه ؟ وهم يعرفون مكانته ومنزلته ,ولعل قضية الأمام الحسين (ع)كانت مليئة بثقافة الحوار والطرح البناء قائلاً لهم قبل معركة واقعة ألطف(أيها الناس : انسبوني من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها ، و انظروا هل يحل لكم قتلي ، و انتهاك حرمتي ، ألست ابن بنت نبيكم ، و ابن وصيه و ابن عمّه ، و أوّل المؤمنين بالله ، و المصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه ؟، أو ليس حمزة سيّد الشهداء عم أبي؟ ، أو ليس جعفر الطيار عمّي ؟ والسؤال نفسه كيف يقاتلوه وينتهكون حرمة الرسول بقتل ابن بنته؟وقد دعا الأئمة الى المناظرة والاحتجاج ، فقد روي عن الأمام الصادق عن ابيه الباقر (ع) قال : من أعاننا بلسانه على عدونا انطقه الله بحجته يوم موقفه بين يديه عزوجل, وقول الامام الصادق (عليه السلام): حاجوا الناس بكلامي فان حاجوكم فانا المحجوج ،وكان الإمام الصادق يحب سماع مناظرات تلاميذه مع خصومهم ويطلع على حججهم،كما ان الذي يود المحاججة عليه التسلح بالثقافة الواسعة والعميقة والمعرفة المسبقة للموضوع المعني المناظرة فيه بقراءة أكثر من مصدر عنه ومن شتى الآراء ووجهات النظر وذلك للتمكن من الرد والإجابة على الأسئلة المطروحة بروح عالية وتقبل الرأي الآخر طبقاً للمقولة الشائعة الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية.

أحدث المقالات