9 أبريل، 2024 2:46 ص
Search
Close this search box.

تيــار الصــــــــــــــدر.. بين الإيثــــار والثـــــــأر

Facebook
Twitter
LinkedIn

التيار الصدري ، يعتبر من اهم العناوين في الساحة السياسية، عند المراقب الخارجي، لقوته، وصعوده الملفت للنظر، في الساحة العراقية، والذي يجده المراقب صعودا فجائيا، وغير متوقع، وله اثر على مصالح الدول والحكومات. وتثار التساؤلات عن الكيفية والقدرة التي تمكن بها الصدريون من النشأة والنمو والاستمرار، في بلد حكمته الديكتاتورية والبوليسية، ولعشرات السنين. ويهتم الكثير بما وراء نهضة هذا التيار ضد الاحتلال، ومقاومته لاقوى دولة في العالم، ثم الانتصار عليها. وهذه محاولة للاجابة على عدد من الاسئلة المثارة من قبل الكتاب والمحللين، الغير صدريين. ان عدد كبير من الاسئلة والاستفهامات موجود عن الكثير من الماديين والعلمانيين عن مقدمات نشوء التيار، وعن العلل الحقيقية لهذا التكوين، وماهيته، واهدافه، واليات العمل. وذهب البعض الى اطلاق مصطلح “اللغز الصدري” او “لغز المستقبل” على التيار الصدري، وقد اثارت دراساتهم بعض الشبهات والمغالطات، غير المقصودة، احيانا. وهذا هو موضوع هذا الدراسة واهتمامها.
مقدمات النشأة والتكوين:
كتب احد المحللين في كتابه[1] ص66 ما نصه: ان الحركة الصدرية هي حركة اجتماعية سياسية تلقائية ثارت من مدينة الثورة في فورتها الاخيرة بعد سقوط الهدام. انتهى. وقد انطلق في استنتاجه من فكر مادي (ديالكتيكي) يؤمن بان القواعد الشعبية هي موجودات بروتينية، يتشكل محتواها الفكري ومضمونها الثقافي، طبقا لمعادلات الظروف الحاكمة والتاريخية. واذا صح ذلك، يكون لدينا مجتمع تتطابق افراده تماما، مثل اي منتج يتشكل في خط انتاجي كمي..!
ولا يمكن انكار ذلك التاثير، الا انه من السذاجة ان نتصور القواعد الصدرية، جسدا بلا رأس. وانها تنمو نموا ذاتيا غير منضبط، تحركها فكرة الثأر المختارية – كما وصفها الكاتب- اوتنمو تلقائيا بسبب فراغ السلطة. ان وجود القواعد الصدرية وحركيتها يرجع الى عاملين: العامل الاول: وجود ضابط للنشأة والنمو، متمثلا بالرأس الصدري، وهو القائد الصدري، كلا حسب زمانه. والعامل الثاني: منظومة الافكار الاسلامية الصدرية، المتكاملة، الضابطة للقرار الصدري، وحركية الجماهير، إنطلاقا من نهضة الاصلاح الاسلامي المحمدي – العلوي –الحسيني – المهدوي.. وهي نهضة إصلاحية، لا مجال لفكرة الثأر فيها، وخاصة في الرأس الصدري.
ويمكن عرض فكرة اجمالية، عن المقدمات والمناخ التاريخي للواقع العراقي، ومراحل النمو للحراك الشعبي، القريب للنشأة الصدرية، وكما يلي:
اولا: في التاريخ الحديث، وما قبله، كان العراق محكوما من خارجه. وانعكست تلك التبعية السياسية على ثقافة الفرد العراقي، غالبا، لذا تجد ثقافة الخارج حاكمة عند النخبة، والمثقفين العراقيين، غالبا، الا ماندر.
ثانيا: بالرغم من الواقع العراقي المعتم في القرن 19، الا ان حراك توعوي ناهض، يستهدف التحرر والاستقلال، موجود، بضعف، لكنه تراكم وتجسد في قيام ثورة العشرين، وانتج حصول نقلة نوعية، في الوعي الوطني، ودافعا نحو التحرر والاستقلال، لعشرات السنين اللاحقة. وكان للحوزة العلمية الدور الابرز في التحشيد الفكري والحركي للثورة.
ثالثا: استطاع الاستعمار البريطاني، ثم الامريكي، من احتواء الحراك النخبوي والشعبي، وتشتيته، واشغاله بالصراع بين الاتحاد السوفيتي، والعالم الراسمالي، ثم الصراع القومي والاممي. ورجعت القواعد الشعبية، تابعة، ذليلة، متخبطة، تبني بسذاجتها سجون الديكتاتورية، وتحفر بتبعيتها للخارج، قبور الداخل، وباشراف الدبابات الامريكية عام 1963..!
رابعا: بعد ثورة العشرين، شخص الجهد الاستخباري الغربي دور الحوزة العلمية في تحريك القواعد الشعبية، وعمل جهده لفهم اليات الصعود الحوزوي، وتحديد المفاصل المؤثرة في هيكليتها، وكيفية التحكم في ذلك، كله. واستخدموا اسلوب الابعاد والتسفير ضد الشخصيات الوطنية في الحوزة، فضلا عن الضغوط لتحجيم النشاط الاصيل، واستخدام المال لدعم عدد من العناوين التقليدية المسالمة. وانتج ذلك، تضعيف الدور الحوزوي اجتماعيا، ثم الغاؤه، وتعويم القواعد الشعبية، وقطع رأسها المحرك. ثم تمكين الاحزاب التابعة للشرق والغرب من السيطرة على الساحة العراقية.
خامسا: بعد عام  1963م واجه الشعب العراقي، مواقف جدية، تصاعدت مع تصاعد قوة الحزب الحاكم، وحملة الاعتقالات والاعدامات، بدعم من امريكا والاتحاد السوفيتي..! ثم الحرب العراقية ضد الثورة الاسلامية، ثم غزو الكويت، وفرض الحصار، ولغاية عام 1991م.. وهي مرحلة الانتظار الشعبي للتدخل الخارجي، والفرج الامريكي، او الدخول الايراني. وكانت المعارضة، تنشر ثقافة “انتظار التدخل الخارجي” لانقاذ العراقيين، وقيام حكم وطني، حر، ومستقل..!!
الصدر في الواجهة:
ظروف ما قبل الانتفاضة الشعبانية، اوجدت قواعد شعبية متطلعة لقائد، موجود بينهم[1]، ولكنه قيد الحظر الامني، من قبل الحكم الديكتاتوري، ويمكن وصف لقاء القواعد بالقائد، وظهور التيار الصدري، اجمالا، كالتالي:
اولا: بعد الانتفاضة الشعبانية، عام 1991م، وقيام الحكم الديكتاتوري بضرب الانتفاضة الشعبية، وبمساعدة القوات الامريكية، وسكوت المجتمع الدولي، ودول الجوار، واغلب احزاب المعارضة، بعد هذا، حصلت ردة فعل عند القواعد الشعبية، ومراجعة ذاتية، انتجت انكفاءا شعبيا، وتوجه نحو التدين التقليدي، مع اليأس من التغيير.
ثانيا: بعد الانتفاضة، وفي عام 1993م، تقريبا، ظهرت بوادر نشاط محلي، وصارت اخبار النشاط الصدري، تصل ضمن الدوائر الخاصة والضيقة. وكان الملفت في ذلك النشاط، هو انتقاد السيد الصدر لمواقف الحوزة والمعارضة والحكومة، وانفتاحه على المجتمع وخاصة الشباب، ومنهم المتعلمين. وصارت اخبار الصدر تتكاثر، وتسلب لب المتطلعين الى فعل محلي، داخلي، بعيدا عن الخارج. وكان السيد الصدر، مبدعا في الاداء وناجحا في كسب قلوب القواعد الشعبية الثورية (الراديكالية) ..حتى تمكن من فرض السيطرة التامة على الدولة والحوزة، ولم يبق خيارا للديكتاتور وحزبه – وامريكا- الا اطلاق رصاصة النصر في راسه، الذي تناثر ليملأ رؤوس مريديه واتباعه، ليكونوا –لاحقا- اخطر كابوس لامريكا..!!
ثالثا: عام 2003م، دخلت القوات الامريكية للعراق، ترافقها اغلب احزاب المعارضة، وكان المخطط حكما تابعا للاحتلال، مع واجهة شكلية من قيادات تلك الاحزاب التابعة، الا ان امال الامريكين، والمعارضة، اصطدمت بما لا يتوقع، مكتب صغير في النجف الاشرف، يقوده شاب متواضع، عنيد، وحوله عدد من المندفعين، سارعوا للانتشار في المحافظات، وتشكيل ادارات محلية..! رفعوا صوتهم الرافض لدخول القوات الامريكية، ومطالبين بانسحابها. ثم، حصل تبلور سريع لتيار شعبي جارف، اطلق عليه الاعلام “التيار الصدري”.. خاض حربين مع القوات المحتلة، وتدخل في كل صغيرة وكبيرة، لتخرج امريكا، بعد توقيع اتفاقية مع عدد من احزاب السلطة.
لغز القيادة الصدرية:
اهتمت الدوائر الغربية، والمحللين والكتاب بالسيد مقتدى الصدر، باعتباره ظهورا مفاجئا، دون مقدمات، مستغلا مجاميع شعبية، تحركها العاطفة، وقد يفسر هذا التصور الخاطئ بعدد من النقاط اهمها:
اولا: لم يكن ممكنا لاحد ان يطلع على الحراك الشعبي في العراق، بسبب التكتيم الحكومي الصدامي، وبسبب سرية العمل المعارض (الداخلي) بقيادة الشهيد الصدر الاول والثاني، ثم السيد مقتدى الصدر.
ثانيا: ان المراقب الخارجي، غالبا، ينظر الى الحدث دون مقدماته العقائدية والحركية. لذا، لم يكن واضحا لهم، الامتداد العقائدي لهذا الحراك الديني، فضلا عن تراكم العمل الجاد، وخاصة بعد الانتفاضة.
ثالثا: ان العمل الصدري، اعتمد بشكل اساس على اعداد ثلاثة عناصر هي: الاطروحة ثم القائد ثم القواعد، وتنقسم القواعد الى الكوادر (الجماعة المؤمنة) والمناصرين (الاغلبية)..
رابعا: الاطروحة الصدرية، هي امتداد تفصيلي للشريعة، لازمها تفصيل عملي وموضوعي، وقد بدات بتنظيرات الصدر الاول، ثم البلورة العملية للقواعد من قبل الصدر الثاني، ثم استمرار البناء القواعدي وتنميته من قبل السيد مقتدى الصدر.
خامسا: يؤمن الفكر الصدر، بضرورة إبقاء (راية هدى) ذات سقف عقائدي عال، نقية ومتعالية على الواقع، مستعده للتضحية، وصولا الى تطبيق يجسد الاطروحة العليا للفكر الديني، وهو في الواقع، دولة، مستقبلية، عادلة، تماما، توفر سعادة مجتمعية متكاملة.

القتل المعنوي للتيار:
يوجد تصور عند المراقب الخارجي، إن التيار الصدري ليس لديه خطة ونظام عمل، ولا يمتلك اليات عملية، او رؤى موضوعية، للمسقبل. وانه يتحرك انطلاقا من العاطفة، والتراث التاريخي، المفعم بالانفعال ورد الفعل وعقدة الثأر، ويمكن تعليل وجود هذا التصور، الخاطئ، للاسباب التالية:
اولا: الهجمة الاعلامية ضد التيار، والتي قادتها امريكا، واتباعها، لاجل سحق التيار معنويا، فضلا عن محاولات السحق المادي.
ثانيا: عدم وجود ادوات اعلامية لدى التيار الصدر، فضلا عن وجود حصار اعلامي، فرضته امريكا.
ثالثا: طبيعة العمل الصدري، المقاوم للاحتلال، يستلزم الحذر المعلوماتي، والتكتيم احيانا.
رابعا:تعرض السيد مقتدى الصدر، الى اقسى حملة تسقيطية، عرفها التاريخ. وقد كشف احد الكتب[1] النقاب عن الحرب الدولية والامريكية ضد الصدر واتباعه، وخاصة في المجال الاعلامي. وعلى سبيل المثال، اشار الكاتب الى قيام الاعلام الامريكي، عام 2004م، بنشر صور مشوهة واكاذيب عن السيد مقتدى الصدر، بعنوان “اخطر رجل في العراق”.. وكتب في ص25 ما نصه: ولم يكن عنوانها “اخطر رجل في العراق”.. سوى المظهر النموذجي لرؤية الخطر الكامن والقادم بالنسبة للمشاريع الامريكية في العراق. وقد حددت هذه الرؤية في اغلب جوانبها الدعاية الامريكية والمواقف العملية من الحركة الصدرية من حيث كونها احدى القوى العراقية الكبرى المعادية والمواجهة للاحتلال. انتهى.  
التيار والاداء السياسي:
اما عن حقيقة الاداء الحركي والسياسي للتيار الصدري، يمكن وصفه بالنقاط التالية:
اولاً: لم يهتم التيار بالاداء السياسي التقليدي و الذي يستهدف تحقيق انجازات اعلامية بل اهتمت القيادة الصدرية بالعلاقات ذات النتاج الواقعي في الساحة .
ثانيا: اثبتت الشواهد نجاح التيار الصدري في انجاز الاهداف الرئيسة التي تبناها والتي ثبتها السيد مقتدى الصدر في خطبه في مسجد الكوفة في عام 2003.
ثالثا: نجح التيار الصدري في اقامة علاقات دبلوماسية مع القوى الكبرى المناهضة لاحتلال العراق و خاصة روسيا فضلاً عن العلاقات الطيبة مع عدد كبير من الدول المجاورة و خاصة تركيا و دول الخليج و مصر.
رابعا: تعرض التيار الصدري الى ضغوط من جميع الجهات والاطراف، وبدا وحيد وغريبا في الساحة. ولاول مرة تتفق ايران وامريكا ضد طرف معين، هو التيار الصدري، وقد عبر احد الكتاب[1] عن ذلك بقوله: “..ليس مصادفة ان تلتقي مختلف التيارات المتناقضة في موقفها منه وتتشابه في تقييمها إياه..”
رابعا:اوجد التيار الصدري اذرع ثانوية، ومنظمات، واتحادات، استخدمها في المقاومة السياسية والثقافية ضد الاحتلال.
خامسا: الموازنة بين العمل العسكري المقاوم، والمشاركة السياسية المحدودة، يؤشر على عقلية قيادية صدرية فذة، لازم ذلك موازنة التيار بين العمل المؤسساتي، وغير ذلك من الحركية غير التقليدية، وهذا سبب عدم وضوح للصورة عند بعض المحللين، ومنهم من توهم عدم وجود تخطيط عام للمواجهة والادارة والتربية. 
التيار والمشاركة السياسية:
من علامات الاستفهام الكبيرة، على التيار الصدري، هو الموقف من العملية السياسية، بوجود الاحتلال، وما ينتابه من غموض، او عدم وضوح، او هكذا، كما يحاول البعض ان يروج له. وهنالك من ينتقد مشاركة التيار في انتخابات وقعت في زمن الاحتلال، واخر يعترض عدم المشاركة الصريحة..! والبعض لا يفهم تلك المشاركة النسبية، مع وجود اعلان للمقاطعة، وغير ذلك. ويفسر بعضهم هذه المواقف بعدد من التصورات منها:
اولا: قلة الخبرة السياسية للتيار. 
ثانيا: وجود صراع وتناقض داخلي.
ثالثا: رفض التيار فكرة المشاركة، وايمانه بفكرة الاستحواذ، وايمانه بفكرة الاستحواذ الكلي على السلطة، والتفرد بها.
ويمكن الاجابة على هذه التساؤلات، ورد هذه الاتهامات الغير دقيقة، وازالة الشبهات الظالمة للتيار، في حالة تجرد المراقب وحياديته، وتخليه عن المواقف المسبقة تجاه التيار. وان يلتفت القارئ الى ان الاحتلال، قد عمل كثيرا لاجل تشويه صورة التيار الصدري، واثارة الشبهات والاكاذيب ضد هذا التيار الشعبي المظلوم، وقيادته الوطنية المخلصة، والمضحية لاجل الشعب وقضاياه المصيرية. ويمكن الدفاع عن موقف التيار السياسي بالاتي:
اولا: لاجل فهم الموقف الصدري من العملية السياسية، يفترض النظر الى المشهد العراقي، بعد الاحتلال، من مرتفع، ومن زاوية كلية، جامعة، تنظر من اعلى. وذلك يعني التمعن بالقضية الكبرى، والاهداف الاساس، الاستتراتيجية، والمصالح العليا، التي اهتم بها التيار الصدري.
ثانيا: ان الهدف الاساس الذي اهتم به القائد الصدري، هو تحرير العراق وفرض السيادة والاستقلال، ثم بناء الدولة، بعيدا عن المصلحة الصدرية.
 ثالثا: تنطلق القيادة الصدرية، في عملها الوطني، وتضحيتها، من وضوح صورة المشروع الامريكي، عندها. ذلك المشروع الاحتلالي، المستهدف الى تذويب كيان الدولة العراقية، وصهرها، وايجاد نظام سياسي واداري يجعل من العراق ولاية امريكية، مع واجهة عراقية، من الانتهازيين، والتابعين، كما خطط وصرح له ﮔارنر، قائد القوات المحتلة، حينها.
التيار والتحرير والبناء:
لقد تبنى التيار الصدري، مشروع تحرير العراق، وبناء الدولة، مضادة لخطة الاحتلال الهادفة لتمييع الدولة العراقية، والغاؤها، باعتبار ذلك المشروع الصدري جزءا من المقاومة الكلية، ومنطلقا من التزامات عقائدية ووطنية، والتزامات تجاه قواعده الشعبية، المحرومة، غالبا. ويمكن توضيح ذلك بعدد من النقاط اهمها:
اولا: ان التيار الصدري يحرص على بناء الدولة العراقية، المستقلة، مع غض النظر عن تفاصيل الاليات، او الجهات الوطنية المنفذة للمشروع الوطني.
ثانيا:   كان الاهتمام الاول عند الصدريين هو اخراج قوات الاحتلال، واتاحة الفرصة لبناء دولة ذات سيادة، وقرار مستقل. ولم يحرص الصدريون على الاستحواذ على السلطة او راسها، وهذا ثبت بالشواهد، لكل مراقب منصف.
ثالثا: رفض الصدريون استلام الرئاسة، ورئاسة الوزراء، مع وجود القوات الاجنبية في العراق، ومنذ 2003م. مع وجود تلك الفرصة، بل حرص الاحتلال على جر التيار الصدري الى هذا الاتجاه، وبطرق شتى.
رابعا: ابتعد الصدريون عن المناصب السيادية، فضلا عن سحب الوزراء من الحكومة، لاكثر من مرة، وخاصة عام 2007م، وما حولها. وكانت المشاركة الحكومية الصدرية ضعيفة ومتوازنة، لاجل الضغط من اجل اخراج القوات المحتلة.
خامسا: بالرغم من المشاركة الضعيفة في الحكومة، عمل الصدريون، بكل اخلاص، لاجل بناء الدولة. فقد ساهم التيار وكوادره وقواه على مواجهة فلول البعث، والتكفيرين، وحماية الحدود ومنع التهريب، فضلا عن مراقبة الفساد الحكومي، والتصدي له، وخاصة الفساد في وزارة التجارة، لاعتبارات انسانية وشعبية.
وللتوضيح: بسبب الفراغ الحكومي، والفلتان الامني، كانت قوى التيار في الساحة، تسيطر على المؤاني، تراقب الواردات والصادرات، وخاصة المواد الغذائية. واهتم التيار بضمان دخول المواد الغذائية الصالحة، ومنع تسريب مفردات الحصة التموينية. وبالرغم من التصرفات الفردية، غير المسؤولة، لعدد من المندسين في التيار، الا ان الصدريين، كان لهم الفضل والدور الاساس في استمرار دخول مواد غذائية صالحة، لغاية انسحابهم، بعد احداث البصرة، والتي سمحت لوزارة التجارة من تمرير فسادها الاداري والمالي وسرقة قوت الشعب، وكما ثبت من فساد مالة في الوزارة، وما ثبت من سرقة وزير التجار، لعدد من المليارات، وهو من قيادات الحزب الحاكم. وقد يكون هو احد المستفيدين من تحجيم قوى التيار الصدري، والمحرضين ضده..
الصراع الداخلي:
 ذهب بعض المحللين الى وجود مؤامرة من بعض الاحزاب العراقية (المعارضة سابقا) ضد التيار الصدري. وقد اورد احد الكتاب، تآمراً من المعارضة العراقية ضد التيار الصدري، و عبر عن ذلك، بالصراع بين ذهنية الغنيمة (عند المعارضة )..وذهنية التضحية (عند الصدريين).. ويرى عدد من الكتاب: ان اغلب اطراف المعارضة ومجلس الحكم، قد مارسوا التحريض ضد الصدريين، لاجل سحقهم و ابعادهم عن المشهد العراقي .
و يمكن الاجابة عن هذا بعدة نقاط اهمها :
اولاً: شخص الصدريون محاولات الاحتلال لايجاد صراع بين المكونات العراقية، ولم ينجروا غالباً لهذا الصراع.
ثانياً:حرص الصدريون ،على تلقي اللكمات و الاحتفاظ بكف الرد سياسياً، لاحقا، بعد خروج الاحتلال.
ثالثاً:تجنب الصدريون الدخول في الصراع مع الكتل السياسية العراقية، وركزوا الجهد على قضية التحرير، و اخراج القوات الامريكية، و قد نجحوا بذلك الى حد بعيد.
رابعاً:حرصت القيادة الصدرية على التضحية، لاجل كسب ود الاطراف العراقية ، لخدمة المشروع الوطني.
خامساً: حاول الاحتلال، تخويف القوى العراقية من وجود التيار الصدري، لاجل ابقاء قواته المحتلة، وكان التيار واعيا لخطط الاحتلال.
سادسا: حرص الصدريون على الانفتاح على القوى الوطنية كافة، وبناء علاقات طيبة، وتجسد ذلك في مشروع الميثاق الوطني، وهي وثيقة تفاهم بين الصدريين وبقية الاطراف، لتجنب النزاع وحل المشاكل سلميا، والعمل لاجل السيادة والاستقلال، وخدمة الشعب. والميثاق مشروع وطني، اقترحه السيد الصدر عام 2004م، ولا زال فاعلا ومستداما.
بين العلم والمال:
نجح الاحتلال اعلاميا، في تشويه صورة المقاومة العراقية، التي تجسدت في التيار الصدري، ووصفها بانها مجاميع من الرعاع والمتخلفين. وقد وصف احد الكتاب، التيار بانهم (حثالة) وان قيادتهم ذات (ملابس مهلهلة) ..وغير انيقة..!!
 ويمكن تحليل ومناقشة ذلك بعدة نقاط اهمها:
اولا: برمج الخارج عقول النخبة والمثقفين، غالبا، بمعادلة مادية، تقيم وتزن الامور لاعتبارات مادية بحتة، وبمنظار مالي. ونجد، غالبا، ان قيمة الانسان –عندهم- هي ما يملك، وما يلبس، وليس ما يحسن او ما يقدم من خدمة للمجتمع..!
ثانيا: في ميزانهم المادي، يكون الانسان الفقير، اقل قيمة من الانسان المليونير.. دون اي اعتبار للقيم الانسانية.
ثالثا: نظروا الى ملابس المقاومين، ولم يلتفتوا الى ذلك الوعي الذي حرك هؤلاء الشباب الوطنيين لحمل السلاح دفاعا عن الوطن والشعب.
رابعا: ان اصحاب البدلات الانيقة، والاربطة الحمراء، والاحذية اللماعة، التي اشتروها بمال مسروق، هؤلاء اللصوص، الذين دخلوا مع الدبابات الامريكية، افضل من الشباب الصدري الذي قاتل الاحتلال، وهو يرتدي ملابس مهلهلة..!! هذا هو راي بعض نخبنا ومثقفينا..!! بل هو راي ببغاوات، تتوهم الثقافة ..!!
خامسا: لا يلتفت اغلب كتابنا الى الفرق بين الحضارة والمعاصرة، والفرق بين الحضاري والعصري. اليوم، وفي اغلب الدول النفطية، وفي الغرب، يعيش اكثر من مليونير، جاهل، يمتلك ادوات العصر، وفي الجانب الاخر، وفي زوايا مظلمة، يوجد علماء واهل معرفة وحضارة، يرتدون ملابس مهلهلة، ويعيشون في منازل مهدمة. وهذان النموذجان يجسدان الفرق بين الحضارة والمعاصرة، التي لا تعيها عقول اغلب نخبنا، التي تفكر بعقول الخارج..!
سادسا: ان التيار الصدري، تيار التضحية والمقاومة، والشهداء والمعتقلين، يعيش العوز والفقر، وهل يتوقع من قياداته ان ترتدي بدلات انيقة، وهي تقاتل قوات الاحتلال..! واذا كانت الاناقة مقياسا للحضارة والوطنية، يمكن القول ان الذين سرقوا اموال الشعب، ومخصصات الحصة التموينية، اصحاب المليارات، والجنسيات الاحتلالية، هم الاكثر وطنية..!
سابعا: ان التيار الصدري، تيارشعبي واسع، تكوينه من الواعين، الذين اهتموا لاطروحات السيد الصدر وحركيته، دون ان يلتفتوا الى ملابسه او شكل المداس (الحذاء).. اما انتم يا ايها المثقفين، المتعالين، لا يعنيكم ما يقول الاخر، بل تعنيكم، والى حد كبير، تلك اللمعة الصادرة من حذاءه..! وان لا تكون ملابسه مهلهلة..!!
ثامنا: اذا كان المقاومون، هم (حثالة) ..كما يراهم احد الكتاب، فذلك يعني ان الوعي الوطني عند هؤلاء الحثالة، وليس عند المتأنقين، ابناء السفارات، والاحزاب التابعة، لمن يشتريها. ان هؤلاء الفقراء، المضحين، هم الذين صنعوا التحرير والسيادة، واوجدوا الدولة العراقية، بجهادهم ودماؤهم، اما المرتزقة، أهل الاربطة المشتراة بقوت الشعب، والمتوهمين الثقافة والنخبوية، فهم معروضات تنتظر فاتورة الاجنبي ليشتريها، ولم يقدموا للعراق الا التبعية والفساد والعمالة..
. في مواجهة الشبهات:
هذه الصفحة اعدت إبتداءا لتجيب عن استفهامات مثارة، و ترد شبهات موجودة في عدد من الكتب، التي صدرت مؤخرا. وكان المخطط لها، ان تذكر تلك النصوص وتناقشها، الا ان اعتبارات منعت ذلك، اهمها:-
اولا:- ان الموضوع سيكون ذلك الكتاب وليس التيار و هو ما لايقع ضمن استهدافنا، فضلا عن تجنب الترويج لذلك.
ثانيا:- الاشاره الى اي كتاب، او نصوصه، يستلزم اطلاع القارىء على ذلك الكتاب، وهذا غير ممكن عمليا.
ثالثا:- الحكمه تقتضي طرح القضايا الكبرى والكليه، وبيان الحقائق للمراقب الخارجي، بعيدا عن الحالات الخاصة، والجزئيات.
ومن المهم ان يعرف القارئ، ان هذه الصفحات كتبت مع الاعتبارات التاليه: اولا:  كتبت بلغة ثقافية، عامة، يفهمها المراقب الخارجي، كذلك الزامه بما الزم نفسه به، او ما يسمى “قاعدة الالزام” ولا يتوقع القارئ ان يكون الرد فقهيا، على الاقل في هذا المقام. الا عند الضرورة القصوى.
ثانيا:- الهدف هو مخاطبة الاخر، والمراقب الخارجي، الذي يجهل مقدمات التيار الصدري، ومنطلقاته، وما وراء النشأة، والاهداف والاليات، وما لازم ذلك، منذ الانتفاضة الشعبانية عام 1991م..
ثالثا: الاهتمام بالاجابة على الاسئلة الكلية، والمهمة، فضلا عن رد الشبهات الرئيسة، ثم التعريف بماهية التيار، وتاريخه، وحركيته.
الهوامش:
[1] الحركة الصدرية ولغز المستقبل. ميثم محمد طه الجنابي. دار ميزوبوتاميا. بغداد.  طبعة 1 في 2012
[2] السيد محمد محمد صادق الصدر. تولد 1943 في الكاظمية المقدسة، تعرض للاعتقال في السبعينات، ثم فرضت عليه الاقامة الجبرية لغاية 1990، قاد الانتفاضة الشعبانية عام 1991م. ويعتبر مؤسسا للفكر الصدري وتياره الشعبي.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب