21 مايو، 2024 4:39 ص
Search
Close this search box.

ثائر سابق.. سياسي فاشل

Facebook
Twitter
LinkedIn

لاشيء يلوث التاريخ الثائر مثل السياسة، حين ينظم الثوار الى قافلة المكر السياسي، ويدخلون عالماً جديداً يستبدل فيه الضمير الثوري بالخداع السياسي، لا شيء يمكن أن يحل محل البندقية، ولا حتى البدلات الأنيقة، أو الكلمات المنمقة، الثائر يظل ثائراً، رافضاً لأنواع الظلم والفساد كافة، لايهمه إن كان الحاكم زميلاً قديماً، أو أخاً في المعتقد. الثائر ثائر بالفطرة، والسياسي فاسد بالفطرة، عموماً. لايعني انتصار الثائر على الطغيان أنه يستحق تقاعداً سياسياً، وأن عليه أن يتولى منصباً ربما لايفهم في إدارته شيئاً، ليقبض ثمن سنوات عاشها قابضاً على الزناد. الثورة شرف لايدانيه منصب، ولا مخصصات، ولامراسيم.
أشعر بالفخر وأنا أرى إصرار مقاتل عنيد مثل هادي العامري على القتال في ديالى، ثم الزحف نحو صلاح الدين، تاركاً وزارته ـ النقل ـ متجهاً الى ميدانه الاصيل، وكذلك أشعر بأن أخطاء الرجل السياسية أو الحكومية يمكن غفرانها، بعد أن أثبت بأن وطنيته ليست محل جدل أو مساومة. ويبدو العامري كذلك متسامياً فوق الأوصاف، حين يلتقي بقائد مجموعة (سرايا السلام) لرسم خطة تحرير آمرلي، في الوقت الذي تشهد فيه الفصائل المقاتلة لتنظيم داعش شبه قطيعة إعلامية. يثبت العامري أنه مبدع مع البندقية أكثر من الأوامر الإدارية، والعراق يحتاج الى مقاتلين ودماء أكثر من حاجته إلى بطالة مقنعة ومحاصصة لاتجلب إلا الخراب.
انتفض مارتن لوثر على الكنيسة، وغير مجرى التاريخ المسيحي، وخلال سنوات آمن معظم الألمان بالبروتستانتية، وتحدى البابا ومزق قرار الحرمان الصادر بحقه، قبل أن ينظم الى كتيبة الأمراء الألمان الذين دعموا فكرته الثائرة بغضاً بالقيصر. انضم مارتن لوثر لموائد الأمراء الألمان ودافع عنهم، وتحول الى موظف ارستقراطي، تبهره القصور ويتيه في الإطراء، ونسي أنه هو نفسه الذي اعلن على الملأ أن لا واسطة بين الرب والانسان، وان الكنيسة لاتملك حق الثواب والعقاب. كانت اللوثرية حركة جوهرية، استمرت في اوربا وأدت الى تغيير التاريخ، برغم ان مؤسسها اختفى بين دهاليز القصور.
الثورة قوة دافعة دائمة، والرفض فرصة مواتية في كل زمان ومكان لإعادة تنظيم العقل واتخاذ القرار الصحيح.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب