ليس من المستغرب أبدا أن تستمر محاولات النيل من الحزب الشيوعي العراقي ، وإن تكن تأخذ صورا و أشكالا شتى. فرغم الضعف التنظيمي ، و الفكري للحزب حاليا فما زال ثقل تاريخه وأمجاده ، الذي لم يُستنفذ تماما بعد، يُبقيه في الساحة ويجبر الجميع على أخذ دوره في الحسبان ، ولذلك يتواصل السعي ضده باساليب متعددة منها إختلاق مواقف ، ليس فقط هو برئ منها ، بل مناقضة لما ينسبونه اليه.من تلك المواقف مثلا إتهامه بتمزيق القرآن أيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ، والتي بين حسن العلوي ، في لحظة لا أظنها صحوة ضمير ،حقيقة قيام البعثفاشيين بها، أو افتراض مواقف للحزب سلبية بل عدائية تجاه بعض الشخصيات ذات المكانة الثقافية والإجتماعية في الحياة العراقية ، مثلا تجاه العلامة علي الوردي. والقيام بنشر وترويج تلك التهم والأقاويل بين الحين والآخر. ومعروف أن هؤلاء يمتلكون وسائل إعلامية عديدة ، يفتقر لمثلها الحزب الشيوعي ، تتيح لهم نشر أباطيلهم لمدى أوسع وأبعد من العراق فيقع في أحابيلهم بعض الكتاب العرب ،
أو يجري شراء ضمائر البعض ، ومعروفة بعض قوائم صدام لكتاب ووسائل إعلام من العرب والأجانب.وممن وقع في أحابيلهم أيام المعارضة ألاستا ذ وليد نويهض محرر صفحة ثقافة في جريدة الحياة اللندنية إذ نشر مقالة في الحياة اللندنية في 19/09/1996 عرض فيها كتاب الوردي ” منطق إبن خلدون ” تناول فيها ما كان يُشاع عن العلاقة بين الدكتور الوردي و الشيوعيين ، حين ما اعتبره وقوف الوردي “ضد التيار ليشكل لوحده مدرسة مستقلة تسخرمن غوغائية القوميين وبلادة فكرالشيوعيين” وأرسلت له مقالة نشرها في عدد لاحق من الحياة عدد 10 تشرين أول ناقشت [عض أفكار الأستاذ الوردي غير الصحيحة ، كما أوضحت فيها العلاقة بين الشيوعيين والأستاذ علي الوردي وقبل أيان نشرت صفحة كتابات مقالا في ذكرى رحيل الوردي بقلم نوفل شاكر ” في ذكرى رحيل علي الوردي ” قسم فيها مواقف الناس ” حول هذا الرجل: بين مؤيدٍ له، أو ناقد متعصب، أو ناقم عليه. المؤيدون هم من الشريحة العلمانية التي كان الوردي رمزاً من رموزها، والناقمون من أصنافٍ شتى : ماركسيين، قوميين، إسلامويين، كتاب سلطة، ناقمون لغرض الاختلاف فقط ” . ويبدو أن العلمانية صار لها رنة إيجابية ، ولذا اعتبرالكاتب المؤيدين له من “الشريحة العلمانية” ، بينما اعتبر الماركسيين ، وكأنهم ليسوا علمانيين ،من ضمن الناقمين عليه.، مشيرا الى أنه “أثار ضغائن اليساريين لنقده لمادية ماركس التأريخية، في إحدى ملاحق ( اللمحات) عاداً إياهم متعصبين ومتعسفين في اعتمادهم مسطرة الماركسية الجاهزة والمستوردة؛ لتعليل الظواهر الاجتماعية. وهم لا يختلفون في تعصبهم هذا عن أصحاب المنطق الصوري.” تساءلت في الرد على نويهض هل حقا أن الشيوعيين ناصبوه العداء وصبوا عليه كراهيتهم وأنه سخر من بلادة فكرهم؟ لا يذكر الأستاذ نويهض مصدرا يسند تهمته، إنما يلقيها جزافا، وهي بعيدة عن الواقع الذي أطلعت على بعضه.من المعروف أن الشيوعيين لم يتبنوا أفكار الوردي ولم يقبلوا التهم التي نسبها الى فكرهم، ودخلوا معه أحيانا في حوار، ولكنه حوار يتسم بالتقدير والإحترام و المناقشة العلمية. وليس هذا بعد أن فرض الوردي مكانته العلمية وأصبح علما بين علماء الإجتماع العرب ، بل منذ بداياته الأولى يوم لم يكن بعد معروفا أكثر من نطاق كليات بغداد في الخمسينات ، وقبل أن تتأسس أول جامعة في العراق، جامعة بغداد. ففي الخمسينات صدر للأستاذ الوردي كتابه ” وعاظ السلاطين ” وقام بمناقشته في ثلاث مقالات الأستاذ علي الشوك على صفحات جريدة بغدادية ، واتسمت بالمناقشة الموضوعية و العلمية ، وليس بالسخرية و الكراهية ، وكان الشوك يومئذ شيوعيا ملتزما. ويشير الدكتور الوردي في كتابه ” منطق إبن خلدون ” الى حملة شنت عليه عام 1959 عند صدور كتابه ” الأحلام بين العلم و العقيدة” فيقول :” وكان من نتائج الجدل الذي نشب… نقاش ظهر على صفحات مجلة ” المثقف” البغدادية ،بيني وبين أحد الزملاء من أساتذة الجامعة. في اربعة اعداد 15،16 ،17 ،19″ منطق إبن خلدون ص42 . ولكن الوردي يسمي هذا الجدل معه الذي يعزيه الى ” موقف بعض المتعلمين في العراق الذين إعتادوا أن يكذبوا كل أمر لا تستطيع عقولهم قبوله.” يصفهبحملة . ومجلة المثقف معروف عنها انها كانت من المجلات التي يشرف عليها الشيوعيون ، فهل يتفق شن حملة مع مواصلة النقاش على اربعة أعداد؟. كان ألأستاذ علي الشوك لولب هيئة تحريرها حتى جاء انقلاب 8 شباط الفاشي واعتقال وإختفاء محرريها وكتابها. الوردييتحدث هنا عن جدل و نقاش مع احد زملائه الجامعيين ،
ويُنشر الحوار في مجلة يشرف عليها الشيوعيون فهل في هذا تعامل من تسود بينهم الكراهية و السخرية ؟وفي أواسط سبعينات القرن الماضي نشرت طريق الشعب مقالة لي باسمي الصحفي يومذاك: حمدان يوسف ، تناولتُ فيها بعض المفاهيم الخاطئة التي نسبها الأستاذ الوردي للفكر الماركسي ، ككثيرين غيره ، واتسم التناول بالإحترام و التقدير الكبيرين للعالم والشيخ الجليل. واتصل الأستاذ الوردي برئيس التحرير الرفيق عبد الرزاق الصافي وحدد وقتا لزيارة الجريدة .وفي اليوم التالي جاء الى مقر طريق الشعب العلامة الوردي الكبير بكل مهابته وبتواضع العالم الحق المنطلق في بحثه من ” أن العلم لا يعرف الجزم و اليقين والقطع. شأن العلم أنه يشك ويظن ، لكنه لا يقطع و لا يجزم لأنه لا يعرف جميع أسرار الطبيعة ، وربما اكتشف في المستقبل من تلك الأسرار ما يجعلنا نغير كثيرا من احكامنا الراهنة ” ، كما يقول الوردي في منطق إبن خلدون إياه ص 42، وبهذه الروحية تحدث الوردي حول مقال طريق الشعب ( مع الدكتور الوردي ) والذي كانت مقدمته ” في الإيضاح المنشور على هذه الصفحة يبين الدكتور علي الوردي، أنه لم يتفوه بما نسبته اليه ، بل كان قوله منصبا على جزء من نظرية ماركس”.اود ان أشير الى أنني لم أكن مع الأسف من بين حضور المحاضرة المشار اليها، بل اعتمدت على ما نشرته الجريدة بتاريخ 12/02 عن المحاضرة ،
ولم يرد تصويب لذلك فاعتمدت ما نشر أساسا في متابعتي. ولو كان الأستاذ الدكتورالوردي قد أوضح ما نقل عنه ، لما احتجت الى تعليق ولكان هو في غنى عن التعقيب….. ومع ذلك بالخير في ما وقع …. فقد أتاح هذا فرصة للحوار مع الدكتور علي الوردي ، وفي هذا متعة كبيرة وفائدة .. فالحوار مع أستاذ باحث كالوردي فيه إمتاع ..إذ أن حوارا كهذا يقود الى إمعان فكر ، والتفكير، كما يقول بريخت ، هو اسمة متعة للإنسان.”وذكرالوردي خلال الحديث أنه لم يطلع على الماركسية من مصادرها ، بل فقط على بعضما كتب عنها. واندهش الوردي عندما ذكرت له إن أنجلز تحدث في رسالة الى ماركسالى تكرر الصراع بين البداوة و الحضارة في تاريخ العرب. وما كان في الحديث أيشئ فيه ضغينة أو تحامل بسبب تناوله لما سماه ، خطأ ، مسطرة الماركسية الجاهزة والمستوردة. هذه امثلة ثلاثة للعلاقة بين الشيوعيين والعلامة الوردي في ازمنة مختلفة جد الإختلاف.الأول أيام العهد الملكي و بدايات نشاطات الوردي وكان الشيوعيون في غياهب السجون والمعتقلات. والثاني في عهد الجمهورية الأولى ، أيام عبد الكريم قاسم. والثالث عهد البعث، والشيوعيون في جبهة مع البعث ، لكنهم يتعرضون للرقابة و التضييق والإعتقالات. وليس في أي واحد من هذه الأمثلة ما يمكن أن يشم منه وجود كراهية وضغينة وسخريةمن الشيوعيين تجاه العلامة الوردي ، و لا منه تجاه الشيوعيين. وكم أتمنى ماتمناه الفارابي في خاتمة كتابه ” الجمع بين الحكيمين “: ” فمن تأمل ما ذكرناه من أقاويل هذين الحكيمين ، ثم لم يعرُج على العناد الصراع، أغناه ذلك من متابعة الظنون الفاسدة ، والأوهام المدخولة ، واكتساب الوزر، بما ينسب الى هؤلاء الأفاضل، مما هم منه براء وعنه بمعزل.”