يحمل العنوان الذي اطلقته المؤسسات الامنية على العمليات العسكرية التي سبقت عيد الفطر دلالات تكشف عن طبيعة العقل المسؤول عن المؤسسات الامنية والمسكون بالثأر والفاقد لاستراتيجية أمنية تخرج البلد من الانهيار الامني الحاصل .
الحالة العراقية تكشف عن حلجة ملحة وحقيقية لتقديم الجناة والمتهمين بالارهاب وعناصر الميليشيات الى العدالة وهي واحدة من مشكلات التردي الامني حيث توفر الجماعات والقوى الاسلامية “سنية وشيعية ” حماية للكثير من المتهمين بالارهاب والمتورطين بالدم العراقي في وقت لاتزال فيه ارادة القانون الاضعف ، و اجراء عمليات امنية امر ضروري لملاحقة الجماعات الارهابية والمسلحة لكن يفترض أن تحدث هذه العمليات قبل وقوع الجرائم وقبل استهداف الابراياء وقبل تفجير 17 أو 21 سيارة ملغمة في العاصمة وبقية المدن وقبل فرار الف سجين ومقتل 71 آخرين من سجني التاجي وأبو غريب .
الاجهزة الامنية تثبت كل يوم انها عاجزة عن مواجهة خطر الجماعات الارهابية والميليشيات وغير قادرة في الوقت نفسه على حماية الضباط المراتب في المؤسسات لذا يتعرضون الى عمليات اغتيال شبه يومية ، المشكلة في الملف الامني أن اطراف العملية السياسية والحكومة ومجلس النواب يعرفون القاتل ومن هي الجهات والدول التي تقف خلف السيارات الملغمة والعبوات الناسفة لكنهم يلتزمون الصمت أو انهم يذهبون الى حلول عملية أكثر تحقق لهم مكاسب سياسية من خلال تحميل المختلف معهم طائفيا مسؤولية الهجمات .
القاء التهم على الاخر أمر يحقق فوائد متقابلة لقوى سياسية رصيدها الوجودي والمنهجي ” طائفي ” قوى لاتملك مشروع وغير قادرة على فهم معنى الدولة واحتياجها لذا فانها مستفيدة عمليا من جرائم الاستهداف اليومي للابرياء ، بل أخذت تُسخر المؤسسات لاستدامة الاوضاع المرتبكة في الدولة العراقية .
المشكلة الكبيرة أن المؤسسة الامنية متورطة بالازمة من خلال الفساد المالي والاداري والفشل في تحقيق الامن ومن خلال عدم الكشف عن الكثير من الجرائم ومنها اغتيال مدرب نادي كربلاء محمد عباس حيث تم تجاوز قضية الكشف عن قاتليه عبر انهيار امني جديد .
الدلالات النفسية لاستخدام عبارة الثأر في عملية عسكرية ” سلبية ” لانها توازي العبارات التي تستخدمها الجماعات المسلحة للانتقام من المدنيين العزل ومنها العملية التي تبناها تنظيم القاعدة ” ثّأرلأمّهات المؤمنين ” جريمة جرى فيها تفجير 17 سيارة ملغمة في مناطق مختلفة ، وغيرها الكثير من التسميات المشابه وعملية بحث بسيطة عن اسماء العمليات الارهابية تجد فيها تشابها واضحا مع آخر نتاجات العقل الممسك بالمؤسسات الامنية عقل ” ثأر الشهداء ” وهي عملية استدراج للمؤسسة الامنية لمساحة الارهاب .
من الناحية العملية فان المؤسسة الامنية أصبحت فاقدة لزمام المبادرة وعاجزة عن ملاحقة الجريمة قبل وقوعها بل الاكثر انها تلاحق مدنيين يحتجون على الخدمات في ساحة التحرير وشارع المتنبي ، شباب لايحملون سوى لافتات واعلام عراقية جديدة ، أما فيما يتعلق بملاحقة الجماعات الارهابية فانها اعلنت اعتقال 500 متهم ومشتبه به خلال يومين ، والسؤال هنا اذا كانت الاجهزة الامنية قادرة في ظرف يوم واحد على اعتقال اكثر من 300 متهم بالارهاب ومشتبه به أين كانت هذه الاجهزة من الارهابيين قبل تنفيذ الجرائم ؟ وهل فعلا تم القاء القبض على ارهابيين ؟ اذا كانت وزارة الدفاع قادرة في يوم واحد على اعتقال 300 شخص بالتأكيد هي قادرة في سنة واحدة بالقضاء على الارهاب في العراق !
أزمة العقل السياسي الممسك بالسلطة أخذت تنسحب على اداء مؤسسات الدولة والمشكلة الاساسية تعود الى أن المؤسسات غير مكتملة البناء بسبب استمرار نزوع التفرد من عهد الاستبداد الصدمي الى الديمقراطية لذا فان اداء المؤسسات الامنية الحالي يشبه الى حد كبير ادائها في زمن النظام المقبور وهو مخالف للدستور الذي منح صلاحيات واسعة للمحافظة والاقاليم في ادارة شؤونها الامنية الداخلية بعيدا عن المركزي وتدخل وزارة الدفاع والتي لديها مهام مختلفة .