الغربيـــــــل:
في الربع الأول من عام 2004، بدأت تظهر تناقضات الجهات، على المستوى العام والشيعي ، حصل الاختلاف على البديهيات، وعلى الثوابت والأساسيات..
أهم التهم ضد السيد مقتدى الصدر، التي انتشرت سريعا في ساحتنا، هي رفضه استلام الشيعة للحكم، واعتراضاته على ما يخطط له سياسيو الشيعة، الذين دخلوا في (مجلس الحكم).. وهذه الاتهامات أطلقتها عنوان متعددة، سال لعابها على امتيازات الحكم والسلطة.
كنت انظر الى التهمة من زوايا أهمها:
الأولى: إنني، ومنذ صباي، مثقفا على رفض الاحتلال ورفض المشاريع الاستعمارية والامبريالية، ولذلك وجدت مواقف السيد مقتدى مطابقة تماما للأساسيات الإنسانية والوطنية والتحررية.. ومساندا للقضية الفلسطينية الى ابعد الحدود.. فضلا عن قضايا التحرر العالمية.. ومن المتعاطفين مع تشي جيفارا .. وهوشي منه.. وممن يقرا لمذكرات روجيه غارودي الكفاحية..
لذا ساندت الصدر في مواقفه.. وفوجئت بمواقف عناوين دينية وماركسية، وجدتها ترقص على أنغام المحتل.. وتصفق للامبريالية !!
ثانيا: ضمن منظومة الفكر الصدري، وأهمها خطب وفتاوى وكتابات السيد محمد الصدر (رض) .. لم تترك خيارا آخر، الا رفض الاحتلال ورفض التدخل الأجنبي، ابرءا للذمة، وانجازا للتكليف الشرعي، الصريح…
الا إن التصريحات والآراء ، كانت غريبة، ليس من العوام فقط.. بل من الخاصة، بل ، ممن كان يهتف قبل أيام.. مرگ، مرگ به امریکا..!!
ثالثا: كانت الفتاوى الصادرة من السيد الحائري واضحة برفض الاحتلال، ويفترض إن ينتج منه دعم للرفض الصدري، ولكن فوجئنا بمواقف غريبة ومحيرة من قبل مكتب السيد الحائري في النجف الاشرف..
وقد لمست موقفا سلبيا من مكاتب السيد الحائري، عموما، ضد شخص السيد مقتدى الصدر..!! بالرغم من جهود الاخير الداعمة لهم ، والتي أوجدت مكاتبهم وفسحت لهم فرصة العمل في العراق ..
بعد هذا، الإجماع العام والخاص، على السكوت والمجاملة.. وإنفراد الصدر بمواقفه الرافضة والمتحدية، حصل لدينا شعور بالغربة، كنت وعدد من الشباب معي نعمل بالتواصل مع مكتب السيد الشهيد في مدينة الكاظمية ومدينة الصدر ومكتب الكرخ احيانا..
وأحيانا يشك المرء بنفسه، في مواجهة سيول من الاتهامات والتشكيك من الدائرة المحيطة والقريبة، فضلا عن حملة الاعلام العالمية والتي قادها الاحتلال الامريكي، لتشويه صورة السيد مقتدى الصدري وقواعده الشعبية..
ولم تكن القيادات الصدرية خالية من المشككين، وكان ابرز خطباء الجمعة (اليوم)، حينها، يقول :
اذا سحب السيد الحائري شرعيتنا سنضيع..!!
وقد وصف السيد مقتدى الصدر تلك الأيام بقوله:
حينها .. كان الجميع ضدنا..
……. البالونات السياسية:
وتأكد لي لاحقا، إن اطروحات السيد القائد مقتدى الصدر، كلها، صحيحة، وكالتالي:
أولا: لم يكن الصدر رافضا لاستلام الشيعة الحكم، بل كان يريد منهم أن يدخلوا بشكل تدريجي، وطبيعي، ليتمكنوا من تنمية قدراتهم البشرية والسياسية والادارية..
ثانيا: كان الصدر يحافظ على الشيعة من الفشل، ولكي لا ينزلقوا، كما حصل الآن، ومنذ عام 2006 والى 2014، وخلالها، قد سجل سياسيو الشيعة فشلا ذريا في الحكم، بسبب وصول حفنة من (الفاشلين).. ممن لا يمتلك الخبرة ولا المشروع الوطني..
ثالثا: قدم الصدر ، لاحقا، أنموذجا عمليا في هذا الجانب، من خلال الدخول التدريجي للصدرين في الحكم، واستنادا على اسس منطقية وموضوعية، نسبيا.. وقد كان الاختيارـ غالبا ، يستند الى الكفاءة والشعبية، وحقق الصدريون نجاحا، مقبولا، بالمقارنة مع الاخرين، الذين كرسوا الفشل والفوضى في الأداء، وخاصة دولة القانون..
رابعا: كان الصدر يحاول إنقاذ الشيعة من فخاخ (المحتل).. أي لا يكونوا واجهة لمشاريع الاحتلال، بل يكونوا واجهة للرفض وللمقاومة، كما كانوا، بعد ثورة العشرين، عنوان ناصع للوطنية.
خامسا: كان الصدر، يؤمن بان الشعب قادر على فرض ارادته، ويمكن للشيعة الوصول الى الحكم بالطرق العقلائية، وحسب استحقاقهم الوطني، بعيدا عن اقصاء الاخر.. ودون اقتتال او تآمر..
واليوم، حسب فهمي، صار واضحا احقية اطروحات السيد مقتدى الصدر، وموضوعيتها، ونحن نشهد نزيف الدم ، والبلاد في فوضى عارمة، دون امن ودون امان، بعد ان ضيع سياسيو الشيعة المليارات.. وسجل (دولة القانون) تاريخا اسودا في الادارة والحكم..
ولو ان (البالونات) السياسية، فهمت الصدر، وارتقت الى مستوى خبرته وفطنته الفذة.. لتجنب العراق الكثير من الخسائر.. المعنوية والمادية..
وللحديث بقية..