22 نوفمبر، 2024 3:18 م
Search
Close this search box.

ثقافة الأختلاف والمشترك

ثقافة الأختلاف والمشترك

ثقافةُ الأختلاف في الآراءِ ووجهاتِ النظرِ تعني احترام آراء ووجهات نظر الآخرين ومناقشتها في أجواءٍ يسودها الأحترام والهدوء وسِعة الصدر تحت شعار ( اختلاف الآراء والأذواق رحمةٌ وبصيرةٌ لايفهمها الّا العقلاء ) ، وهي ايضاً درجةٌ عاليةٌ من التفكيرِ والتعقّل وانها تتطلبُ أشخاصاً واعينَ مؤمنينَ بها منفتحينَ عليها مع الآخرين بعيداً عن التشنّج والصراخ وقلّة الذوق . انَّ كلَّ سننِ الكون تؤكّد بأنه لابد ان تختلف وجهاتُ نظرِنا وآراءِنا ولابد ان تكون لكلِّ عينٍ نظرةٌ حاصةٌ ، حينها سوف تتلاقحُ وتتلاقى الأفكارُ ، وبذلك تتمُ عمليةُ التقدم في كلِّ مناحي الحياة ، وان الأختلافَ يفقدُ بريقه وقيمته حينما يتحول الى ( خلافٍ ) وبالتالي الى ( عداءٍ ) . ان اختلافَ الفرد مع غيرِهِ ميزةٌ ايجابيةٌ قد تكشفُ لأحدِهما أو لكليهما قُصوراً ، فيسارعان الى اعادةِ النظرِ فيما اختلفا عليهِ . أمّا الخلاف فأنه يُنبِئُ بالنزاعِ والخصام ويُنتجُ مشاعر الحقد والضغائن والعدوانية والأستكبار مما يجعلها في حالةِ ( عمى ) عن سماعِ كلِّ صوتٍ والأستجابة مع كلِّ رأيٍ أو وجهةِ نظر .
ان الأعترافَ بتباين الآراءِ والأفكارِ أمرٌ حضاري ، وخلافُ ذلك يُعتَبَرُ ضرباً من العبثِ والحُمق . وقد أورثنا السلفُ الصالحُ قولهم الجميل السليم : ( رأيُك صائبٌ قابلٌ للخطأ ورأيي خطأٌ قابلٌ للصواب ) . ويقولُ الكاتبُ والفيلسوفُ الفرنسي ( فولتير 1694_ 1778م ( انّي اخالفُكَ الرأيَ ، ولكنّي أدافعُ حتى الموت عن حقِّكَ في أبدائهِ ) .
لقد أبتلينا ببعضِ السياسيين الذين لايعرفون غيرَ لغة (الخلاف ) ، هذه اللغة التي تحولتْ الى صراعاتٍ ونزاعاتٍ ظاهرةٍ وخفيّةٍ ، وتحولتْ الى شقِّ الصف الوطني بسببِ رفض البعضِ على التعايشِ ضمن
( دائرة المشترك ) لذلك نراهم يحاولون تأجيجَ المشاعرِ والخلافاتِ من أجلِ مصالح وأهداف معينة . وفي نفس الوقت هناك التطرّف والغُلو حدَّ النخاع . وفي قراءةٍ موضوعيةٍ للواقع السياسي العراقي نستنتج انه على الجميع ان يعرفوا انَّ العقلَ مرتبطٌ بالواقع وبقوانين الكون ولولا هذا الارتباط والتطابق لما كانت هناك قيمةٌ للعقلِ ، اذن فلنُحكّم عقولنا لكي نريحَ ونستريح وعلى الجميع ان يفهموا ان الفهمَ الحضاري والموضوعي لصورة العراق الجديد يجب ان تكون ضمن ( القاسم المشترك الواحد ) ، وهذا الفهمُ النابع عن وعي كامل لمستقبلِ العراق وصورتِهِ الجديدةِ هو الذي يجعل الجميع على قناعةٍ تامةٍ بأنهم لابدَّ ان يكونوا ضمن ( دائرة المشترك ) . وان الحلَّ يكمنُ في تنميةِ ثقافة ( الأختلاف والمشترك ) فهي وحدها القادرة على فتح آفاقٍ جديدةٍ لنا جميعاً في احترام الآراء الأخرى والأستفادةِ منها وتحويلها الى فكرٍ مستنيرٍ تشتركُ فيهِ عقولٌ مختلفةٌ من أجلِ هدفٍ وطني شريف … وأخيراً أقولُ : لقد زُكِمَتْ أُنوفُنا من رائحةِ الخلافِ النتنة ، ونفوسُنا مُلِئَتْ بالضباب .
ورحمَ اللهُ ( المتنبّي ) حيث يقولُ :
أظمَتنيَ الدنيا فلمّا جئْتُها مُسْتسْقِياً ، مَطَرَتْ علَيَّ مصائبا

أحدث المقالات