18 ديسمبر، 2024 6:54 م

يستسهل متحدثون عبر وسائل الاعلام اطلاق الاهانات ضد قوميات واتباع اديان ومذاهب وقرأنا اخيراً كتابات على صفحات التواصل الاجتماعي دعوات لإبادة واستئصال مكونات بجريرة مواقف سياسييها او لأسباب موصولة بالحساسيات التي تغذيها المطابخ السياسية والاعلامية، الامر المحرّم في كافة المواثيق والمعاهدات الدولية عدا عن الدستور العراقي.
والحال، ان الاستئصال العرقي والديني صار عاراً يلاحق مرتكبيه بوصفه صفحة مخزية منذ ما بعد عصر الغابة حتي آخر فصول عمليات الاستئصال والابادة في البوسنة والهرسك وافريقيا السوداء، واغلب الظن، لن تكون هذه الفصول خاتمة لهذه النزعة الانتقامية على الرغم من الضوابط الجديدة التي وضعت في اساس العلاقات الدولية الجديدة وبرعاية الامم المتحدة وكفالة هيئات انسانية عديدة ومؤثرة.
لقد مارست امبراطوريات وقبائل القارة الاوروبية اعمال الاستئصلب طوال ثلاثة آلاف عام، وشاء مسلمو الاندلس ان يكونوا عرضة للاستئصال لدواع دينية ففي عام 1502 اجبر سكان اسبانيا المسلمين على اعتناق المسيحية او الاجلاء عن البلاد وفي عام 1609 اقدم الاسبان على طرد السكان الذين يشتبه في استمرار اعتناقهم للاسلام وقد وقع تحت طائلة هذا الاستئصال سكان مسيحيون قيد الشبهة.
وفي فرنسا اغار المسيحيون الكاثوليك على المسيحيين البروتستانت فاجلوهم الي اميركا الشمالية في اكبر حملة تطهير، وفي القرن السابع عشر شهدت بريطانيا حملة التطهير الديني ضد الكاثوليك الايرلنديين وسجل القرن التاسع عشر ابادة الهنود الحمر في قارة باكملها على يد مستوطنين من خارج القارة، وفي العام 1866 تحولت سياسة التطهير الي سياسة رسمية على يد حكومة واشنطن الفيدرالية فجرى تجميع الهنود الحمر في مستوطنات قسرية، وعندما تمردت قبائل السيوكس والارباهو على قرارات الاخضاع صدرت الاوامر للجيش الاميركي بتنفيذ الابادة صدهم في ابشع صورة.
وعلى يد الامبراطورية العثمانية جرت عمليات استئصال اثنية طاولت الاكراد والارمن فابيدت قرى كاملة بسكانها فقد خلالها ربع مليون ارمني وعشرات الالوف من الاكراد حياتهم، ثم دارت طاحونة الابادة مرة اخرى عام 1915 فقد خلالها الارمن ما يزيد على المليون مواطن. وفي ذلك الوقت تعرض ملايين السكان من اصول الشركس في داغستان والشيشان وانغوشيا الي عمليات استئصال متوحشة على يد القيصرية الروسية وهي حلقة من سلسلة ابادة استمرت طوال مائة عام.
وفي القرن العشرين سجلت القوى القومية الشوفينية والدينية المتطرفة وقائع تطهير عرقي لا سابق لبشاعتها طالت الفلسطينيين والكرد والالمان واليهود والالبان والشيشان وقامت المانيا بمعاقبة اعراق كاملة، وانضمت اسرائيل الي نادي الاستئصاليين مبكرا بتطهير فلسطين من سكانها، وقرر الحلفاء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مجتمعين استئصال 12 مليون الماني من بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر ورومانيا ويوغسلافيا والقاءهم في العراء.
ان دواعي الحديث عن عار الاستئصال عبر التاريخ هي التذكير بمكانة تنظيم داعش الارهابي في صفحات التاريخ المخزي للاستئصاليين حيث تجاوزت اساليبهم المتوحشة كل ما ارتُكب قبلهم باعمالهم التي شملت الايزيديين والمسيحيين، ما يجدر بالذين يروجون ثقافة الاستئصال هذه الايام ان يتأملوا الى اية صفة سينتسبون.
********
قلاطون:
«ان اسوأ ما يواجه الانسان من مصاعب يبدأ عندما يتاح له ان يفعل ما يريد».

نقلا عن الصباح الجديد