طلعت علينا الصحافة المحلية بمانشيتات عريضة تنشر نبأ انطلاق ثورة عشائر الفلوجة ضد تنظيم داعش الارهابي .. وتناقلت الصحافة العربية بسعادة غامرة ذلك النبأ وظنته يقيناً .. وتداول الخبر عدد من الفضائيات ومواقع وكالات الانباء وكأنه حقيقة واقعة..
كثير من الاخبار الكاذبة يتم تسويقها بشكل مفبرك تأخذ دورتها الحياتية القصيرة وتخفت ثم تموت .. واحيانا يعمل مرجو الاخبار الى النفخ في صورة المعلومة وتضخيمها وتجميلها حتى لتبدو وكأنها عروس الاخبار وسرعان ما تلتهب بها وسائل النقل المرئي والمسموع والمكتوب والالكتروني ووكالات الانباء فاذا كشفت عن وجها بانت حقيقتها وظهر زيفها وذهب ريحها فما هي سوى عجوز خرقاء وورقة ساقطة من شجرة غير مثمرة .
متى ثارت عشائر الفلوجة وهي مرتع خصب للإرهابيين حتى قبل دخول داعش الى المدينة .. وكيف تثور هذه العشائر على ابناء العم وهم الذين احتضنوهم واستقبلوهم ورحبوا بهم ومدوهم بالمال والسلاح والرجال وتعايشوا معهم عيشة طيبة راضية وزوجوهم من نسائهم واغدقوا عليهم بكرم عربي اصيل كل احتياجاتهم الجنسية .. حتى شعر اولئك الاوباش بانهم بين اهلهم واصحابهم فعاشوا بأمان وسلام وقاتلوا معاً الكفرة والمرتدين والروافض والقوات الحكومية ووقفوا بالمرصاد لكل من مر على الطريق السريع قتلا ونهبا وعدوانا .
الا أن الصحافة وبعد هذه القصة الكاذبة ذكرت أن الانباء تضاربت حول وجود “ثورة ” داخل الفلوجة الخاضعة لداعش منذ عامين ضد التنظيم المتطرف . فبينما اكدت وزارة الداخلية ، ومسؤول محلي في المدينة ، نشوب مواجهات بين عدد من عشائر الفلوجة ومسلحي التنظيم ، نفى الخبير االامني العراقي اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف هذه الانباء ، عازياً ذلك الى خلافات فردية ..
قائمقام الفلوجة سعدون عبيد الشعلان هول الموضوع وتحدث عن اشتباكات وقعت بين الطرفين ، وان العشائر تنتظر ساعة الصفر لدخول القوات الامنية مشيراً الى ان قبيلة جميلات ومعها العديد من العشائر الفلوجية – المتصالحة اصلا – مع داعش .. تقود معارك ضارية ضد تنظيم داعش في مناطق شمال وجنوب الفلوجة .
الاجهزة الاستخبارية في وزارة الداخلية ذكرت غير ما ذكر قائمقام المدينة حيث اكدت ان مواجهات حدثت بين عدد من افراد عشيرة الجريصات وعناصر الحسبة التابعين لتنظيم داعش في سوق النزيرة ، مبينة ان الاشتباكات حصلت بالأيدي والسلاح الابيض وتطورت
الى اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة.. الا ان النزاع تم تسويته وعادت المياه الى مجاريها وعاد الجماعة حبايب…
عشائر الفلوجة التي بايعت علنا التنظيم الاجرامي وشاهد تلك المبايعة آلاف المتابعين الفيديو الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب ، لا يمكن ان تفرط بحليفها الاستراتيجي في معركتها الحاسمة ضد الحكومة العراقية والعملية السياسية التي لم تهضم منها شيئاً .
الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هاشم الهاشمي كشف الحقيقة ونفى وجود ثورة ، وكتب على صفحته الشخصية على ال(فيسبوك) يقول” بعد التحري والتقصي وبحسب شهادات وتقارير الداخل الثقاة عن الاخبار التي شاعت عن (ثورة الجريصات بالضد من داعش ، وسيطرة ابناء عشائر المحامدة والجلابسة على حي نزال وحي الجولان في الفلوجة ، وخبر استهداف مجموعة من ابناء عشيرة البو عيسى لنقطتين لداعش في حي المعلمين والحي الصناعي .. يقول الهاشمي: لقد تأكد لي كذب تلك الاخبار ، وان ما حدث مع عشيرة الجريصات مجرد شجار لداعشي مع قصاب من ابناء العشيرة ، وما حدث في حي نزال من اطلاق نار كثيف هو مجرد تشييع لجنازة .
هذه هي القصة الحقيقية .. كم تمنينا حقيقة ان تكون هناك ثورة في الفلوجة لطرد التنظيم من المدينة ، ورغم مرور عام ونصف على احتلال المدينة الا ان ذلك لم يحدث ، ما يشير بشكل واضح الى ارتياح عام لوجود عناصر التنظيم فيها .. الحالة الطبيعية ان يثور الاهالي على الحالة غير الطبيعية سواء في الفلوجة ام الموصل . كما حدث في صلاح الدين وبالذات مدينة تكريت عندما تم طرد الدواعش منها في حين طرد الدواعش من بيجي بجهود القوات الامينة والحشد الشعبي ..
وصمدت مدينة حديثة غربي الانبار بوجه عناصر التنظيم وسجل ابناؤها بطولات سيذكرها التاريخ ، حيث منعوا داعش من تدنيس ارض مدينتهم وانتهاك حرماتهم وحملوا السلاح وقاتلوا الى جانب القوات الامنية لمنع تلك العناصر من السيطرة على المدينة .. واذا ما فعلت عشائر الفلوجة فعل اهل حديثة فان التاريخ سيذكرهم بخير والا فانهم متعاونون يعاملون معاملة الدواعش بعد تحرير الفلوجة من دنس التنظيم الاجرامي.