على الرغم من سماحة الدين الإسلامي ومحاولته إلغاء الفوارق الاجتماعية(القبلية والعشائرية)بين المسلمين كافة,ونبذ ثقافة الغمز واللمز والتنابز والتفاخر بالألقاب والأعراق والانتماءات الأخرى,إلا إن توارث هذه العادة الاجتماعية السيئة بقيت حية حتى وقتنا الحاضر,تمارس من قبل البعض بطريقة متعمدة,الغاية منها الإساءة والانتقاص من كرامة وشخصية الإنسان المسالم ،
هذا فضلا عن وجود أساليب اجتماعية شجعتها الأجهزة الأمنية للأنظمة القمعية العربية(السابقة والحالية),الموجهة لبعض الشخصيات السياسية والدينية والثقافية الخارجة عن هوى تلك الأنظمة ورغباتها,فقد اعتمد البعض على إشاعة واختلاق حوادث وقصص غير أخلاقية شاذة حول تلك الشخصيات,واتهمت أخرى بالعمالة والارتماء بأحضان الأجنبي,
كان النظام البعثي البائد يتعمد ويقصد إهانة المخلصين من أبناء الوطن من الوجوه الاجتماعية والعلمية والفكرية(وقد تفوه صدام بعبارات استهزاء أمام بعض المسئولين إثناء زيارتهم إليه في السجن حول شخصية الشهيد الصدر الأول),بل كانت هناك مواضيع ولقاءات متكررة من قبل رموز هذا النظام الهمجي توجه باستمرار إلى أبناء الشعب(وكان أولاد وأقرباء المقبور صدام أسياد تلك الثقافة المنحطة).
الدول الحضارية المتقدمة ساهمت في ترسيخ مبدأ الاحترام الكامل لمواطنيها,وذلك عبر دوائرها ومؤسساتها الحكومية التي تكون على تماس مباشر معهم,بحيث لا يمكن أن يشعر المراجعين لأي دائرة حكومية كبيرة أو صغيرة أي فرق في إجراء المعاملات من قبل الموظفين,ولن يستطيع احد أن يرصد حالة من التمييز بين مواطن وأخر,مع اختفاء الانتقاص من أداء بعض الأعمال الغير محببة في بلداننا
(أعمال النظافة والخدمات البلدية-مهنة التمريض-عامل في مطعم أو فندق أو أي مرفق سياحي-الخدمات العامة),
إضافة إلى تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل واستخدام عبارات مهذبة(رجاءا-عفوا-شكرا-أتمنى لك يوما جميلا)بين الجميع,تبدأ هذه الثقافة من المرحلة التمهيدية في المدارس الابتدائية وتنتدائية وتنتهي عند أماكن العمل المتنوعة الرسمية والخاصة, وإتباع الإرشادات المنظمة للتنقل سيرا أو بواسطة وسائط النقل المختلفة في الشوارع العامة.
يمكن اعتبار بعض الاستخدامات والتوظيف الخاطئ لبعض الأدوات الثقافية أو الإعلامية المتبعة في أسلوب النقد الساخر,كالمسرح الساخر الذي استغل الأدوات الاجتماعية السلبية الدارجة عبر استعارتها من الشارع وضخها من على خشبة المسرح
(اللغة العامية الريفية-اللباس الشعبي للفقراء –السباب والشتائم والألفاظ السيئة-استغلال التشوهات والعاهات الخلقية والجسدية-الخ),ساهمت مساهمة مباشرة في إشاعة ثقافة الاستهزاء والسخرية الموجهة لطبقات اجتماعية معينة,أما ظاهرة النكات الشعبية التي يتندر أصحابها تجاه بعض الشرائح الاجتماعية(الكردي-المعيدي-الصعيدي) بقصد الإضحاك رغم الإساءات الكبيرة الصادرة �ة الصادرة عنها,فهي كوميديا سوداء تغرس في البيئات الاجتماعية البسيطة روح الدعابة والمرح,لكنها من جهة أخرى تفعل فعلها المؤثر في بناء الشخصية العام,عندما تحط من قدر أبناء تلك الطبقات المنسية.
للسياسة والثقافة والمشتغلين بحقل الإعلام نصيب من هذه الفكاهة التافهة ,وترى أحيانا جنوح بعض الأشخاص إلى منزلقات ومستويات هابطة وغير أخلاقية في مجال النقد الهدام,تبحث عن كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالشخص المعني بسهام النقد,محاولة التقليل من قيمته الآدمية والإنسانية والشخصية
(ولذلك كانت أجهزة النظام البائد تستخدم العرض كوسيلة للتحقيق مع المعارضين وقد حدثت جرائم اغتصاب وتعذيب لبعض السجينات أمام ذويهم في السجون الصدامية سابقا),
وقد تصل في بعض الأحيان عمليات التشهير الشخصية لتطال عوائل واسر ضحايا تلك الهجمات الإعلامية الرخيصة,دون إن يكون أي وازع أو رادع أخلاقي اومهني وقانوني يمنع التناوش والتخاطب بلغات بذيئة(مع احترام مهنة النقد البناء المهمة والضرورية في المجتمع).
اعتاد العديد من الآباء والأمهات وكوادر التربية والتعليم على استخدام العبارات (والضرب أحيانا)المختلفة الجارحة للإحساس والخادشة لحياء النشئ أو الابن أو الطالب الشاب,مدرجة تحت أبواب التربية وطاعة الوالدين واحترام الأساتذة,دون الانتباه إلى ردود أفعال الطلبة أو الأبناء العكسية التي يمكن لها إن تتطور في مرحلة ما بعد سن المراهقة,وهي إحدى الوسائل المشجعة لزيادة ظاهرة العنف الاجتماعي بين الشباب والمراهقين
(حيث تعاني أوربا والولايات المتحدة من تصاعد وتيرة العنف لدى هذه الشريحة المنفلتة),
حيث إن مؤسساتنا التربوية والثقافية العربية عاجزة عن التوفيق بين شروط التربية العربية والإسلامية-الشرقية الصحيحة للأبناء وبين حالة العصر وتطوره المستمر, أدواته التكنولوجية أقوى من العادات والتقاليد الاجتماعية التقليدية,وهذه أول خطوات التصادم وبداية رحلة انعدام الثقة والتباعد بين الأبوين أو المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة عن الأبناء والشباب عموما.
بناء الشخصية الاجتماعية السوية تحتاج إلى عدة عوامل موضوعية,منها ما يتعلق بضرورة تحديث الوسائل التربوية الرسمية وإعادة تبويب الثقافة الساخرة الهادفة المنضوية تحت بوابة النقد البناء (للتنبيه لحالات اجتماعية سيئة ومرفوضة),وأخرى تتعلق بتطوير الآليات والوسائل والأساليب الشخصية للأسر والكوادر المعنية بالهم الثقافي للدولة ومؤسساتها(مراقبة أداء الكوادر التربوية والإصرار على توعيتها وتثقيفها بشكل يتلاءم وروح العصر الجديد)…..