العراقيون شعب يمسخ الفرحة.. يشوهها، ويزيح معناها عن بنائه الحقيقي، الى منطقة محاذية له، واحيانا مناقضة؛ كأن نغني اغاني حزينة خلال حفلات الاعراس نبكي لها، وأول زيارة بعد السابع، تقود العروس بعلها الى قبر امها تخبرها بانها تزوجت وانها باكر وهذا زوجها معها وان اول بنت ستنجبها تسميها على اسم الام.
ترتبط كل هذه الماسي بالذكرى، فينتسى المتن ويتمركز الهامش.
هذا على الصعيد الاجتماعي، اما على الصعيد الرسمي، فقد مسخ صدام حسين معاني كثيرة للوطنية والفرح وسواهما، ومن جاؤوا بعده لم يعنوا بتصحيح مسارات المجتمع قدر ما عنوا بالسرقة والجاه على مدى سنوات طوال لم ترو شهوتي المال والسلطة لديهم، …
اسوق هذا القول بمناسبة عيد الشرطة الذي مر من دون ان يجرؤ الشرطي نفسه على تهنئة زميله، فالمرحلة الزمتنا بالخجل امام مهماتنا الوطنية التي عجزنا.. قاصرين عن أدائها.
الشارع يسأل ماذا قدمت مفارز الشرطة وسيطراتها ومراكزها من خدمات، لقد فاقت تجاوزات الشرطة ونكوصها عن اداء الواجب مستوى الخدمات المفترض بها ان تؤديها؛ فعلا م يهنئ المواطن شرطيا في عيده الذي بات عيد الاهانة للمواطن.
المواطن يتذكر كثرة اعتداء رجال الشرطة عليه اكثر بكثير من حمايته، حتى بات يشعر بما كان يشعر به من إذلال ايام الطاغية، مع شيء من ارجحية الرحمة انذاك؛ اذ كان المظلوم يهدد الشرطة اذا ظلمته باللجوء الى صدام حسين، وكان ينصف الحالات التي تصله، وما كانت ثمة قوة في الدولة تحول بين المواطن المظلوم من شرطي عن بلوغ مسامع صدام حسين، هذا الامر لم يعد له وجود اليوم، فالمواطن العادي يتعذر عليه ايصال صوته لضابط شرطة واذا اوصله فلن يلق الا مزيدا من الاهانة.
كان العراقي يمكن ان يهان من قبل الشرطة في زمن الطاغية، ويجد من يشكو له فينصفه، اما الان فالمواطن مباح للشرطة ولا يجد منصفا.
عودا الى ثقافة الاحتفال بالاعياد، اقول يجب ان نؤسس تقاليد غير قابلة للنسف، فنحن.. العراقيين، اكثر الامم تدعو للتقاليد واكثر من ينسفها.
في الاعياد يجب ان نراجع اداء كل مفصل مشمول بالعيد، وان نبحث سبل الارتقاء به نحو تطوير ادائه خدمة للمواطن، فهل شرطتنا في خدمة المواطن حقا؟ والارهابيون يقتلون الابرياء على مسافة امتار قليلة منهم ولا يتدخلون. وهل تمر عائلة من سيطرة من دون ان (يستلوت) الشرطي، اما بإهانة رب العائلة كي تنزل النسوان تتوسل به، او بالمجاملة السمجة…
ناهيك عن الموبايلات التي لا تنزل من اذن الشرطي طوال الواجب، وكأنما النهار لا يكفيه الا ساعتي الواجب.
فمن ذا الذي يجب ان يراجع نفسه، خلال العيد.. الشرطي، بمراجعة ادائه وتصحيح أخطائه؟ ام المواطن الذي اقترن الشرطي عنده بالظلم وامتهان الكرامة والجور وبلع الاهانة سكوتا عن يجره الاعتراض الى مهانة اكبر.
على الشرطة ان تهنئ المواطن بمناسبة عيدها؛ لصبره على ما يقع عليه من حيف وجور بسببها، فهي تكشف جانبه للارهابيين تقصيرا منها في اداء واجبها، فضلا عن تعسفها في اداء الواجب!!!