يبدو إن ما جرى بعد العاشر من حزيران ، جعل العراق يمر بمنعطف جديد ويبدأ من نقطة الصفر، وكل ما عمله الساسة خلال الفترة الماضية ما بين الغزو الأميركي إلى الغزو الداعشي، ذهب هباءاً منثورا وبدون رجعة، الأزمات السياسية، والإنفلات الأمني الذي شهدته بغداد وبعض المحافظات، ورداءة الخدمات، وإفلاس الخزينة العامة للدولة بسبب الإعتماد الخاطئ على النفط، يتطلب نهضة شاملة لتصحيح المسار .
البداية من جديد وطي تلك الصفحة أمر غير واقعي ومحال، فما يعانيه الوطن الآن، جاء بسبب تراكم المشاكل السياسية _ التي إنعكست سلباً على الواقع العراقي بكل تفاصيله _ دون إيجاد حلول شاملة لها، يتناسب مع حجمها وخطورتها، فكانت الحلول الترقيعية لا تجدي نفعاً وزادت من الطين بلة، تشخيص المشاكل كبيرة كانت أم صغيرة والوقوف عليها، سيكون عاملاً مساعداً من إرجاع العملية السياسية إلى جادة الطريق، فإن بقت الأمور على حالها ولم تحل، قد يحدث ما لا يمكن حدوثه، والحروب الدموية قد تكون من أبرز سمات تلك المرحلة، والتي ستحدث بين مختلف الأطراف وداخل الأطراف نفسها .
لكن من سيقف أمام العراقيين بمختلف توجهاتهم الطائفية والقومية، ويتمكن من تبني مشروع معقد لحلحلة جميع المشاكل والتي كانت حجر عثرة في طريق تقدم البلد ونهضته الشاملة ، من هي الكتلة السياسية أو الشخصية التي ستطرح هذا المشروع المتكامل ؟، وتساؤولات عدة تطرح عليها ما هي وزنها في العملية السياسية ومقبوليتها وتاريخها وحرصها على العراق وإلى أخره من الأسئلة التي قد تثار، لعل هذه مجازفة وأشبه من يقدم نفسه كبشا للتضحية، اذن لربما هو مشروع الرمق الأخير الذي يعول عليه كثيرين من أبناء الشعب .
خطوة شجاعة تحتاج إلى من يتصدى لما يجري، ولا يكترث للأصوات النشاز التي قد تصدر من هنا وهناك، فالمعطيات تظهر أن هناك شخصية قلّ نظيرها في الوقت الحاضر، ولم تخش ما طرحته في السابق وأصرت على مواقفها، رغم طائفية الصراع الذي حُشّد لها سياسيا، والحملات التي شنها وللأسف ممن يرتبطون معه بأخوة العقيدة والجهاد والمعارضة .
كانت ولا زالت محط رحال الوافدين الذين يأتون من كل حدب وصوب، وإحتضان الآخر والسماع للجميع بغض النظر عن الإصطفافات والتخندقات الطائفية، وأجلست المتخاصمين معاً بمبادرة ” أمل العراق “، وطرحت لعديد من المبادرات منها ” أنبارنا الصامدة ” التي يتأسف عليها اليوم جُلّهم إن لم نقل كلهم، ومبادرات أخرى هدفت إلى الإرتقاء بالواقع المزري الذي تعيشه المحافظات .
في الأونة الأخيرة ومنذ شهور يعمل تيار الحكيم لإنضاج رؤيا موحدة للنهوض بالواقع السياسي والذي يعيش على سرير الإنعاش ما بين الحياة والموت، تسوية تاريخية قد تتجح بإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وتحل ما أفسدته السياسيات الفردية والوقتية، والتي إن لم تصحح قد تجعلنا في وضع لا يحسد عليه، وسنرى عراقاً مغايراً مقتت والدماء قد تملئ خارطته المقسمة عنوةً .
المضي بحل سياسي شامل يحقق إنتصار وطني، يتازمن مع الإنتصارات التي تحققها القوات العراقية بمختلف أصنافها، سينهي وجود داعش ومن يعتاش عليها من تجار الفوضى والأزمات، يكون تحت غطاء دولي وإقليمي ترعاه الأمم المتحدة، اذا ستكون المبادة ربمّا الأمل الوحيد بتحقيق الإستقرار، ولا يمكن لها أن ترى النور اذا ما توفرت لها النوايا الصادقة بضرورة الحل .