23 ديسمبر، 2024 2:24 م

ثقافة التوريث السياسي

ثقافة التوريث السياسي

التوريث : ثقافة شرقية ــ عربية اسلامية ـــ بأمتياز , وهي حصيلة للطغيان ( نزعة ) وللغرور ( بلادة ) , يتورط بملفاتها غير السويين من خارج الثوابت الوطنية , في مراحل الأنتكاسات والضعف وتربة الدسائس ( المؤامرات ) يتم تصنيع مثل تلك النماذج لأنجاز المهم والملح من فصول المشاريع الغازية حضارياً واقتصادياً وسياسياً ومخابراتياً وعسكرياً احياناً , تبقى الملفات السرية للمهمات القذرة مقلقة للطاغية الجاهل , وحتى لا يستقر فأس الفضائح والمحاسبة الجنائية في رأسه  والعائلة وحبربشية الحزب معه , يفكر في مخرج التوريث لضمان دوام الحال .
يصاب الطاغية الجاهل بعقدة التوريث عندما يشعر ان مصالحه والمكاسب السياسية والأقتصادية للعائلة وغلافه الحزبي , اصبحت فوق المصالح العليا للشعب والوطن وان المواطنيين ليس اكثر من قطيع تحت رحمته ورعايته , وان فضلات المكاسب المادية التي يحصلون عليها , ما هي الا مكرمات القائد ويجب ان يقدموا له الشكر والطاعة والخنوع .
مثلما للطاغية المغرور ورثته , فلأفراد حكومته ورثتهم ايضاً , هنا يتم ابتلاع الحزب من قبل القائد وبذات المشتركات  يتم التوافق على ابتلاع الدولة والمجتمع من قبل الجميع , حيث تتمدد حكومة كوارث ومصائب تدفع بالأمة الى هوة التخلف والأنحطاط  .
لم يشكل سقوط الطاغية وحاشيته العائلية والحزبية شأن ذات اهمية , فهو ساقط منذ بدايته , ومزابل التاريخ مكتظة بأسماء تلك النماذج الرثة , لكن الضريبة المكلفة التي يدفعها الشعب والوطن , تتواصل مأساة وفواجع مرعبة لعدة عقود .
كما اشرنا : ان ما يفزع الطاغية وغلاف المرتزقة , هي الملفات التي يبتزه بها من وظفوه ثم كلفوه مجبراً على انجاز تلك الملفات القذرة , انها ملفات تشده الى وتـد التبعية دون خيار , لا يملك مخرجاً سوى تهيئة الوريث لأنجاز ما تورط به , الى جانب ذلك , فالأسياد يملكون تحت ابطهم رعيلاً جاهزاً من سفلة المرحلة, وعندما يصبح التوريث ثقافة , تصبح معه حكومة التوريث مستنقعها كظاهرة عراقية من رأسها ( القائد ) وحتى اخمص شراذمها .
نائب سابق , كغيره يتحدث ويدين الفساد والمحسوبية والرشوة ويدعو لأحترام الكفائة والنزاهة والقانون , وجهت اله دعوة من احدى منظمات المجتمع المدني في الخارج لحضور مهرجان للتضامن مع العراق ــــ اوعدهم وخصصت له فقرة ــــ , لكنه بدلاً من حضور المهرجان , كان مشغولاً بتعيين ابنه في القنصلية العراقية في ( …..), وتلك حالة من مئآت الحالات , وليس في الأمر غرابة , فالسفارات العراقية والسلك الدبلوماسي بشكل عام اصبحت ( اقطاعيات ) خاصة تستورثها بالتناوب عوائل الحاكمين سابقاً ولاحقاً , رموز العملية السياسية الراهنة , ومثلما استورثت وتحاصصت مؤسسات الدولة ومعها الأجهزة العسكرية والمخابراتية والأستخباراتية وجعلوا من سلكها الخارجي , روضات خاصة يتطفل ويتعلم داخلها ابناء وبنات المغمورين على ممارسة العمل السياسي والدبلوماس والثقافي وكذلك الأمني , استهتروا فيها وجعلوا من فضائحها مهازل لا تثير فضول الرأي العام .
محزن ومخزن , ان اغلب الرموز التي لا يعرف تاريخها غير تعدد خيوط التبعية والسقوط في مستنقعات الأنتهازية والوصولية والأرتزاق وسرقة تضحيات ( ولد الخايبه ) , تلك الرموز السياسية والأجتماعية والدينية التي تسللت وبشروط مهينة من جيب السفارة الأمريكية , لم تكتفي بتسويق ابنائها وبناتها والمقربين من عوائلها وعشائرها وانتهازيي احزابها , بل عبت مؤسسات الدولة بمحترفي الفساد والجريمة من فرق بقايا سفلة النظام البعثي ومن بينهم مجاميع مخابراتية واستخباراتية خطيرة , لا زالت تقتدي بوصية الهبل صدام حسين ” من يريد العراق .. يستلمه بلا شعب ” فأصبحت قنوات لمرور جرائم القتل والتفجير اليومي …, حلف مع اهون الشرين , حيث قال احدهم  وامام جمع غير قليل ” السخونة التي ينقلها البعثي … اهون من موت يجلبه علماني … وبأستثناء الماضي القمعي للبعثيين , فلنا معهم مشتركات عقائدية واجتماعية وفلسفية واخلاقية … تجمعنا معهم لمواجه علمانية المشركين ” , بمثل تلك العقلية ( الطايح حظهه ) ثم تسويق الألاف من اعضاء فرق  الأفتراس الجماعي للزمن البعثي , وكأن العراق ارث فقد وارثه ولم ينفع معه الا التقسيم والحوسمة والفرهود الشامل .
اغلب المسؤولين ان لم نقل جميعهم .. هروباً الى الأمام , يستعينون بأنتهازيي رؤساء العشائر .
 ” صديم صيتك  ـــ هز الدنيه وما بيهه ”
” يالرايد حل ـــ هدنه عليهه ”
كغطاء شعبي لتحقيق بعض المكاسب الأنتخابية , او تبريرات مسبقة لدعم المهمات القمعية القادمة لقاعدة المليشيات الحزبية , مستعينين ايضاً بعشائر الأعلاميين والمستثقفين الذين لعطوا الفضلات من تحت اقدام صدام واولاده واخوته ( غير الشرعيين ) , انها القمة التي يبدأ منها الأنحطاط والسقوط في آن .
عندما يبدأ انتفاخ المستطغي الجاهل بغازات اوهامه , يدفع به حشر المداحين كطائرة ورق الى اعلى قمة غرور ممكنة وبأنتهازية مقارناتهم يوهموه على انه عظيم وضرورة و ( فلتـه ) لا بديل لها , فيسقط في فخ فراغ العظمه بكل حماقاته وسخافاته وجهله , لينتهي منبوذاً مشتوماً مستهجناً تطارده لعنة الرأي العام , بعدها يتخلى عنه فيلق المهمات القذرة ليبدأوا النفخ في الضرورة القادم من مواخير الجهل والأنحطاط .
اول محطة سقوط في مسيرة الطاغية الجاهل ,عندما يخدعه الوهم على ان الوطن اصبح مزرعته الشخصية , فتبدأ عنده عقدة الأستيراث ونزعة التوريث لأشطر ابناءه واكثرهم شبهاً وطاعة وتقليداً , هكذا كل الذين حكموا العراق والى يومنا هذا بأستثناء مرحلة الشهيد الوطني عبد الكريم قاسم حيث كانت الوطنية كل ما يملكه والشعب وريثه , التوريث ثقافة يستمدها الطاغية الأهبل من غلافه السميك من المستشارين وافراد مكاتبه وحماياته وانتهازيي حزبه وما هم تحت الطلب من اعلاميين ومداحين ورداحين , في العراق الأستثناء , كل الذين فكروا اوحاولوا استيراثه وتوريثه, سقطوا قبل ان يستلم الوريث وصية والده .
ان مسلسل سقوط الطغات البلداء قبل ان يستلم وريثهم الوصية, ظاهرة مخيفة, ومع انها كارثة وطنية, فحريقها يبتلع اخضر ويابس الطاغية وعائلته وانتهازيي حزبه وعشيرته وتجعلهم رماداً, لكن الغريب في الأمر , ان الجهل والبلادة والغرور تمنع هؤلاء من استذكار التجارب المؤلمة وياخذوا الحذر من ردة فعل الملايين الصامتة ويتوهمون غباءً على ان ” دار السيد مامونه ” .
المحاصصة : هي اخطر واشطر انواع الأستيراث والتوريث الطائفي القومي .. ان تكون رئاسة الوزراء حصة احزاب الأسلام الشيعي .. ورئاسة الجمهورية حصة الحزبين الكرديين الرئسين .. ورئاسة مجلس النواب حصة احزاب الأسلام السني .. فهل هناك ظاهرة ابشع من حالة الأستيراث والتوريث تلك .. ؟؟؟؟ , المضحك ان جميعهم يرفضون ويدينون الطائفية قولاً, بذات الوقت , جميعهم يمارسوها ويؤدوها كفروض العبادة , مايثير الحزن والأسى , مبادرة السيد وزير العدل بأصدار ” مشروع قانون الأحوال الشخصية ( الجعفري ) وقانون القضاء الشرعي ( الجعفري ), فهل هناك اخطر من هذا النفس الطائفي واكثر استفزازاً للآخر ــ  ثـم يستنكر ردة فعله ويتهمه بالطائفية , فأين هو العدل من وزير عدل طائفي حتى العظم .. ؟؟؟؟ , كل مختبيء في قذارة طائفيته , يخرج منها احياناً ليرى ويدين قذارة طائفية الآخر , ثم يعود ليختبيء في طائفيته  .
احزاب الأسلام السياسي , شيعية كانت او سنية , طائفية دون استثناء , الأشكاليه فقط , نسبة الطائفية صعوداً ونزولاً في نوبات التطرف , انه بؤس الواقع العراقي في مرحلة التحاصص والتوريث .