23 ديسمبر، 2024 12:36 ص

ثغرة في الدستور تكشف المستور

ثغرة في الدستور تكشف المستور

حق التظاهر اقره الدستور وربما هو المتنفس الوحيد والثغرة التي اتاحها المشرع الظالم للشعب العراقي المظلوم فيما بعد الاحتلال .
إن توقيت الانتفاضة العراقية وانطلاقها في الأول من أكتوبر تشرين الأول لم يكن مصادفة فقد صرح به ولمح العديد من اقطاب العملية السياسية في العراق وكذلك زعماء المليشيات امثال قيس الخزعلي وغيره وقبلها بفترة تربو عن شهر كانت مواقع التواصل الاجتماعي والحسابات الوهمية والحقيقية تنشط وتتهيأ وتدعو لهذا اليوم , وتدفق فعلا الاف الشباب صبيحة يوم الثلاثاء الفاتح من أكتوبر لساحة التحرير والعديد من مناطق بغداد وكذلك الناصرية ثم ميسان والديوانية والبصرة الفيحاء , وكل ذلك يلغي فكرة انها عفوية وانها انطلقت دون ان يكون خلفها جهات مدبرة !!
ومع تدفق جموح المتظاهرين المؤدلجين من قبل قادة احزابهم ومليشياتهم المتنفذين والتي تتلقى تعليماتها من خارج الحدود اما لإحداث تغيير في هيكلية الدولة لحسابات بعيدة المدى او تشعرانها مغبونة في نصيبها من الكعكة العراقية لتحقيق مكاسب اضافية كما في كل تظاهرة يتم تأجيج الشارع ويغلي لأيام ثم ما يلبث ان ينفض الجمع بعد ان يتم التسوية بين الكتل والأحزاب والمليشيات من خلف الستار,
لكن يبدو هذه المرة ان المخطط خرج عن السيطرة بعد ان زحف اضعافهم من الشباب العاطل عن العمل وهذه المرة فعلا تدفقوا بعفوية والذين اصبحوا عالة على اهلهم وفقدوا الامل في حكومات متعاقبة من ان تؤمن لهم مستقبلهم , ليتسع نطاق الزحف ومن كافة مناطق بغداد كذلك من الحانقين و المتضررين من العملية السياسية وشريحة من المثقفين والمهمشين مما اوضع الأحزاب والمليشيات التي دفعت لتلك المظاهرة في حرج منها بعد ان فقدت السيطرة عليها تماما.
وكما يعلم الجميع فان الجهاز الأمني في العراق متعدد الاجنحة والولاءآت ,ولا يقتصر على الجيش وجهاز الشرطة والأمن ,فهم اليوم اضعف الحلقات المسلحة مقارنة بالحشد الشعبي والمليشيات , وان هنالك اكثر من رأس يتحكم فيهم من داخل وخارج العراق وعلى رأسهم قاسم سليماني وجنرالاته , وهذا هو الذي ادخل الحكومة في مأزق كبير في كيفية التعامل معها فتم التصدي للمتظاهرين من كافة المجاميع المسلحة واتخذوا مواقعهم في اسطح المباني من القناصين والأسلحة الثقيلة في الساحات فضلا عن قوات مكافحة الشغب والذين تعاملوا مع الشباب الثائر على جورهم بمنتهى الاجرام والقسوة وبنفس البشاعة التي تعاملت بها داعش مع العزل من اهل الموصل وكأنهم وجهان لعملة واحدة ، حيث لم يتجرأ حتى الكيان الصهيوني بالتعامل مع مناوئيه من الفلسطينيين , مما أوقع لحد كتابة هذا المقال ما يربو على 100 شهيدا والاف الجرحى الذين غصت بهم مستشفيات بغداد والمحافظات والخارجة عن الخدمة تماما في الأيام الاعتيادية !!
وما يلفت الانتباه في هذه الانتفاضة والتي جهلا بواقع الحال اطلق عليها البعض (بثورة الجياع ) وفي الحقيقة هي ( انتفاضة لإستعادة وطن مسلوب), بان الحكومة العراقية فضلا عن المرجعية الدينية في النجف فشلت فشلا ذريعا في تبريراتهم لتهدئة الشارع ونزع فتيل الأزمة , فكما في كل مرة يتم القاء اللوم على الشباب المنتفض بتهم جاهزة, فإما انهم مدفوعون من الخارج او مخربين غوغاء محدثي شغب , وان كانوا من ابناء المحافظات ذو الغالبية السنية فتهمتهم جاهزة ,فهم ارهابيون و دواعش او صداميون , ويسحقوا وتحرق خيامهم ويعتقلوا كما فعل سلفهم الطاغية المالكي بعد ان وصفهم بالفقاعة النتنة ثم ادخل عليهم داعش والإرهاب وهرب هروبا مخزيا هو وقواته!! ..
وخلاصة القول سادتي لما جرى اوجزه لكم بالنقاط التالية :
1- أي حركة وتجمهر وتغيير وانتفاضة وثورة وعصيان مدني و تسلل إرهاب وتشكيل أو اسقاط حكومة يجري في العراق لا يتم بمحض الصدفة بل تديره ايد لم تعد خفية , خاصة اذا علمنا ان الملف العراقي ملف معقد ومهم جدا وهو محل تجاذب بين أمريكا وايران وجميع الدول الإقليمية ,ولا يحدث شيئا فيه بعيدا عن اعينهم, وإن ايران مستعدة بان تتخلى عن كل مناطق نفوذها الا العراق ! لانها تعلم يقينا ان نهايتها منوطة بإخراجها منه, لذا فان كل ما يحدث فيه قد اخذت له جميع الحلول والتحوطات.
2- من الصعب بل من المستحيل في الوقت الراهن اسقاط النظام السياسي في العراق باي تظاهرة او ثورة أوانتفاضة او انقلابات عسكرية لأسباب جوهرية , اهما عدم وجود رغبة أمريكية وإقليمية , وان هيكلية الدولة معقد ومتداخل جدا وهي مختلفة تماما عن الأنظمة التقليدية التي تستهدف راس النظام والحزب الواحد والذي بإزاحته ينهار النظام فورا .
ففي العراق اليوم العديد من الرؤساء والقادة والأحزاب والمليشيات والتكتلات وبعدة خطوط وقيادات بديلة وجميعهم يتلقى تعليماته من خارج الحدود وبالتحديد ايران, والجميع معهم صك الغفران والمباركة من المرجع السيستاني , وهم على أهبة الاستعداد لملئ الفراغ عند إزاحة أي شريك سواء كان ذلك بسحب الثقة او الاغتيال او الاعتقال او الخروج عن طوع الولي الفقيه.
ولا سبيل للخروج من هذا النفق المرعب الا بالضغط على المحتل الأمريكي الذي اتى بهم بالإصلاح الشامل للعملية السياسية الذي وضع أسسها وسن دستورها المسخ واحتواء ايران .
3- افرزت هذه الانتفاضة عن كشف الأقنعة والاصطفافات داخل وخارج العراق ووضعت المؤسسة الدينية متمثلة بمرجعية النجف والمعممين في حرج كبير بين الوقوف مع المتظاهرين والبراءة من الحكومة والحث على ملاحقة و انزال العقوبة بحق القتلة انصافا لدماء الشهداء , او الاستمرار في حماية ظهر الحكومة والمفسدين والتبرير لهم وابعادهم عن المحاسبة و السقوط جراء فشلهم وفسادهم والذي أوصل العراق وشعبه لحد الانفجار,
فجاء موقفها هزيلا ليكشف عنها ورقة التوت التي طالما تخفت ورائها , في تناقضات صارخة طيلة فترة تربع تلك المرجعية في صياغة ومباركة العملية السياسية الفاسدة طوال الفترة المنصرمة, وهي من أعطت الشرعية وباركت المحتل وحرمت قتاله ,و صدحت بأعلى صوتها في مناصرة الانقلابين في البحرين ووصفتهم بالأحرار!, وتنكرت لشعبها ووصفتهم بالمخربين واقترافهم لاعمال شغب مما اثار حفيظة الشارع العراقي ضدها وهز من قدسيتها.
3- بات واضح وجلي ان القيادات الوطنية التي تنشط خارج الحدود ما زالت مغيبة عن الشارع العراقي وغير مهيأة تماما لإحداث أي تغيير او إستثمار لأي حدث لقلب الطاولة على اركان العملية السياسية , وان كل ما يتداولونه من ندوات ومؤتمرات وتوصيات لا يتعدى قاعات اجتماعاتهم لسبب بسيط وهو:
انهم ما زالوا يعملون بمنهاج اقرب منه للتنظير وخطط وأفكار بالية لم تعد تتواكب مع التغيرات الكبرى التي طرأت على المجتمع العراقي فضلا عن فقدانهم لقاعدتهم الجماهيرية من جيل الشباب واعتمادهم على أجيال هي في حكم الانقراض وقد عفى عليهم الزمن, وقياداتهم العليا أصابها القنوط وجلهم لا يريد ان يظهر في الصورة حتى لا يفقد اقامته في الدول التي ينعم بخيراتها وقد الزمتهم والجمتهم بالصمت , ولا نستطيع ملامتهم لان التيار الجارف اعتى من صمودهم بكثير وذلك يسقط تماما نظرية المؤامرة التي يدعيها النظام في انقلاب الشارع عليه ..
4- حسب تصوري وأتمنى أكون مخطأ وان لا يتصاعد العنف وتسيل المزيد من الدماء وان يتم التدخل الاممي والاقليمي لتدارك الموقف بعكس ذلك فلربما ستتلاشى بعد أيام تلك الانتفاضة المباركة إما باستخدام اقسى درجات العنف والضحايا أو ببروز أحزاب وقيادات ووجوه جديدة لكنها ستكون من نفس اقطاب العملية السياسية كانت تعمل للفترة المنصرمة في الخفاء, فستركب موجة الإصلاح وهي من ستتفاوض عن المتظاهرين بلباس وهمي وطني رصين , بعد ان احترقت أوراق من كان يتحكم في الشارع لسنين , وسيقر البرلمان بعض الاجراءآت الترقيعية وربما ستسحب الثقة من هذه الحكومة ويتم تطمين المتظاهرين وتقديم وعود إصلاحية وتوفير الاف الوظائف وضخ المزيد من المعونات , ثم بعد ان يهدأ الشارع ستتملق جميع الطبقات السياسية بتسهيل ومباركة ودعم الزيارة الاربعينية المرتقبة وسيكونون في مقدمة اللطامين, وسيعزف المعممون من جديد على الهاب مشاعر البسطاء وخداعهم بشعارات وهمية بضرورة الحفاظ على حكومة جعفرية !!!
وبعد ان تبرد الساحة ستنطلق بقوة يد المليشيات بشن حملة تنظيف واعمار لساحة التحرير والاعتصامات من مخلفات ما وصموهم بالشغب والمخربين, لكن التنظيف هذه المرة يختلف عن كل المرات فهو المزيد من التصفيات والاغتيالات والاعتقالات لقطع دابر أي انتفاضة وثورة وتظاهرات, وسيعاد صياغة الدستور وردم ما فيه من الخلل والثغور لما يلبي مصالح المحتل والطبقة الحاكمة ويقطع الطريق على من يسعى لتغيير النظام لدهور ..
وكان الله بعونكم يا شعب العراق