23 ديسمبر، 2024 5:47 ص

ثقافة التظاهر هل ستقوي العبادي أم تنقلب عليه ؟!

ثقافة التظاهر هل ستقوي العبادي أم تنقلب عليه ؟!

في توجه مغاير لموقف السيد نوري المالكي عندما كان رئيسا لمجلس الوزراء بخصوص التظاهرات , ومنها تلك التي انطلقت في شباط 2011 لتنفيذ بعض المطالب او التي تلتها والتي وصلت الى حد التأزم , دعى السيد حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء الجهات الامنية الى عدم التصدي للتظاهرات والتعامل معها بشكل ايجابي , واصفا التظاهر بأنه حقا كفله الدستور وان باستطاعة المواطن التظاهر والتعبير عن الرأي وهي فرصة للاستماع الى مظالم الناس والتفاعل معها بضوء المشروعية , وخلال كلمات ألقاها العبادي في مناسبات عديدة بعد تنظيم بعض التظاهرات , ذكر بأنه يتبنى حقوق المتظاهرين ويسعى الى تنفيذها من خلال تنشيط الاقتصاد الوطني بزيادة منح الفرص للقطاع الخاص وتفعيل الاستثمار لتنويع مصادر الدخل للخروج عن السياسات السابقة التي اعتمدت على الايرادات النفطية بشكل كبير .

وكانت بغداد ومدن عراقية اخرى , قد شهدت العديد من التظاهرات التي شارك فيها منتسبو الشركات العامة في وزارة الصناعة , وقد تركزت اهداف المتظاهرين في مطلبين أساسيين اولهما صرف مستحقاتهم من الرواتب التي يقولون انها توقفت منذ اربعة شهور , والمطلب الثاني هو توفير مستلزمات عمل شركات التمويل الذاتي بما يتيح لها العودة للعمل والإسهام في الانتاج بعد توفير السبل الكفيلة لإعادتها للحياة , وعلى خلفية هذه التظاهرات فقد أوعز العبادي بصرف رواتب منتسبي شركات الصناعة لشهر واحد ولحين البت بموضوعهم , كما وعد بان رواتب وخدمة موظفي الصناعة سوف لا تنقطع وان هناك جهودا تبذل لإعادة عمل هذه الشركات خلال العام الحالي , وقد أوفى بوعوده حيث وافق مجلس الوزراء في جلسة 17 / 2/ 2015 على إطلاق صرف الرواتب وإيجاد السبل الكفيلة بتفعيل عمل شركات التمويل الذاتي , وهذا الإجراء أوقف تظاهرات موظفي الصناعة .

ولم تقتصر تلك التظاهرات على موظفي وزارة الصناعة , فقد خرجت تظاهرات سابقة ولعدة مرات للمفقودين من العسكريين المتواجدين في القاعدة الجوية في صلاح الدين ( سبايكر ) , كما تظاهر العاملون بالعقود لغرض تثبيتهم وسواق الاسعاف الفوري وحاملي سندات التمليك الوهمية التي وزعت لهم قبل الانتخابات , وقد وصل التظاهر الى خروج العشرات من أهالي بغداد مطالبين بسرعة انجاز مجسر باب المعظم بعد مرور 8 سنوات على الشروع به رغم إن انجازه لا يستغرق سوى عدد قليل من الشهور , علما بان التظاهرات غير غائبة عن تاريخ العراقيين الحديث ولكنها لم تكن مؤثرة في أغلب الاحداث السابقة , فخلال السنوات التي سبقت 2003 كان التظاهر يجري بموجب توجيهات ومن باب الرفض او التأييد بناءا على اوامر مركزية ولأغراض سياسية وهي ضد جهات أجنبية في أكثر الاحيان , وبعد سنة 2003 لم تحدث التظاهرات تغييرات جوهرية على غرار ما جرى في مصر او غيرها من البلدان .

ولا يعني ذلك عدم وجود حالات تستوجب التظاهر , ولكن التعليمات التي طبقت أوجبت الحصول على موافقة للتظاهر وتقديم بعض الضمانات , مما أخرج تظاهرات سياسية مؤيدة والتي غالبا ما يتم دعمها من قبل الاجهزة المعنية , اما التظاهرات الرافضة فقد تم رفض تنظيمها وشروعها , والعديد القليل المنجز منها قوبلت بإجراءات قمعية من خلال إستخدام خراطيم المياه الساخنة اورمي العيارات النارية في الهواء او الاعتقال او غيرها من الاجراءات في العلن والخفاء , ويبدو ان التخوف من التظاهرات رغم انها حقا يتوجب ان تكفله الدولة بموجب المادة 38 من الدستور , هو ما دعى العديد اللجوء الى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم بأسمائهم الحقيقية او المستعارة , كما ان ذلك أحدث إقبالا على النشر والتعليق في المواقع الالكترونية , مما يعبر عن وجود رغبة في التظاهر حين تتوفر البيئة الآمنة لذلك , التي تبتعد ولو بأمتار عن المادة 4 ارهاب او غيرها من التهم الجاهزة .

وان ما نرمي اليه , هو ان الكثير من العراقيين يشعرون بالظلم والحيف الذي أصابهم منذ سنوات , وان توجهات العبادي لجعل التظاهر ثقافة وعدم التصدي لها ما دامت بإطارها القانوني ولا تتسبب بإيقاف الاعمال , سيجعل من هذه الممارسة حالة اعتيادية تنتشر في كل انحاء العراق , فهل سيقوى العبادي على قبول كل التظاهرات دون انزعاج والبلد يعيش أزمة مالية حقيقية بسبب إنخفاض ايرادات النفط والاضطرار لتطبيق اجراءات تنطوي على قدر من التقشف وإيقاف تنفيذ بعض المشاريع ؟ , فمن المتوقع ان تتوسع أشكال التظاهرات بحيث تأخذ طابعا اقتصاديا يتعلق بالتعيينات والخدمات ولقمة العيش , ولكنها سرعان ما ستتحول الى امور سياسية عندما تعبر عن الشعور بالتهميش وقد تستثمر بعض الجهات هذه الاجواء ( النقية ) لنقل أجنداتها الى داخل التظاهرات , إذ سبق وان تم استغلال التظاهرات في مناسبات سابقة لتحويلها من طابعا العفوي الى اهداف مسيسة متعددة الاغراض .

وليس القصد من هذا الطرح هو إيقاف التظاهرات وقمعها , وإنما التذكير بان المنظومات العاملة في البلد سواء الادارية او الاقتصادية او السياسية لا تعمل بشكل ديناميكي وعلى وفق سياقات محددة , والمواطن يشعر أحيانا بان الاجهزة المعنية غالبا ما تواجه طلباتهم بالرفض او الاعتذار بحجة غياب الجانب القانوني او عدم خضوع تنفيذها للصلاحيات , وهو ما سيشجع على إمتداد التظاهرات لكي تتحول من حالة الى ظاهرة والبعض قد يعدها وسيلة يتوجب اتباعها باعتبارها أفضل حلا لمعالجة القصور او التقصير الادائي او غيره , لذا فمن غير المستغرب ان نشهد تظاهرات في المستقبل القريب لصغائر الامور , وبما يجعل البعض يستسهل التظاهرات بجعلها وسيلة لتعجيل المعالجات ما دامت هناك جهات تخضع لضغوط المتظاهرين , وفي مثل هذه الحالات سوف يجد السيد العبادي او غيره من المسؤولين بان التظاهرات مثل كرة الثلج المتدحرجة والتي يزيد وزنها وحجمها اثناء دورانها , دون معرفة مكان سقوطها وما يترتب عن ذلك من تداعيات .