23 ديسمبر، 2024 12:52 ص

ثراء ..حنّا مينه

ثراء ..حنّا مينه

أحببتك ايها الروائي الكادح
أحببتك يا( كاتب الكفاح والفرح )
أحببتك منذ سنواتي الطلابية وما أزال ..

أنت علمتني على لسان إبن سعيد حيزوم في روايتك ،،الدقل ،،..(بعض القضايا تستعصي على التصفية

:شجرة راسخة في الارض..شجرة راسخة في الارض تكون.وتمر الاعاصير بها وتعجز عن اقتلاعها وتهب الريح عليها وتعجز عن ايباسها..جذورها هناك في احشاء الثرى ..جذور والدي كانت عميقة في أرض الوطن وفي بحره ايضا وفي هوائه كذلك ..) كلامك هذا صار تميمتي…

(*)

أحببتك قبل ذلك المساء الشتوي وأنا أمشي مسافة ً ليست قصيرة : من مكتبة الجميع في سوق المغايز الى بيتنا في البصرة القديمة ..فالنقود التي في جيبي بالضبط (450فلسا) يومها كان هذا المبلغ سعرا غالياً كثمن لكتاب عربي ،وطبعا كان سعر الكتاب أقل ، لكن (أبو رعد) صاحب مكتبة الجميع يرحمه الله ،كان ماهراً في تفريغ جيوبنا الطلابية ..

(*)

ذلك المساء الشتوي : كنت ُمن الفرحانين ،فأنا احتضن روايتك (الشمس في يوم غائم)..ليلتها انغمرت في الرواية وعند الفجر انتهيت منها..ومن شدة حبي حدثّت عائلتي عنها ومن ايدي اسرتني الى اكف خياطيّ البصرة وصلت (الشمس في يوم غائم) فقد حدثهم الخيّاط محمد مسعود عن الخيّاط بطل الرواية.. ولاادري ولااخي يدري اي خياط من الخياطين ابتلع النسخة ..في 1979 كررتُ قراءتي لرواية (الثلج يأتي من النافذة ) فهي تلائم تلك السنة العراقية، حيث شن النظام حملته ضد الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة

(*)

أحببتُ نجيب محفوظ وما ازال..لكن محفوظ لم تقترب كتاباته من الشغيلة ،أما حنا مينه ، فهو في نسيج راية الشغيلة ومن المسجونين من أجلها تسع مرات وله من المنافي ثلاثة ومن شهادات الدراسة ، لايملك سوى شهادة التحصيل الابتدائي…حنّا مينه يامن (عرفت أن السياسة غير السباحة وأن عليك أن تضحي ،صغيرا في اسكندرونة ،يافعا في اللاذقية ، رجلا في دمشق ،وتساق بقوة الحديد ،الى السجون في كل هذه المدن ،وتخرجت من السجون بشهادة هي أم الشهادات ،،الحقد المقدس على المحتلين وأذنابهم ،، / ص74/ عاهرة ونصف مجنون )..

(*)

الناقد والمترجم والمفكر جورج طرابيشي .. كرّس جهدا نقديا حول رواياته ، يشهد ان حنّا مينه

(روائي استطاع ان يجتاز في سنوات قليلة وبتجربته الشخصية ،كل المسافات الفاصلة بين التأسيس والنضج،وهي مسافة لاتُقطع في شروط التطور العضوي والنظامي إلاّ في قرون ، لافي سنوات ،ومن قبل أجيال ،لا أفراد …/ص73/ ايدلوجيا الرجولة)..وطرابيشي حتى لايتهم بالمبالغة ، يعمم في حاشية الصفجة نفسها ان هذا التطور وفق قانون عام ،هو قانون التطور المتفاوت والمركب ،الذي يشمل الرواية العربية في العالم الثالث ..

(*)

أين هو الروائي العربي الذي صار قسيم حنّا مينه في الكتابة عن البحر ؟ مَن تجاوز روايته (الشراع والعاصفة ) ..أو أجترح شخصية مثل (الطروسي ) أو مثل (سعيد حيزوم ) في روايتيه (حكاية بحار )

و(الدقل )..أليس حنّا مينه هو وحده رائد رواية البحر في الرواية العربية ..؟! لا..وألف لا..لادخل لبحر حنا مينه بأي بحر آخر لا بحر هنمغواي وشيخه سنتياغو في (الشيخ والبحر) ولابحر( موبي ديك): ملحمة هيرمان ملفل….بحر حنّا مينه هو: تجربته المريرة مع البحر والرزق والمسؤوليات المتكالبة على كاهله كرجل وحيد في العائلة وبشهادة (واكيم أستور) صديقه الحميم في اللاذقية ..(حنا لم يقع على كنز عندما أختار البحر ميدانا لصراعه ،الكنز في داخله في مخزون التجارب ..منه ينبع البحر ومنه يولد البحار..)..حنّا الذي بكّر في إعالة عائلة وهو بعمر الغصن وناحل مثله..أما والد حنّا فبشهادة الدكتورة نجاح العطار(لايستطيع ان يستقر وهو لايستطيع ان يفكر كيف يستقر، وهو لايعاني التفكير في مسؤليته تجاه أسرته في حالتي الاستقرار الموقت والريح الدائم .انه سكير، متهالك ،فاقد الاحساس بالخوف ..)

(*)

رواية(الياطر) كسرت نسق حنا مينه الروائي ، لتتفوق على كل من تناول موضوعة الجنس في (الياطر) العودة الى عفوية تلك الغابة العذراء التي توسق الفضاء الروائي .. كيف انسى (زكريا المرسلي) والراعية (شكيبة) ؟ بأية مسردة كان يخاطب البحر؟ هل كانت الكلمات من ملح البحر وعواصفه / عواطفه ؟ أما حسب شهادة بدر الزرقا..؟ (بينه وبين البحر، اللغة لالغة ..تتعطل اللغة ، وهذا جيد ،فالصمت في حينه صلاة ../ رواية البحر والسفينة وهي )

(*)

كم هي المسافة بين ( ديمتريو) و (دعبس الفتفوت ) ..لديمتريو انشطاراته ، ولدعبس احتكارية الحكي ومصادرة ألسنة الآخرين ،بالنسبة لي وانا اطلق كلب الأثر احببت الروايتين (مأساة ديمتريو) و(الرجل الذي يكره نفسه ) ورأيت في دعبس قفصا ، لسرب من الطيور: العنقاء..البومة ..الوطواط ..السوسة…الخ وكل طير : هو بعض دعبس في المجاز اللغوي .. دعبس هل هو قناع : توما الشكاك

أم وجهه؟ والعكس صحيح أيضا ؟ أم …؟

(*)

من ينسى سيرة (مريانا ميخائيل زكور) أم حنا مينا في (بقايا صور) و(المستنقع ) و(المرصد)….مايزال صوت المعّلم الخيّاط في (الشمس في يوم غائم )..يشنّف آذاننا وهو يدرّب ابن الاغنياء على رقصة الخنجر ، يناديه : اضرب بخنجرك الارض اضربها ابنة الكلب لتستيقظ …وهكذا صرت اشتاق روايات حنا مينه كما اشتاق لرؤية وجه صديق حميم ومعلم كبير ومربي عظيم ..حنا مينه الذي تخرج في امواج البحروالمنافي وجمرات اليسار الشامي : صارت الكتابة لديه : حياة وتاريخ حياة وجغرافيا المستقبل .

(*)

رغم أهميته : أو جعني الفيلم الوثائقي القصير ،أعني الزيارة الثقافية التي قام بها الشاب امجد طعمة وهو يحاورك في شتاء 2013، هو بكل الحب يتقوس امامك ويحاورك وانت لاادري لماذا ذكرتني ببيت لأبي تمّام (تاهت على صورة الاشياء صورته – حتى إذا كمِلت ْ تاهت مع التيه ) ولاادري وانا اتأمل أصابعك التي تحاصر السيكارة ،كيف تذكرت جملة لك (أو أن أموت قبل أن تقهرني الحياة ) ..نعم سمعتك وانت مركوز على قنفة في شقتك وسابح في أفلاك شتى لايراها سواك ..تقول للمحاور الوسيم امجد طعمة : (يا ولدي أنا مللت ُ الحياة ..أريد ان أموت ..) والآن وللمرة الاولى والأخيرة أختلف معك ايها الكادح في الحياة والكتابة يامعلمنا على الفرح والكفاح ..انت لست ُ فقط حنّا مينه بل أنت : المصابيح الزرق / الشراع والعاصفة / الثلج يأتي من النافذة / الشمس في يوم غائم / الياطر/ بقايا صور/ المستنقع / القطاف / الأبنوسة البيضاء/ المرصد / حكاية بّحار / الدقل / المرفأ البعيد / الربيع والخريف / مأساة ديمتريو/ حمامة زرقاء في السحب / نهاية رجل شجاع / الولاعة / فوق الجبل تحت الثلج / الرحيل عند الغروب / النجوم تحاكم القمر / المرأة ذات الثوب الازرق / حدث في بيتاغو/ عروس الموجة السوداء / المغامرة الأخيرة / الرجل الذي يكره نفسه/ الفم الكرزي / حارة الشحاتين / صراع إمرأتين / ناظم حكمت : السجن .المرأة .الحياة / ناظم حكمت ثائرا/ هواجس في التجربة الروائية / كيف حملت القلم ؟/ البحر والسفينة ..وهي / حين مات النهد / شرف قاطع طريق / الذئب الاسود / الارقش والغجرية / النار بين أصابع امرأة / عاهرة ونصف مجنون / ……….يالهذا الكادح المناضل الاممي من ثري !!