8 أبريل، 2024 11:59 م
Search
Close this search box.

ثـــــــم…اقتــــديت -1 / فيلم ينتهي بنظرة حادة

Facebook
Twitter
LinkedIn

….تقديم….
عام 1999، بعد استشهاد السيد محمد محمد صادق الصدر (رض).. صلينا صلاة الجمعة..مرة او مرتين في حسينية الامام الصادق (ع) ..في المحمودية.. في ظروف متوترة، الى حد بعيد..
كان الطريق الى الحسينية، محاصرا من قبل ميليشيات حزب السلطة، حشود البعثيين على جانبي الطريق، وبالرغم من حضورهم الاجباري، وغير المرغوب فيه من اغلبهم، الا ان السلطة وضعتهم في قالب، وكأنهم يستعرضون قوتهم..
من قرر منا حضور الصلاة، كتب وصيته، وخرج من بيته مستسلما لمصير غامض.. واغلبنا، متوتر، ومشحون عاطفيا ضد السلطة، وقد يتسبب اقل احتكاك الى انفعالات كارثية بين الطرفين، الا ان الجهات الحزبية في المنطقة، كما يبدو، حينها، لا تريد زج نفسها في مواجهات مع ابناء مناطقهم، خوفا من انتقامات مستقبلية، قد تنال منهم..
اقيمت الصلاة بامامة الشيخ الذهيباوي، وهو رجل يمتلك شجاعة، فوق الطبيعة، فخطب متحديا السلطة، طالب الجميع ان يلتزموا بمركزية التعليمات ..
كانت الحسينية تغص باضعاف طاقتها الاستيعابية، لان السلطة منعت الصلاة خارج الحسينية او بابها.. وكل منا يتوقع ان يغلق الباب، في اية لحظة، وتدخل القوات الخاصة او الحزب ليعتقل المصلين..
واجمالا..كان عدد الحضور اقل من الحالات الاعتيادية، قبل حصول الاستشهاد…
انتهت الصلاة، دون حادث يذكر، وكانت الاخيرة، في المحمودية..
حرصت على التواصل مع الاخ المؤذن ماجد البصري (ابو احمد)..وتعمقت علاقتي بالشيخ الذهيباوي..وحصلت على ثقتهما تدريجيا..
وفي يوم ما، جاءني الاخ المؤذن ماجد، وسالني عن امكانية قيامي بتحويل كاسيتات (افلام) الى اقراص (مرنة).. قلت دون تردد: نعم ممكن..
وافقت..دون ان يكون في بالي مكان او شخص او طريقة للتنفيذ، لكني كنت حريصا على ان اقدم خدمة للسيد الشهيد والشيخ..
لم يكن الامر سهلا..لان اقل من هذه الامور محظورة تماما..
السلطة منعت تداول اي منشور او قرص يخص السيد الشهيد، فضلا عن منع منشورات التي سمحت بها سابقا..
الكاسيتات هي اشرطة تسجيل لصلاة الجمعة الاخيرة (رقم 45) مع مهرجان شعري صغير في مكتب السيد الشهيد (البراني)..وكان الشعر فيه تحدي وتطاول على السلطة..
كانت صلاة الجمعة تسجل بواسطة الكاميرات القديمة (الغير رقمية) وباستخدام الكاسيتات االكبيرة (حجم 12*24 سم).. الا ان التداول بدأ يتجه نحو الاقراص الليزرية، لدخول الحاسبات، وانتشارها، نسبيا.. ويبدو مكتب النجف الاشرف قد كلف الشيخ الذهيباوي بمهمة تحويل الكاسيت الى قرص لاجل النشر والتوزيع..
وقد كلفني الشيخ، لاني مهندس وعندي حاسوب، الا اني بعيد عن هذا المجال تماما، فضلا عما يحيط الموضوع من خطورة امنية.. الا ان الحيرة لم تستمر طويلا..لاني سالت احد معارفي ممن يبيع الاقراص، الممنوعة، عن امكانية التحويل، فقال ممكن، ولكن الثمن باهض..
اعطيته الاقراص، واستلمتها لاحقا، وبنسختين، احدها للشيخ ، والاخرى لي.. رجعت الى البيت، متلهفا، وشاهدت الخطبة، ثم المهرجان الشعري.. ثم لقطات داخل مكتب السيد الشهيد.. وهو بيت قديم..ساحة تحيط بها عدد من الغرف.. تجولت الكاميرا في غرفته..ومكتبته..وباحة البيت، ثم صعدت اللقطة الى اعلى حيث الشرفة..
في اخر ثواني من الفيلم.. ظهر شاب في الثلاثين..يرتدي العمامة السوداء.. ضخم .. ذو مظهر ملفت، معتدا بنفسه، ومتحرك بثقة ومسؤولية..
وضع يديه على الشرفة، ونظر الى الاسفل نظرة حادة .. شدتني اليه بغرابة.. وانتهى الفيلم
فاجأتني اللقطة الاخيرة.. وحيرتني.. وتساءلت من هذا الذي ظهر فجأة..في اخر ثواني الفيلم..وماذا يريد ان يقول..
تزاحمت الافكار في رأسي، وبقيت افكر حتى الصباح، منتظرا ان اسال المؤذن ماجد، او اي شخص اخر..وصلت الى مكان العمل، ولحسن الصدفة، وجدت الشخص (معرفتي) الذي تكفل بترتيب الفلم (الكاسيت) وتحويله الى الاقراص..سلمت عليه، وسالته: شفت الفيلم مالت السيد؟ قال: نعم..
قلت: في اخر الفيلم ..يظهر شخص غريب..من هو.. اجابني، بعد تردد:
 ها….هذا ابن السيد الشهيد..
هذا سيد مقتدى..  

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب