ظاهرة الاستجداء في بلداننا العربية ظاهرة موروثة منذ عهد دولة الخلفاء الراشدين وصولا الى العهد العثماني المظلم,الذي يعد بمثابة المسمار الاخير الكاسر لظهر العرب,وقد تكون صورته الكارثية الاقرب للخيال هي بمثابة صورة الحصار الاقتصادي الجائر المفروض دوليا بعد احدث الكويت عام1990.
كان نظام صدام البائد من احقر الانظمة العربية في طريقة تعامله مع حاجات ومتطلبات المواطنين ,عندما اسماها بالمكرمات,وهي اموال وثروات وعائدات النفط والموارد الطبيعية الوطنية,هذه الحالة موجودة في دول عربية اخرى لكنها متفاوتة,والغريب انها موجودة في مملكة نجد والحجاز والبحرين وعمان وحتى الكويت المبتلية بآفة الفساد,
المشكلة تكمن في طبيعة المواطن العربي وبيئته المتخلفة المهملة,
فالانسان في هذه المجتمعات خاضع للاعتبارات الدينية ,والعادات والتقاليد القبلية والاسرية, والثقافات والسياسات الرسمية الخائطة المتوارثة,
الى اليوم يعاني المواطن العربي والعراقي تحديدا من سوء معاملة موظفي الدولة للمراجعين,ويشكك بكفاءة وعدالة توزيع وتنفيذ وتطبيق وممارسة الاداء الخدمي والاداري المقدم له, او المتميزة لبقية الافراد ذو الخصوصية الاعتبارية المتنفذة,
فتجد ان المستشفى على سبيل المثال لا الحصر تقوم قيامتها عندما يكون المريض من ذوي العلاقة البينية او من اقرباء احد المسؤولين,بينما يهمل الباقون,مما يؤثر سلبا على نفسية وحالة المريض والمحيطين به .
يعزوا البعض ان الفرق في تقديم الخدمات للمواطنين بين المجتمعات الغربية والشرقية او العربية,تكمن في مشاركة افراد المجتمع الغربي بخزينة الدولة من عائدات ضريبة الدخل,
المفروضة على مختلف شرائح المجتمع من الموظفين والعاملين واصحاب المصالح الصغرى والكبرى,ويحملون الازمات المالية التي تعصف ببعض الدول الاوربية كاليونان لوجود فشل في قوانينها وانظمة الضرائب لديها,ومن هنا فالدولة ملزمة بتقديم كافة الوسائل الخدمية والادارية للمواطنين بطريقة كفوءة ومستمرة,
ولكن هذه النظرية ليست صحيحة بالمطلق ,
والدليل سقوط وانهيار اسواق العقارات في الولايات المتحدة الامريكية ,والذي نعتقد انه كبرنامج اقتصادي فاشل تديره البنوك حصريا ,
سيطيح بدول اخرى مستقبلا,ومع هذا فمعظم الدول العربية تعمل بالنظام الضريبي البدائي,
لكنها بطبيعة الحال غير محتاجة لمثل تلك الانظمة الضريبية المعقدة ,لوجود عائد نفطي هائل,تصور ان العراق بدأ يعمل وهو في وضعه المالي الجيد برفع رسوم مراجعة دوائره الرسمية مع ردائة الخدمات المقدمة.
النظام الديمقراطي الذي قفزت اليه المجتمعات العربية دون ان تؤمن على نتائج قفزاتها الفوضوية,فتح ابواب الفساد المالي والاداري بشكل مخيف,
يهدد امن واستقرار تلك الدول ,ويعزز او يرسخ مرة اخرى لثقافة استجداء الحقوق والمطالب المشروعة,المتمثلة بتوفير السكن اللائق وفرص العمل والعيش الكريم,وضمان الحقوق الاجتماعية والصحية والتربوية والمعاشية وغيرها,
بينما هذه الحقوق يجب ان تنتزع انتزاعا من الحكومة والمؤسسات الدستورية الاخرى,بحيث تصبح ثقافة سائدة تتعود عليها الاجيال القادمة,عبر معرفة الطرق الاخلاقية السليمة في المطالبة بها او استعادتها والحصول عليها,بعد ان تمتلك الجماهير لثقافة واعية ترسم لهم اساليب الضغط المباشر على المؤسسات الحكومية ,والايمان او الاقتناع بان اكثر المشاكل والحوادث والازمات الاجتماعية او الشخصية سببها الرئيسي هو الاهمال الحكومي المحلي او المركزي,كأنتشار ظاهرة الجرائم المنظمة,
والتحرش الجنسي,
وجرائم السرقات والاعتداءت ,وصولا الى حوادث الطرق,
والمشاكل الاسرية المتعلقة بالوضع الاقتصادي او الصحي او النفسي الخاص لهم ,ولهذا نجد ان اغلب الدول الغربية تمارس ادوارا متعددة في مجال التدخل الرسمي لحل او معالجة مشاكل المواطنين داخل وخارج المنزل, كدراسة وتحليل ومناقشة اسباب المشاكل الاجتماعية وبقية الحوادث اليومية او الاعتيادية,كحوادث الطرق ,او انتشار ظاهرة العنف الاسري ,او العنف في سن المراهقة الخ.
مانود ان نوصله الى القارئ الكريم ان المعاناة اليومية التي يعاني منها المواطن العربي والعراقي تحديدا, المسؤول الاول والرئيسي فيها ليس الابوين وشماعة الحظ والقدر ,وانما هي مسؤولية الحكومة والبرلمان والمجالس المحلية,
التي يجب ان تتحمل تبعات الازمات الداخلية والخارجية,وتمارس هذه المؤسسات دورها الفعال في بناء دولة عامرة زاهرة بالنشاط والحركة الاقتصادية والتجارية والتنموية,
اما ان تجد في عراق مابعد البعث ان جميع وزارات ومؤسسات الدولة مخترقة من قبل مافيات العمولات والرشاوى,بل وتخترق اهم المؤسسات المالية فيه كالبنك المركزي والتجاري الوطني,
لتبقى توسلات المواطن المغلوب على امره في الحصول على حياة امنة مستقرة مستمرة,تشعر معها احيانا بالغثيان لتكرار مانسمعه من قصص وحوادث فقر وعوز وحاجة مع وجود الموازنات الانفجارية او البالونية المنفوخة بالكذب,
بالامس اتصلت امرأة عراقية باكية لبرنامج ديني قدم الجمعة الماضية من على قناة العراقية تشكوا حالها ام لثلاث بنات وولد يحتاج الى عملية ووو…….
لماذا يسكت الانسان عن حقوقه ويبحث عن وسائل سهلة لكنها متعبة نفسيا, كطريقة الاذلال والتمسح بعباءة ومعاطف وايادي المفسدين لقطف شيئا من فتاتها,وبيده ان يزلزل الارض من تحت اقدام المسؤولين النائمين في عسل الديمقراطية, هم وابناءهم وحواشيهم,يحضرني هنا قصة دارت بيني وبين مهندس ايراني معارض للاسلوب الايراني في ادارة الحكم, ولنتصور ان احتجاج الموظف المهندس الايراني على راتبه الشهري المتجاوز لخمسين الف تومان عام 1994تقريبا وبين العائلة العراقية التي كانت تعيش هناك بستر وبستة او ثمانية الاف تومان, منها الايجار والكهرباء والمواصلات ولقمة العيش وبقية الحاجات,ولازالت هذه الحادثة تثير استغرابي لشعب مجاور يلطم وينوح ويبكي في عاشوراء اكثر من شيعة العراق ,ولكنه لاينام تحت راياتها كسولا تاركا حقوقه, بل يعرف كيف ينتزعها من بعض العمائم,حتى هذا الجار لم نستفد منه شيئا,ومن حقه ان يفتخر بحضارته الحية,ومن حقنا ان نبعث الروح بحضارتنا من جديد,
ولكن بقي شيعة العراق جسرا لمرور عربات الفساد المسرعة ,مع انهم اكثر مكونات المجتمع العراقي فقرا ومعاناة وظلما,…..ترى لماذا قطعت اوصال رئيس الوزراء الراحل نوري السعيد والوصي عبد الاله…