22 نوفمبر، 2024 10:51 ص
Search
Close this search box.

تيه ألامة وعجل السلطان

تيه ألامة وعجل السلطان

 كثيرا ما يثار الجدل بين النخب المثقفة والواعية في الامم المريضة والجريحة ، حول العلاقة السببية التي اوصلت الشعب او الامة الى ما وصلت اليه  من سقم وهوان .
والجدل يبدأ بالتساؤل عن مسؤولية الامة في تدهور نظم الدولة وشيوع الفوضى  ، وان الجماعة الحاكمة المريضة هي نتاج الامة الجاهلة او الكسولة او المريضة .
اخرون يرون العكس ، بان الناس على دين ملوكها وان الجماعة الحاكمة هي التي تصير الجماعة المحكومة كيفما تشاء ، انحطاطا ام تقدما .
وعن الراي الاول ، اتهمت الامة الرومانية ملوكها المتاخرين بانهم سبب انحطاط الامبراطورية التي وصلت الى مستوى قيام الامبراطور نيرون المعتوه (37 م)  بحرق  مدينة روما في مشهد احتفالي مجنون .
 الراي الثاني يرى ان الامة الرومانية هي التي مرضت وافسدها الرخاء والغرور والتعالي ، فانتجت نيرون المجنون اخر الاباطرة  .
رأي ثالث يرى بان المتغيرات والتطورات في العصر الحديث انتجت عوامل واسباب جديدة ومختلفة  تؤدي الى انحطاط الامم وصعود امم جديدة  . ومن بين هذه العوامل :
– اتساع الهوة التكنلوجية والتقدم العلمي والاقتصادي بين الدول .
–  ظهور الايدلوجيات العلمية وتفاقم الصراعات والتناقضات بين الافكار .
– تنوع مستويات الصراع وتعدد اسباب وعلل حدوث المتغيرات والمنعطفات.
– الثورة الهائلة في وسائل الاتصال وتباين استخدامها مابين الايجابي المعرفي والسلبي التجهيلي .
ووفقا لهذه العوامل الحديثة ، اضحى تغيير الانظمة واستعباد الشعوب والامم يتم عبر اليات ميكانيكية وفيزياوية وتقنية ، غيرت او استحدثت مفاهيم جديدة بديلة عن مفاهيم : الاحتلال المباشر ، الغزو ، الاستعمار ، التوسع الامبراطوري . والديكتاتورية ،  وحلت بدلا منها مفاهيم اخرى كغطاء للتغيير والسقوط والاستعباد واستحمار الامم .
ان  متلازمة ( الاستعباد والاستحمار ) صارت تتم عبر عمليات اقتصادية وتكنلوجية ومن خلال افكار مستحدثة تؤمن استسلاما هادئا للشعوب بدون احتلال واجتياح عسكري او انقلاب او اغتيال الحكام  .
بمعنى اكثر تقنية ، ان استحمار الامم وركوبها بات يجري عبر برامج ( الذكاء الصناعي ) التي تنتقل كالفايروسات لتتحول الى برامج ( للغباءالصناعي ) ومن خلالها يجري التأثير في الأمة  وتطويعها.
والحالة المتقدمة حديثا ، هي ان من يدير آليات الغباء الصناعي ليس بالضرورة ان تكون دولة خارجية ، اذ بات متاحا للجماعة الحاكمة ان تمارس ( عمليات التغبية والتعمية ) ضد الامة بهدف السيطرة عليها .
ولكن متى تصبح الامة مريضة وعقيمة وتفقد قدسيتها وبالتالي تستسلم بهدوء للتدحرج والسقوط بعد ان يتم استعبادها بانماط واساليب متباينة ؟
 اعتقد ألا قدسية للشعب او الامة او المجموعة البشرية ،الا اذا استوفت الشروط التي تكسبها قدسيتها وكرامتها وتصبح امة معطاءة ومنيعة .
وبمعنى مباشر .لاقدسية للامة التي :
– تنفصل عن ماضيها ( التيه )
 – امة لا تتعض من محنها ومآسيها( الجهل )
– امة تفقد قيمها المعنوية والاخلاقية ( الضمير )
– امة بلا غطاء عقدي جامع وماسك لوحدتها . ( العقيدة )
– امة بلا غرور وكبرياء ( الكرامة )
من الواجب التنبيه الى ان اية امة لا تصاب بهذه الامراض والعاهات في لحظة معينة او لظرف طارئ ، فهذه الامراض هي نتاج تراكم زمني استمر لعقود واوصل الامة الى هذا الوهن ،اما بعد تعرضها لسلسلة سياسات قمعية  مصحوبة بايدلوجية ديكتاتورية  . او انها فقدت خصائصها الايجابية بفعل تعرضها لعوامل التخلف والجهل والتجهيل وعلى مراحل  .
ومع هذه الحالة المرضية بين ايدينا، يبدو واضحا ان هذه الامة غير قادرة على انتاج :
– عوامل التغيير من حالتها ( المعالجة )
– لا تنتج نخبا فعالة ( القادة والقيادة )
وامام هذا الموت السريري ، تصبح الامة المريضة فريسة سهلة لضباع الحكم والسلطة .
ولكن ماهية هذه الضباع التي تستولي على مقدرات وممتلكات الامة المريضة ؟
عادة ما تكون مجموعة حاكمة جوفاء ومريضة من سنخ مرض الامة ،ومن اعراضها :
– انها  تنفصل ومنفصلة  عن الامة ولا تحسب لها حساب .( الطبقية )
– الخاوية من الفكر والعقيدة ( الجهل )
– المفتقرة الى القيادة (الديكتاتورية )
ا- المنقسمة سياسيا الى طوائف وقوميات ( فرق تسد )
ان الذي اثار اهتمامي في هذا البحث هو ان انقسام الجماعة الحاكمة، هو ( انقسام مصطنع ) وعادة ما ينعكس على وحدة الامة التي تنقسم الى طوائف وقوميات واقليات وذلك لحاجة الجماعة الحاكمة الى هذا الانقسام  لان الجماعة الحاكمة تحصل على اكسير البقاء مع اتساع انقسام الامة وتشرذمها الى طوائف وقوميات  بهدف  تخويفها ومن ثم السيطرة عليها.
كذلك ما لفت اهتمامي هو ان ممثل الطائفة او القومية او الحزب الاليغارشي ، لايرى انه من المهم ان يتميز بالكفاءة  وفن القيادة ،وليس بحاجة الى ان يحيط نفسه بمستشارين اذكياء او ان ممثليه في البرلمان يتميزون بقدرات ايجابية ، وعلى العموم هو يرى ان تعلم فن القيادة  يعني بذل جهت ( لاحاجة اليه ) لانه يتعين عليه  :
– ان يكون الزعيم  ذكيا وفطنا
 – ان يكون عقائديا اي مؤمنا وقيميا ولديه كرامة وكبرياء
– ان ينتمي الى الامة والارض .
–  ان يكون مثقفا
– ان يكون عاطفيا وانسانيا في تعاطيه مع افراد الامة .
 ومع استسلام واستنعاج الجماعة الفئوية المتعصبة ( (ببغاويا )  ، تصبح كل  هذه الشروط في القيادة غير ذات قيمة طالما ان الزعيم ضمن بيده آلية تخويف قطيع النعاج من الذئاب ، فيلوذ به القطيع ويخرج هاتفا مؤيدا ومصوتا له ،مع علم النعاج بيقين ان الزعيم الراعي  سيتعشى الليلة بواحدة منهن.

أحدث المقالات