12 أبريل، 2024 3:04 م
Search
Close this search box.

ثقافة الاذلال في المجتمعات العربية..العراق نموذجا

Facebook
Twitter
LinkedIn

اهتمام  الدول الغربية المباشر بشريحة الاطفال والمراهقين ليست عملية مقصودة لبناء المجتمعات الفردية بغية السيطرة عليها كما يشير بعض مفكري الغرب,وانما نتيجة ثقافية وتربوية حضارية ارادت ان تفكك العقد الابوية او العائلية المهيمنة على الاجيال,لتقليل شبح السيطرة الاسرية المطلقة على الابناء,ومن ثم رفع مستوى وقيمة البعد المعنوي لشخصية الاطفال,هذا فضلا عن ان اللغات المخاطب بها المراهقين او الاطفال هي اشبه بالحوار الرسمي بين شخصين متكافئين بالمستوى العمري,فعندما تستمع لحوار الاب او الام مع ابناءهم تجدهم وكانهم يتحدثون باللغة الفصحى العربية اي اللغة المباشرة الصريحة,بمعنى اخر انهم يستخدمون بكثرة اثناء الحوار عفوا, معذرة, او اسف ,رجاءا ,الخ.
مع ان الخلل والمساوئ الوحيدة المكتشفة من وجهة نظر المسلمين في هذه العلاقة هي تعرض الجاليات المسلمة هناك الى اضرار معنوية وتربوية شرقية, تتعلق بالدين والتراث الاخلاقي العربي ,الذي ليس بالضرورة ان يكون اغلبه مفيد او سليم,
هذه التجارب المدعومة بقوة من قبل المؤسسات الرسمية الغربية تعتمد مبداء الاكتفاء الذاتي للاطفال, اي ان كلمة الاباء الشرقيين او العرب انا تعبت وربيت وكبرت تنمحي تماما في المجتمعات الغربية,
 لان الحقيقة ان الدولة هي من فعل ذلك والعكس يمكن القول بانه صحيح ,لان الاباء يستفادون من دفعات الاطفال المالية الممنوحة من الحكومات الغربية,القصد ان وسائل الاذلال التي ترافق الاطفال العرب داخل البيت العربي الشرقي غائبة داخل البيت الغربي تماما,لان الدولة تسخر كافة الامكانات والمؤسسات لرعايتهم وحمايتهم وكفالتهم,وهذه من المفترض انها اخلاق المسلمين وحكوماتهم,
تبقى البيئة الاكبر وهي المدرسة الشارع ووسائل الاعلام والترفيه اي الثقافة التلفزيونية او الالكترونية للاطفال,نحن نجد ان اكثر شرائح المجتمعات العربية المسلمة الغارقة في اذلال النفس وايذائها هم الشيعة والحركات الوهابية السلفية مع الفارق الشاسع بين الحالتين, فالاولى ارادت ان تعبر عن مظلومية اهل البيت ع والتعريف بحقهم ودورهم الجوهري في الاسلام, لكنها اهملت الجوانب الفكرية والفلسفية والجدلية والمعرفية, عبر ممارستهم المفرطة للشعائر الحسينية التي حجبت الرؤية العقلانية للمذهب الشيعي منذ نشئته ولازالت عن بقية المذاهب الاسلامية,ولو كان على سبيل المثال لدينا العشرات من المؤسسات القادرة على نشرتجارب السيد الخميني ومحمد باقر ومحمد صادق ال الصدر والسيد محمد حسين فظل الله في العمل السياسي والثقافي الديني لتحول نصف المسلمين او اكثر الى التشيع ,ولكن الناس لاترى في الاعلام غير اللطم وضرب الهامات بالسيوف والظهور بالسلاسل ,والثانية هي ثقافة الاذلال والركوع والخنوع المفروضة في العقائد الوهابية والسلفية الخارجية لولي امر المسلمين ,حتى وان كان سافلا منحطا بلا ضمير او اخلاق,ومبايعة امراء الذبح والتسفير الى جنة الجحيم الموعودة للانتحاريين,الخ.
ثم نجد ان المدارس العربية والعراقية تحديدا ووفقا للنهج الثقافي الشمولي, التي فرضته الانظمة المستبدة, تتعمد اذلال الاطفال وكسر شخصياتهم الطبيعية وقتل روح البراءة في اللعب وحرية الحركة داخل الصف,كان ولازال المعلمين يعتبرون اي حركة او التفاتة او ضحكة داخل الصف المدرسي قلة ادب يحتاج الطفل الى اسلوب العنف بغية ردعه عن تكرار مثل هذه التصرفات ,ولدي امثلة واقعية سببت الالم والاذى النفسي لبعض الطلبة عبر استخدام اساليب عنف غريبة ضدهم,
ثم ناتي الى الشارع لنرى اول شيء يستخدم فيه اسلوب الاذلال للشباب او المواطن العادي هو يتضح جليا من خلال تعامل الاجهزة الامنية معهم, وكذلك تعامل دوائر الدولة والمؤسسات الحكومية الوطنية مع ملفات وحاجات المواطنين المراجعين لها, ويكفي ان تذهب لبعض الدوائر لتجد انها تستقبل المواطنين عبر شبابيك الدائرة,فمسالة التعرض للصحفيين والاعلاميين المتكررة ليست الا دليل على اعتماد بعض المسؤولين لسياسة جر الاذن, وقد تصل لكسر الرقاب في حالات اخرى,
اضافة الى استخدام ملف البطالة ونقص الخدمات العامة كورقة اخرى لسحق كرامة الانسان تماما ,كما كان يفعل نظام البعث ,صاحب مكرمات البطاقة التموينية,فنحن نشعر بالاسئ لحمايات المسؤولين الذين يكررون المقولة المزعجة لفقراء مصر , والتي نسمعها كثيرا عبر الدراما” لحم كتافي من خيرك ياباشا او يبيه” كما يقولون ,
هؤلاء بعضهم يسلب منه وقته وراحته من اجل تلبية الطلبات المنزلية للاسرة الحاكمة سواء كانت اسرة عضو برلمان او مجلس محافظة او وزير او اي منصب اخر,وعليك ان تعرف همة هذا المسكين يوم الانتخابات ,لانه مخير بين العودة للموت في نقاط التفتيش او الخدمة في المناطق الساخنة ليذهب ضحية الغدر الطائفي, او تحت رحمة الضابط المعيدي (وهذه لاتمس ابناء الريف لانها تعني قليل الخبرة والثقافة المدنية )
الذي لايخرج اغلبهم عن كونهم اما مليشيات دمج او من بقايا النظام البائد او ضباط المحسوبيات,مع الاحتفاظ باهمية دور وقدرة بعض العناصر الكفوءة منهم,
الشيء بالشيء يذكر دخلت يوما الى دائرة جوازات احدى المحافظات ,فقال احد الشرطة البسطاء انظر الى هذا النقيب, قلت نعم مابه ,قال هذا كان حارس بباب احد افرع حزب الدعوة المنشقة, يتوسل بي لتعينه شرطي ,هنيئا للدولة الديمقراطية الحديثة,
 ام لعلكم لم تسمعوا بهذا الذي يتندر عليه الناس ,فبعد ان حكمه صدام بالسجن لانه يمتهن مهنة تسليب المواطنين في الطرق الخارجية ايام الحصار الاقتصادي ,فاصبح ببركات الديمقراطية سجينا سياسيا ثم ضابط دمج فعاد الى مهنته السابقة ,
هذه الثقافة التراثية البائسة المتعمدة, والتي زحفت من الريف الى المدينة بعد انهيار الوضع الامني في العهد السابق ,وانتشار ظاهرة الرشوة بقوة داخل الاجهزة الامنية بعد حرب احتلال الكويت الخليج الثانية1991 ,
تلك الظاهرة القبلية او العشائرية التي تدعمها الدراما العراقية والعربية احيانا,هي عملية تراجع واضح في ثقافة المجتمع المدني ,فصار ابن المدينة ذليلا تحت وصاية وحاجة شيخ العشيرة لحماية نفسه اثناء النزاعات او لاستعادة حقوقه من بقية الاشخاص ,لانه لايثق بقدرة الدولة لتوفير حالة الاطمئنان النفسي والشخصي او الحماية له او لغيره ,
كيف لك ان تشرح لاطفالك مشاهد قطع اللسان المتكررة في الدراما العربية او العراقية كما في المسلسل العراقي حفيظ ,او التركيز على نشر مهنة الخدم في الدراما المصرية واعتباره حالة حضارية ,وليست انعكاس خطير لبشاعة الانظمة الفاسدة ,او الترويج لمهنة الخدمة المنزلية للعراقيات في بيوت البرجوازية المتخلفة الطارئة  وفي اغنى بلد في العالم.
لقد كان النظام الصدامي البائد من احقر الانظمة في ممارسة ثقافة اذلال المواطنين,ولاتختلف كثيرا عن طريقة اذلال الفرعون لاهل مصر”فاستخف قومه فاطاعوه” سورةالزخرف54
يذكر ان طارق عزيز تفوه بكلام قاس ضد مصر حسني مبارك, فارسله المقبور الذليل صدام الى مصر ليعرض نفسه امام الرئيس المصري ليفعل به مايشاء حتى الاعتقال!
بعد تحول العراق الى نظام ديمقراطي جديد والمفترض انه حديث,خرجت كل النوازع الاستعلائية النشاز للشخصية العراقية المريضة بحب الذات,فكانت اول مطالب المسؤول الجديد ان يكون له مكتب وكراسي ملكية تتغير دوريا,وعدد كبير من العربات المظللة والحمايات التي تجيد الركض خلف موكبه,
 وان يسمح له بالسير عكس اتجاه حركة المرور,وراتب شهري يصل حد التخمة نسبة الى رواتب عمال التنظيف المغلوب على امرهم,وجواز دبلوماسي هو وافراد اسرته مدى الحياة, ومنافع اجتماعية واستجمامية,
وان يشترط ان تكون معارض وندوات ولقاءات حملة اعادة اعمار العراق كلها في الخارج,والحصول الى قطعة سكن في اي منطقة يختارها حتى وان كانت في الاماكن التجارية وليست السكنية,وان لاترفع عنه الحصانة حتى وان مارس الارهاب وعملية غسيل الاموال,
وان يغض الطرف القضاء وهيئات النزاهة والمراقبة عن شركاته الفاسدة وعمولات صفقاته المشبوهة,
للعلم ان الفساد الاداري والمالي في بلادنا هو وسيلة معتمدة ومهمة للفاسدين من وسائل شراء الذمم ,سواء كان بالرشوة المباشرة
 او عبر اعطاء هدايا تحت اداء قسم الشرف ببيع الصوت الانتخابي,حتى العلاقة الوظيفية بين المدراء او رؤساء الاقسام والموظفين العاديين,او بين الاستاذ والطالب تاخذ في معظم الاحيان اسلوب الرئيس والمرؤوس ,وهكذا هي بقية المجالات,
اليس عيبا ان يرعى احد المسؤولين او الشخصيات الدينية حفلا لزواج عدد من الفقراء للترويج لقائمته الانتخابية او لكتلته السياسية ,وهل يحتاج العراقي الى هذا الاستجداء المتوارث لامواله من قبل هذا المسؤول او ذاك ,وهو يعيش على بحيرة من الذهب الاسود, بينما ابواب المعروف والاحسان مستحب ان تكون بلا منة او تشهير ومن خلف ستار,
اليس دليل مساعدة الفقراء من قبل المسؤولين او بعض الاشخاص المتنفذين في الشؤون السياسية ان النظام الديمقراطي العراقي فاشل,لان واحدة من اهم حسنات النظام الديمقراطي هو العدالة والرعاية الاجتماعية .
ان العيش بحرية وكرامة ليست امنيات تباع وتشترى, بل هي ثقافة انسانية اصيلة عرفتها الحضارات الاولى للبشرية,تكاد تكون غريزة ادمية طبعت فطريا في الذات البشرية ,ولعل منظر الطير وحركته او حركة اي حيوان اخر داخل القفص ابلغ صورة عن اهمية العيش بحرية وعز وكرامة,
فالاستسلام بشروط العيش الذليل لايعني قبول اصحاب المظلمة بواقعه المفروض قسرا,انما هي ارادات وثقافات وبيئات اجتماعية متغيرة تتحكم بطرق القبول والرفض لمثل هذه الاوضاع والحالات المؤلمة,
هذه الحالة لاتعني ان المجتمعات خالية من الافراد المتطوعين لتقبل العيش بطريقة مذلة,ولكنها قطعا هي ضحية ثقافة القبيلة او العشيرة والاسرة والمدرسة والشارع والدولة,
وهذه الصورة واضحة تجدها في المجتمعات الغربية, حيث انك ترى في عيون المشردين هناك في بلدانهم ,صفة المواطن الاصيل من الدرجة الاولى وليس غيرها,بينما نحن نستجدي الخدمة من البعض ممن تصرف عليه الدولة من خزينتها سواء كان رجل مرور او شرطي او ممرض او طبيب او معلم او موظف او مسؤول
 ,الخ.
اغرب مافي حالة الاذلال التي يتعرض اليها الشعب العراقي والعربي,هو حالة الاستئثار والاستحواذ على المناصب والمواقع والوظائف المهمة في الدولة,وتشريع قوانين تتلائم مع رغبات وحسابات وصرفيات المسؤولين واسرهم,فظاهرة الرواتب والمنافع الاجتماعية العالية (للرؤساء الثلاث  الحكومة والبرلمان والجمهورية)
التي تفوق رواتب العاملين في قطاع التربية التعليم او المجالات الهندسية والاجهزة الامنية بعشرات المرات,بينما نجد في الدول الغربية, التي يحتج عدد من اعضاء مجلس النواب العراقي بانهم يجب ان لايختلفوا عن اقرانهم في بقية برلمانات العالم,لكنهم يتغاضون عن حقيقة ان نسبة البطالة هناك لاتتجاوز نسبة10%
,وان رواتب اساتذة الجامعات او المحامين والمهندسين من اصحاب الخبرات رواتبهم تفوق رواتب البرلمانيين او حتى رئيس الحكومة احيانا,دول لاتوجد فيها احياء عشوائية ,ورواتب الضمان الاجتماعي اعلى من رواتب المهندسين في العراق,مع الاشارة الى ان القدرات الشرائية والمعشية اصبحت متقاربة بين العراق وبقية دول العالم مع قلة موارد الدخل لاغلب طبقات الشعب.
ان الاشارة والتحليل والاستنتاج لايعني اننا نضع حلول انية لمثل هكذا حالات متجذرة في المجتمعات العربية,لكن تبقى مسالة التنبيه والتلميح والتشخيص وسيلة حضارية لايجاد الحلول المستقبلية ,لان الانسان فطر على حب التعلم والبحث عن المعرفة,اننا بحاجة الى فتح مؤسسات ومراكز تربوية كثيرة تستوعب الطاقات و العقول والافكار والمقترحات والخطط والبرامج التي يطرحها اصحاب الهم الفكري والثقافي والاخلاقي,حتى يتسنى لها ان تعمل على نقل المجتمعات العربية الى مرحلة مهمة من مراحل اعادة بناء شخصية الافراد داخل المجتمعات المدنية,والا فنحن فريسة سهلة للفاسدين سراق قوت وثروات  الشعوب من جهة ,وبين اصحاب الافكار الهدامة كالحركات التكفيرية السلفية من جهة اخرى………..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب