الأحياء تكتسبُ مسميات سكانها . ولم أزل أقرأ رؤى المكان ( الحي ) في الكثير من الأعمال الأدبية . الحي اللاتيني للروائي سهيل أدريس ، والحرب في حي الطرب لنجم والي . وخواطر حي هارلم والحي الصيني في نيويورك ، ولندن وبهارات الحي الهندي.
أحياء تسمى بشعوبها كعرق سائد ولم تكن المدن تهوى أن تصبغ احياءها بصبغة المذهب والطائفة ، لأن غاستون باشلار صاحب الكتاب المهم ( جماليات المكان ) يقول : الأحياء تلم خواطر البشر في يومهم الكوني.
وما أثارني في كتابة هذه المقالة .خبر في تايتل في القناة الفضائية ( ميديا ) وهي قناة مغربية بتمويل فرنسي تبث من مدينة طنجة .ونص الخبر يقول : ( أنفجار سيارة مفخخة في حي سني في الرمادي).
طوال حياتي وانا العراقي واكاد اعرف طوبغرافية البلاد التي ولدت فيها لم أر أو أسمع أن هناك في أي مدينة من مدنه حياً سنياً وآخراً شيعياً ( بالمسمى ) وخاصة في البيئة الأسلامية .
فقط كانت هناك أحياء بأسماء الديانات الأخرى كونها أقلية وخاصة في الجنوب ففي كل مدينة كبيرة كان هناك حياً للصابئة المندائية وشارع لليهود يسمى شارع التوراة.
الغرض السيء من كتابة هذا الخبر مدفوع ثمنه وغايته ، وهو بمثابة استشعار واستنهاض للعقل العربي بمظلومية طائفة امام اخرى .
وهذا الهاجس الذي لم نكد نعرفه أو كان مخبئا تحت الرماد قبل عام 2003 تم تغذيته واحياءه بصورة عجيبة بعد أن ثقبت سُرف الدبابات الامريكية اسوار بغداد وحطمت التماثيل . وعليه اتت الينا مع المحتل صورة العلن لخصوصية المذهبين، وكل الحياة السياسية بنيت فكرا وتنظيما ومؤسساتياً وصناديق اقتراع على انتماء المكان الى المكون . ولعمري تلك واحدة من مصائب وكوارث القدر القادم للبلاد علينا أن ندرك ان ما ينتج عن هذا المشهد الكارثي ( الحي السني والحي الشيعي ) هو دمار لتأريخية وانسجام الجغرافية العراقية منذ ايام سومر وبابل واشور وحتى ارتنا صناديق الاقتراع أن المحافظات الغربية نوابها من المكون ( أ) ، والمحافظات الجنوبية والوسط من المكون ( باء ) وكذا انتخابات مجالس المحافظات .
وبالتالي فأن تشظي البلاد الى اقلمة واحياء بصبغة ما تتمذهب عليه وفيه ، سيقودنا إلى فهم واحد هو أن ننسى أن هناك عراقٌ موحدا كان يعيش هنا يوما ما …ومثل نبؤات الكتابات الاولى التي استشعرها الروائي خضير فليح الزيدي في مقال له كتبه بعد الاحتلال مباشرة بعنوان ( بغدادستان ) سيكون حال البلاد لأننا نعيش هذه الايام في أول بدايات هذه الفوضى في علنية الصراع القائم اصلا بين احزاب المكون الواحد .
أعود الى الحي السني .خبر القناة المغربية وأقول أن ثقافة اظهار مظلومية طائفة على طائفة .يتم استغلال الحدث العراقي لاذكاءه بين ابناء القومية الواحدة بدوافع محفلية وشيطانية ودولية واقليمية .
فهؤلاء الذين نظروا الى العراق يوما ما انه كبش الفداء امام الطموح الفارسي والغربي وأكل الطعم ونال ما نال بفضل هذا الوهم الذي حملته حناجر المنشدون في تمجيد خواطر العسكر وجنرالاتهم .
لهذا يحاول البعض أذكاء هذا الوهم الذي يكاد أن يكون حقيقة ونحن الذين لم نتعود على مشاهدته ومعرفته ونلمسه في يوم ما .فقد كان هناك عراقا واحدا يعيش الجميع على ترابه بأمان وسلام.