ثقافةُ الأختلاف في الآراءِ ووجهاتِ النظرِ تعني احترام آراء ووجهات نظر الآخرين ومناقشتها في أجواءٍ يسودها الأحترام والهدوء وسِعة الصدر تحت شعار ( اختلاف الآراء والأذواق رحمةٌ وبصيرةٌ لايفهمها الّا العقلاء ) ، وهي ايضاً درجةٌ عاليةٌ من التفكيرِ والتعقّل وانها تتطلبُ أشخاصاً واعينَ مؤمنينَ بها منفتحينَ عليها مع الآخرين بعيداً عن التشنّج والصراخ وقلّة الذوق . انَّ كلَّ سننِ الكون تؤكّد بأنه لابد ان تختلف وجهاتُ نظرِنا وآراءِنا ولابد ان تكون لكلِّ عينٍ نظرةٌ حاصةٌ ، حينها سوف تتلاقحُ وتتلاقى الأفكارُ ، وبذلك تتمُ عمليةُ التقدم في كلِّ مناحي الحياة ، وان الأختلافَ يفقدُ بريقه وقيمته حينما يتحول الى ( خلافٍ ) وبالتالي الى ( عداءٍ ) . ان اختلافَ الفرد مع غيرِهِ ميزةٌ ايجابيةٌ قد تكشفُ لأحدِهما أو لكليهما قُصوراً ، فيسارعان الى اعادةِ النظرِ فيما اختلفا عليهِ . أمّا الخلاف فأنه يُنبِئُ بالنزاعِ والخصام ويُنتجُ مشاعر الحقد والضغائن والعدوانية والأستكبار مما يجعلها في حالةِ ( عمى ) عن سماعِ كلِّ صوتٍ والأستجابة مع كلِّ رأيٍ أو وجهةِ نظر .
ان الأعترافَ بتباين الآراءِ والأفكارِ أمرٌ حضاري ، وخلافُ ذلك يُعتَبَرُ ضرباً من العبثِ والحُمق . وقد أورثنا السلفُ الصالحُ قولهم الجميل السليم : ( رأيُك صائبٌ قابلٌ للخطأ ورأيي خطأٌ قابلٌ للصواب ) . ويقولُ الكاتبُ والفيلسوفُ الفرنسي ( فولتير 1694_ 1778م ( انّي اخالفُكَ الرأيَ ، ولكنّي أدافعُ حتى الموت عن حقِّكَ في أبدائهِ ) .
لقد أبتلينا ببعضِ السياسيين الذين لايعرفون غيرَ لغة (الخلاف ) ، هذه اللغة التي تحولتْ الى صراعاتٍ ونزاعاتٍ ظاهرةٍ وخفيّةٍ ، وتحولتْ الى شقِّ الصف الوطني بسببِ رفض البعضِ على التعايشِ ضمن
( دائرة المشترك ) لذلك نراهم يحاولون تأجيجَ المشاعرِ والخلافاتِ من أجلِ مصالح وأهداف معينة . وفي نفس الوقت هناك التطرّف والغُلو حدَّ النخاع . وفي قراءةٍ موضوعيةٍ للواقع السياسي العراقي نستنتج انه على الجميع ان يعرفوا انَّ العقلَ مرتبطٌ بالواقع وبقوانين الكون ولولا هذا الارتباط والتطابق لما كانت هناك قيمةٌ للعقلِ ، اذن فلنُحكّم عقولنا لكي نريحَ ونستريح وعلى الجميع ان يفهموا ان الفهمَ الحضاري والموضوعي لصورة العراق الجديد يجب ان تكون ضمن ( القاسم المشترك الواحد ) ، وهذا الفهمُ النابع عن وعي كامل لمستقبلِ العراق وصورتِهِ الجديدةِ هو الذي يجعل الجميع على قناعةٍ تامةٍ بأنهم لابدَّ ان يكونوا ضمن ( دائرة المشترك ) . وان الحلَّ يكمنُ في تنميةِ ثقافة ( الأختلاف والمشترك ) فهي وحدها القادرة على فتح آفاقٍ جديدةٍ لنا جميعاً في احترام الآراء الأخرى والأستفادةِ منها وتحويلها الى فكرٍ مستنيرٍ تشتركُ فيهِ عقولٌ مختلفةٌ من أجلِ هدفٍ وطني شريف … وأخيراً أقولُ : لقد زُكِمَتْ أُنوفُنا من رائحةِ الخلافِ النتنة ، ونفوسُنا مُلِئَتْ بالضباب .
ورحمَ اللهُ ( المتنبّي ) حيث يقولُ :
أظمَتنيَ الدنيا فلمّا جئْتُها مُسْتسْقِياً ، مَطَرَتْ علَيَّ مصائبا