11 أبريل، 2024 8:58 ص
Search
Close this search box.

ثبوت رؤية الهلال المصري في قمة دول جوار السودان؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

أنتهى الكلام وأسدل الستار على آخر فصول مسرحية المؤامرة على السودان. التاريخ سيكتب يوم الخميس 13 يوليو 2023 في هذا اليوم تعانقت فيه القاهرة والخرطوم بعد أن ترجل الزعيم المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي موقفا عربيا عظيما بشيء من كاريزما القوة ليشفر رسائل متعددة للعالم وهو ينعش الشعوب العربية بنشوة العظمة، لاسيما أن هذا المؤتمر يعبر عن سياسة واستراتيجية مصر اتجاه القضايا العربية المصيرية. أما المسافة التي قطعتها الوفود المشاركة في المؤتمر إلى القاهرة فلا تقاس بالكيلومترات. إذن على العالم أن يسمع مصر اليوم ولا يصمّ البعض أذنيّه كما فعل سابقا. مع العرض أن هذا المؤتمر البالغ الأهميّة بما يتضمن لا ينفصل عن جملة الأحداث الدائرة في الشرق الأوسط ولا عن تاريخ مصر ودورها الكبير والمؤثر في السياسة العالميّة والإقليمية والعربية.
من الخطأ أن يذهب تفكير البعض باتجاه فرض أن مصر وقيادتها السياسية بعيدة عما يتعرض له الأمن القومي العربي لجملة مؤامرات واضحة للعيان، فهو فرض يتناقض مع منطق التاريخ المصري. التاريخ الذي يشهد أن لا خطر يقوّض ويدمر أحلام إمبراطوريات الشر سوى مصر وجيشها العظيم، هذه الحقيقة شكّلت هاجسا يعرقل خطط أعداء الوطن العربي، مما حدي بهم أن يراجعون تاريخ أمتنا الإسلامية ليجدوا ضالتهم في دور الخوارج والقرامطة، خناجر مسمومة تطعن ظهر الإسلام وتقطع الأحشاء من داخل جسد كيانه، وعلى رأسهم الاسلام السياسي بلحمه وشحمه، أجندة مشاريع خبيثة موازية. أما التفاصيل فهي حيثيات ووقائع ملموسة سطرها الأعداء الملتحفين بجلباب الإسلام في عدد من الدول العربية ومناطق أخرى في جميع أرجاء العالم بتوجيه وتخطيط من أسيادهم. في السياق ذاته انتهى زمن الاستفراد بالقوّة وانتهاك محارم الشعوب بالاستيلاء على مقدراتها وفق أجندات فرض التبعيّة من خلال تثبيت أنظمة كارتونية تغلف بطيها أزلام حماية مصالح غير شرعيّة ولا أخلاقية، لن تسمح مصر بتمرير المخططات السريّة في منطقتنا العربية.
الأهم في هذا الاستعراض يكمن بوضع العالم على مدار فلك سياسة القطبية المصرية، فلا جدال على أن القاهرة رأس حربة أو عامل مهم في الاستقرار السياسي للنظام الدولي برمته. لاسيما أن منطقة الشرق الاوسط لا تزال نيرانه تحرق الأخضر واليابس، ولا توجد ملامح أو مؤشرات تشير الى استقرار الشرق الأوسط بسبب اختلال التوازن الاستراتيجي الذي أحدثته اخطاء السياسة الأمريكية، هذا الخلل الكبير خلق حالة من الرُعب والخوف لدى دول المنطقة وأباح لها التدخل السلبي في شؤون دول أخرى بذريعة الدفاع عن النفس واتقاء حالة الفوضى أو بدافع التوسع والهيمنة كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وليبيا.
فيما يخص العملاء الذين يحاولون العبث في مصر من خلال إعلامهم المدسوس، فهؤلاء فرختهم بعض الدول المعادية بتنفيذ مؤامرة وما تلاها من اتفاقيات شرذمة التركة الإخوانية. هذا الإعلام يحتضر ولا يكاد يتنفس إلا باستجداء الحماية من اسياده، ولن يستطيع البقاء على قيد الحياة في ظلّ العلاقات المصرية الجديدة، تلك العلاقات التي تضع في حسابها خلق استقرار لايمكن أن تحققه إلا بتلبية مصالح الأمة العربية والشرق الأوسط واستراتيجياتها. أما التوازن فهو ينشأ عادة من خلال الحُقب التي يهيمن فيها العقلاء من أهل الحكمة على مقاليد الدول والقوّة وعلى رأسهم مصر.

بعد هذه المؤتمر كيف سيكون شكل العالم العربي والمحيط الإقليمي؟
على المدى القريب ستراجع قيادات الدول سياساتها ومصالحها الاقتصادية وتدرس الأخطار التي يمكن أن تحيق بها لتختار مع من تضع أيديها، وما الذي ينبغي للدول أن تتخذ من قرارات مصيرية واستراتيجيّة.
هنا لابد أن نشير بوضوح الى حجم الرعب والخطر المحدق ببعض الدول خصوصا المنضوية تحت عباءة الإسلام السياسي، هذه الدول ستكون تحت مضلة الجماعات الإرهابية ومشلولة القدرة ويمكن اعتبارها أرض حرام حسب قواعد الاشتباك العسكرية العامة، من الأفضل لهذه الدول أن لا تجازف في مصيرها ووجودها بوجوب التزام سياسة الحياد والنأي بالنفس عن كل سجالات التصعيد والصراع مع مصر، حيث لا يوجد خيار استراتيجي سوى أن تكون مصر مركز قيادة الأمة العربية إلا في حالة استثنائية تبادر فيها دول عربية أخرى بتشكيل قوة كبيرة لتفرض قطبيتها، وهذا أفضل اختيار لكنه يتطلب اجراءات معقدة جدا على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجيّة. المرجّح أن كثير من دول المنطقة ستختار سياسة القاهرة والانسياق خلف القطب العربي الجديد.
فيما يخص الدول الهزيلة الفاقدة للإرادة والسيادة الحقيقية أو اتخاذ القرار، هذه الدويلات ستبقى على حالها الموروث مستقلة شكليّا وتدور في فلك أحد الاقطاب حسب تبعيتها الاستعمارية وربما تلجئ لخداع شعوبها بإعلان سياسة عدم الانحياز. ومثلما تبرّع مؤججي الفتن في تشكيل منظمات الجهاد الأعمى سوف تجد دوائر المخابرات سيناريوهات تمثيل مأساوية على مسرح الواقع. أمّا الشعوب التي تعشق الطائفية وتقدسها على إيقاع تطبيل التاريخ في كل فصول أكاذيب وزيف مسلسلاته التراجيدية، حتما ستشاهد عروض جديدة تناغم جهالة انحطاط عقولها السجينة في ظلام سراديب الطائفية الدينية.
إن الشعب السوداني لا يطالب بالمستحيل وليس لأحد حق في مصادرة إرادته. لكنها السياسة والافكار والعقائد، تلك العقائد والأفكار التي لا تنفك عن التلاعب في مقدرات الأمم ولا تنفكّ عن التحايل وخلق جميع المشاكل. ربما لأن نزعة المؤامرة غريزة لدى القوى الخارجية، وأن الصراع مكتوب على أمتنا العربية بمنطق جدل الحياة والديمومة. عليه كان من الأنسب لأصحاب القرار ألا يستغفلون المجتمع ولا يقحمون الشعوب العربية في سخرية الأيديولوجيات، لكن كما ذكرنا مشاريع السياسة تختلف وتحقيقها يتطلب مراحل وأجندات لكل مرحلة بتفاصيل سيناريوهات مسبقة يتم تنفيذها أو تمثيلها على أرض الواقع. قطعا لا توجد مشاكل بين أبناء الشعب السوداني، لكن المكر السيئ يحيق بأهله والسياسات الخاطئة تعقبها كوارث، ولا شيء يستقر بدون توازن ولا يمكن تحقيق السلام إلا من خلال العدل.
وفقا لما تقدم، أن كل المعطيات بمختلف الفرضيات تشير الى حقيقة مفادها، لن تسمح مصر بالعبث في منطقتنا العربية. من هنا فإن العالم بقيادة مصر مقبل على حقبة تاريخيّة جديدة لا تنسجم مع العنصريّة بجميع عناوين تشدقها الديني والعرقي والثقافي، ولابد من التعايش والسمو الإنساني فوق جميع الميول والتوجهات التي تصادر كرامة الانسان وتسلب حريته وحقه المقدّس بالعيش الكريم.

بقلم: استاذ الفكر السياسي
انمار نزار الدروبي

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب