23 ديسمبر، 2024 11:01 ص

ثـــــــم…إقتــــديت -14 الدبكـــــــــــــــة

ثـــــــم…إقتــــديت -14 الدبكـــــــــــــــة

بين المقبرة والحرم :
شارع الطوسي، يصل بين المقبرة ومرقد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام).. اقل من نصف كيلومتر… عريض ومزدحم.. محلات للبضاعة الرخيصة، ومطاعم بأسعار مرتفعة، تتوزع على جانبي الشارع المزدحم، وامام المحلات والمطاعم، يفترش الباعة الأرض، ليبيعوا الكتب المتواضعة الطبع، او الألعاب الرديئة الصنع.. ونساء يبعن الشاي، مع الصمون (الجرك).. ويكثر الباعة المتجولين، لبيع القماش الأخضر (علك للبركة).. او السكائر.. او كراسات الزيارة والدعاء..

وعربات بيع (الدهين) تتوزع على طول الطريق..بمسافات متساوية تقريبا..

جماعات ترفع أيديها بالدعاء الى السماء.. ومتوسلون يرفعون أيدهم الى الناس..

(جنابر) لبيع (الإكسسوارات) والعطور.. وأخرى لبيع ماء الورد ومستلزمات القبور..

الشارع مليء بمظاهر دنيوية.. وبرائحة الوداع.. والتناقضات.. رجال أحياء، ويحملون على أكتافهم أموات..!!

لا يخلوا الشارع، من تشييع جنازة، حشد من الوجهاء والشيوخ والفقراء، يمشون بوجل خلف (تابوت) يتنافس على حمله الحضور..

هذا الحال منذ عشرات السنين، او مئات.. مشهد تقليدي، اعتاد عليه الزوار ومشيعي الموتى والباعة والسدنة (خدمة الحرم المقدس)..

شيئا آخر.. جديدا.. بدء هذه العام .. 2004 تقريبا.. وتزايد.. وكسر المشهد التقليدي في شارع الطوسي والمقبرة والنجف عموما.. وانتشر في العراق.. وخاصة في محافظات الوسط والجنوب وبغداد..

شباب.. يسيرون على شكل مجاميع.. يتقافزون بنشاط وثورية.. يتقدمهم أسرعهم.. وأنشطهم.. يردد بصوت عال.. وكأنه يريد أن يسمع الكون ، كله:

عاش عاش ..ابن الصدر

مقتدى للجنة جسر

ثم يقفوا .. متقافزين.. ضاربين الأرض بأرجلهم.. ويرددون الكلام و (الهوسة) .. وهذا الاداء يطلقون عليه (الدبكة).. تلك التي انتشرت في كل مكان، واينما تواجد جماعة (مقتدى)..

بعدها.. تطور الامر، ليضاف الى (الدبكة) ما يسمى بالصلوات التعجيلية.. وهي:

اللهم صل على محمد وال محمد.. وعجل فرجهم والعن عدوهم.. وانصر ولدهم ..مقتدى..مقتدى.. مقتدى

…… عشاق حتى الموت :

ويمكن توثيق عدد من الملاحظات الشخصية تجاه تلك الفترة اهمها:

اولا: هذه المجاميع، تكاثرت في الساحة، بشكل واسع، وخاصة بعد تلك الاتهامات التي وجهها الاحتلال ضد الصدر، والمتعلقة باغتيال المرحوم عبد المجيد الخوئي

ثانيا: بدأ الاعلام يطلقه عليهم (انصار الزعيم الشيعي) ثم (التيار الصدري)..وعلى مستوى الداخل، يطلق عليهم (جماعة مقتدى)..

ثالثا: كان مجاميع الصدريين و (الدبكة) مظهر سلمي لرفض الاحتلال، واعلان التأييد للصدر، باعتباره (الرافض) الابرز، او الوحيد للاحتلال، حينها..

رابعا: بالرغم من الثورية العالية، ورفضهم الحماسي لسلطة (بريمر) وما بعد ذلك.. الا انهم، عموما، من الشباب الطيب المؤمن، الوطني، والمستعد للتضحية في سبيل سيادة واستقلال العراق..

خامسا: هذه القواعد الشعبية والشبابية ، غالبا، هي ثمرة الزرع والبذر الذي غرسه ونثره الشهيد الصدر (والد مقتدى).. وهم الجيل الثاني، اقصد أبناء من حضروا عند الشهيد (رض).. او من بلغوا بعد شهادته..

سادسا: كان السدنة والجهات الحزبية في النجف، تتعامل سلبيا مع هؤلاء الشباب الثائرين، ويتعمدون صنع المشاكل، لمنعهم من الزيارة، بالرغم من التزام (الصدريين) بالأخلاق العامة والتعليمات..

ويبدو ان هذا الموقف السلبي منهم تجاه الصدريين يستند الى موقف سلبي يستهدف السيد مقتدى الصدر ووالده.. لرفضهما الاحتلال والتبعية للخارج..

سابعا: كانوا هؤلاء الشباب، هم الجهة الوحيدة، تقريبا، المساندين، وبإخلاص للسيد مقتدى الصدر..

حينها، كان الخارج، دوليا واقليميا، يقف ضد مقتدى الصدر.. فضلا عن العناوين السياسية والدينية..

ثامنا: رافق هذا الرفض الصدري و (الدبكة).. ظهور انتاج فني كثيف من الأناشيد الثورية، الرافضة للاحتلال، والساندة للصدر.. وكان ابرز المنشدين هم احمد الساعدي، والدلفي ، والحجامي، وغيرهم..

تاسعا: تطورت مظاهر الرفض لاحقا، وتوسعت الى تظاهرات، من مئات الآلاف، ثم تظاهرات مليونية، اعتادت الخروج في نيسان، وفي يوم التاسع منه، وهو اليوم الذي دخلت فيه القوات الامريكية الى بغداد..

عاشرا: حسب فهمي، ان هذا الاداء الشعبي الرافض، لم يكن بأمر من السيد الصدر تفصيليا، ولكنه أمضاه، كما هي طريقته المعتادة..

اقصد، يطرح عنوان عام عريض، مثلا مقاومة سلمية او ثقافية، ثم يفسح المجال لمن حوله، للابداع والانتاج، ولا يتدخل الصدر الا في حالة تجاوز العاملين الخطوط الحمر، وهي المحرمات العقلية او الشرعية ..

ويبدو ان الصدر وجه قواعده عموما، او المقربين منه، لتكثيف مظاهر الرفض السلمي للاحتلال ومشاريعه، وتضمن ذلك إصدارات وبيانات باللغة الانجليزية، تم توزيعها على الجنود الأجانب، توضح الرفض الشعبي لوجودهم وتطالبهم بالمغادرة.. والرجوع الى بلدانهم..

وكان الصدر يخطط لاستمرار الرفض السلمي لمدة عام كامل، قبل أن يبدأ التصعيد، ويدخل في المقاومة العسكرية..

وللحديث بقية..