18 أكتوبر، 2024 8:18 ص
Search
Close this search box.

ثـقـافـة الأعـتـذار

ثـقـافـة الأعـتـذار

الأعتذار ظاهرة حضارية ، يدل على نبل وكرم الأخلاق ، ورفعتها ، وعلى الثقافة الحقيقية ، وهوانعكاسا للشجاعة الأدبية ، والثقة بالنفس ، ويظهر الأعتذار الأتزان الفكري والنفسي ، والسمو الأخلاقي ، واستعداد المرء على تحمل المسؤولية ، واحترامه لذاته ، وتقديره للقيم الأجتماعية ، والأخلاقية السامية ، ان احترام الآخر، هو اعتزاز بالذات الأنسانية ، كما يعكس القدرة على مواجهة الأمور الحياتية ، بحلوها ، ومرها ، وامكانية التصدي لمفارقاتها المتضاربة بشكل عقلاني موزون ، كما ان الأعتذار من الواجبات الأنسانية ، والأخلاقية ، والأجتماعية الرفيعة .
 
كل انسان معرض للخطأ ، ومن لا يعمل لا يخطأ ، (خـُلـِقَ الأنسان خطاء ) ان الخطأ جزء من التركيبة السلوكية السلبية للأنسان ، يعيشها الكبار، والصغار، وهي درسا مفيدا للتعلم ، وتصحيح الأعوجاج ، والسير في الطريق السالك ، لنيل مستقبل مشرق ، والخطأ صفة من صفات البشر، والا لأصبحنا جميعا من الملائكة ، ليس معيبا ان نخطأ ، ولكن العيب كل العيب ، أن نستمر فيه ، ونصرعليه ، ونناضل من اجل ايجاد الأعذار المختلفة لتبريره ، والتستر عليه ، وفي هذه الحالة ، يعتبر الخطأ من كبائر الأمور، التي تظهر هشاشة التركيبة الأجتماعية ، والأخلاقية ، والسلوكية ، والنفسية ، فيكون اسلوب تصرف مريض ، وممقوت للشخص .
ويستثنى من ذلك الأخطاء الجسام التي تعتبر هتك للأعراف والقوانين السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه الشخص والتي تلزمه بعدم المساس بها فهناك خطوطا حمراء لا يجوز المساس بها والتي لست بصدد الخوض فيها 
 
الأعتذار قضية نسبية في المفاهيم الحياتية ، في المجتمعات والثقافات المختلفة ، ف الأعتذار مسلم به ومتعارف عليه في المجتمعات الغربية ، ويعتبرمن بديهيات التعاملات اليومية ،  تدرس للشخص منذ الطفولة ، وهي من الأولويات الأخلاقية ، والسلوكية المتداولة ، كباقي الثقافات الأخرى ، التي هي على عكس مفاهيم ، وعادات المجتمعات الشرقية والعربية ، إذ ان هذه الثقافة تكاد ان تكون معدومة ، ويعتبرها البعض هزيمة ، أوضعف  ، وانكسار، ونقص في الشخصية ، وجرح للكبرياء ، وطعن للكرامة.
 
الأعتذار من القيم الثقافية ، وعلينا ان نتعلم حب واحترام ذاتنا، ونبدأ بالأعتذارمن أنفسنا ، ومن الأشخاص القريبن منا أولا ، عندها سوف نحترم حقوق ، ومشاعر، وأفكار الآخرين ، وندرك معنى الأستهتار بالمشاعر ، وتعرية فكر، وتقبيح فعل ، والأستخفاف بكينونة وجرح كرامة الآخر.
إن تعلم ونشر ثقافة الأعتذار،  تبدأ أولا من الأسرة ، الأم ، والأب ، وكيفية التعامل ، وعدم الخجل من تقديم الأعتذار عن خطأ ارتكب فيما بينهم ، أو بحق الطفل ، وعلى الوالدين أن يكونوا المثل الأعلى ، والقدوة الحسنه للأولاد ، اثناء التعامل اليومي .
 والعمل على تشجيع الطفل ، بتعلم وتطبيق فن وثقافة الأعتذارعن الخطأ منذ الصغر، ليسهل عليه تصحيح اخطائه بحق الآخر في المستقبل .
 
وكذلك من واجب التربويين ، نشر ثقافة الأعتذار في المدارس ، وعمل دورات لتدريس المدرسين فن ثقافة الأعتذار، لكي يستطيعون ايصالها الى الطلبة بشكل صحيح ، وعلمي مدروس ،
عندها سوف نخلق جيلا ، يحترم نفسه ، ويقدر مشاعر، وحقوق الآخرين ، ويستوعب الآراء والأفكار المتباينه 
 جيلا خاليا من الأمراض النفسية ، جيل مسلح بالمثل العليا ، والأخلاق الحميدة ، مؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي ، ومجتمعا كريما متصالحا مع نفسه ومع الآخر.
 
ثقافة الأعتذار ليست ثقافة خاصة ، بل انها ثقافة عامة ، فمن واجب الدائرة تقديم الأعتذار للموظف الذي تعرض الى غبن معين ،
والحكومة ملزمة بتقديم الأعتذارعن الأخطاء التي ترتكب بحق الشعب ، كالتقاعس عن القيام بواجباتها المنصوص عليها في دستور الدولة ، كتوفيرالحماية ، والأمن ، وتهيئة الخدمات الأجتماعية ، والصحية  والثقافية الخ
كما ان القانون الدولي يلزم الدول الى تقديم الأعتذار فيما بينها عند حصول التجاوزات ، التي تخالف القوانين الدولية المنصوص والمتفق عليها في المواثيق الدولية .
 
ولثقافة الأعتذار، مبادئ ومفاهيم يتحتم الألتزام بها ، فيجب ان يكون الأعتذار بنية حقيقية صادقة ، معترفا بالأذى الذي سببه للآخر، واظهارالندم عن الضير الذي لحق به ، لكي يمحي ذنبه ، ويريح ضميره ، ويكسب احترام وحب المجتمع الذي ينتمي اليه ، على أن لايكون الأعتذار مجرد سلسلة من تقديم الأعذار الكاذبة ، التي تنم عن المراوغة  ، والأستهتار، والمكابرة ، والأستخفاف بمشاعر الآخر، والهروب الى الأمام من المسؤلية ، والأعتزاز بالأثم ،
ويجب ان يكون الأعتذار بنية صادقة ، بعد مواجه صريحة مع النفس ، لكي يمتنع عن تكرار الخطأ ، وبالتالي عن تكرار الأعتذار وتفريغه من محتواه الأنساني ، ومبادئه السامية ، وبذلك يصبح ملهاة لا اخلاقية ، مقيتة
وأن يكون الأعتذار بمستوى الحدث ، لا بل مساويا لحجم وعمق الأساءة التي اقترفت بحق الغير ، والا فسوف يكون عقيما وواهيا ، ومفرغا من محتواه الأخلاقي النبيل ، فليس من العدل ان يخطأ الشخص بحق الآخر امام الملأ ، ويعتذر منه سرا ، أو بصورة منفردة ،
عندها يتحول الأعتذار الى نوع  من الأساءة المتعمدة ، والأعتداء السافر، والأستفزاز المقصود ، الذي لا تحمد عقباه .

أحدث المقالات