23 ديسمبر، 2024 2:04 ص

توهم المعرفة راديكالية الفكر اللاديني/2

توهم المعرفة راديكالية الفكر اللاديني/2

من المعلوم ان الفكر اللاديني له مستويات في محاربته الدين ، سواء كان بنفيه وجود الله تعالى او الحاجة اليه او نفيه الحاجة الى الدين او نفيه الحاجة الى علماء الدين و الفقه في حياة الانسان . و لا نجد أيا من هذه الاطروحات تتسم بالموضوعية او العلمية ، فسواء كان الدين حقيقة او علما او موروثا فانه لا يمكن مقابلته بهذا الشكل من النفي الراديكالي ، و لا تكفي ابدا دعوة التحرر و الاستقلال التوجه بكل هذه الشمولية و الانكار الراديكالي بحجة عدم الحاجة الى الدين او ظهور حالات استغلال له .

لقد ادى توهم المعرفة لدى الطبقة اللادينية و التعالي الفكري بدعوى الثقافة و التنور و دعوى احتكار المعرفة و النظرة الدونية الى المدرسية الدينية و التعليم الفقهي ، و الاحكام المسبقة و النظر من بعد و عدم سبر غور حقيقة التعامل المدرسي الفقهي مع النص ، كلها ادت الى تشويش في الاطروحة اللادينية و افقاره من العلمية و الموضوعية بل و المنطقية احيانا .

ان هناك حقائق لا يمكن للعقل السليم التغاضي عنها تثبت حقيقية و صدق الرسائل السماوية و يكفي استمرارالتعاليم الفقهية من دون تناقض او اختلال الى مئاة السنين شاهدا على جوهرية و حقائقية مضامينها ، فان كل نظر فلسفي و فكر عقلي لا يلبث سنوات الا و طرأ عليه التغيير و الحاجة الى التكميل ، بينما التمام و التكامل متجذر في الرسالات السماوية ، و لا تكاذب و لا تناقض بينها كما انه لا خلل في العمل بها و اعتمادها الى الآن . و ليس من مأخذ موضوعي و علمي على مضامين الرسالة السماوية جدي و معتبر عقلا يعتد به الى الآن ، و مجرد دعوة التحرر و عدم وجوب الطاعة للارادة الالهية لا مساعدة عليها ، كما هو الحال في رفض التفسير العلمائي للحطاب الديني ، و دعوى عدم الحاجة اليه ، فان العالم ما هو الا مختص و علمي يتبع قواعد علمية متفق عليها بين اهل الاختصاص ، و يجتهد في الصول الى المراد الواقعي للخطاب الالهي و عدم توهم ما ليس كذلك ، لحقيقة ان الحطابات الالهية الفقهية امور منقولة تدخلت فيها عوامل نقلية تحتاج الى تنقيح و تحقيق ، و المسالة لا تتعدى ذلك ، و كل دعوى غير ذلك فانها خلاف الواقع و لا تتصف بالموضوعية .

و حال المختص بعلوم الدين و العامل بتعاليم الدين حال كل مختص بعلم معين و عامل به ، فكما ان الخطأ و سوء الفهم بل و تقصد الاخلال وارد في غير العلوم الدينية و العاملين بها فان ذلك وارد فيها و في العاملين بها ، و خصوصا ان العاملين بالدين هم اكبر شريحة على وجه الارض تعمل بعلم معين واختصاص معين ، كما ان المختصين بعلوم الدين يفوق عدد اي عدد من الاختصاصيين في اختصاص اخر على وجه الارض ، و مسألة الروحانية و الارتباط بالسماء لا تختص برجل الدين و لا المتدين بل هي مختصة بكل انسان يعتقد بوجود خالق و الضمير الانساني و روحه السامية . انا لو نظرنا الى العلوم نجد علوم الدين احد تلك العلوم و لو نظرنا الى الاختصاصات نجد علوم الدين احد تلك الاختصاصات ، و لو نظرنا الى المختصين بالعلوم نجد علماء الدين هم من اهل الاختصاص و لو نظرنا الى العاملين بالعلوم و

معتمديها تطبيقيا في حياتهم نجد العاملين بالدين هم من ضمن تلك الفئة العاملة بعلم معين . بل نجد ان المختصين بعلوم الدين لا يساويهم عددا اي عدد من المختصين في اختصاص اخر و نجد العاملين بالدين و المعتمدين عليه في الارض لا يساوي عددهم اي عامل باختصاص فيها . و كما ان الخطأ و الخلل وارد في مجموعة صغيرة مختصة لا يتجاوز عددهم الواحد او الاثنين فانه يكون اكثر احتمالا في الالاف المشتغلين و المختصين بعلوم الدين ، و كما ان الخطأ وارد في المعتمدين على علم معين لا يتجاوز عددهم عدد الاصابع فان الخطأ يكون اكثر احتمالا في المتدينين وهم المعتمدين على الدين في حياتهم .أذن لا يوجد مبرر اطلاقا للحمل الراديكالي و الشمولي في تخطئة الاطروحة الدينية بمجرد خطأ او خلل اختصاصي او خلل او خطأ من العاملين فيه ، و هكذا احكام راديكالية و شمولية تعاني من اللاموضوعية الواضحة من الافتقار للعلمية بما لا حاجة لمزيد من الكلام لبيانها . و كما ان الاستغلال وارد في ادق العلوم و الضرر ناجم عن استغلالها وسوء التطبيق ، فان سوء التطبيق و الدعاوى الباطل و البدع و الانحراف عن جوهر الدين و حقيقته ايضا وارد . و على من يريد النظر في تطبيقات الرسالة السماوية الحقة عليه النظر فيما هو واقعي و حقيقي و صائب و صادق منها ، و ليس في اعمال المنحرفين و المشتغلين و الكذابين ، كما ان الكذب و الاستغلال و التحريف وارد في كل علم و اختصاص و ليس شيئا خاصا بالمشتغلين بالدين لكي يؤدي الى حكم رديكالي و شمولي بنفي الحاجة الى الدين و الرسالة السماوية . كما انه من غير العلمي و لا الموضوعي استغلال الاخطاء و الانحرافات التي تخرج بها مجموعة دينية او فئة منها و استغلال ذلك لاجل الطعن بالدين ، ان هذا من اتفه و اقبح اشكال الوهم و الخطأ الاحتجاجي . ان الاستغلال البشع لحالات الخرق و الانحراف في تطبيق الدين سواء على مستوى افراد او جمعات او مؤسسات و تضخيم ما يمكن تعنيه انما هو حالة واضحة من غسل الادمغة و الجذب الفكري و استغلال العواطف و بث الحكم اللاعلمي و اللاموضوعي اعتمادا على حالات تعبئة و تثقيف مضادة ، فاصبح الامر في اطروحة الفكر الاديني طرحا سياسا اكثر من كونه فكريا ، و ما عاد بالامكان جعل ضابطة جيدة لتعريف المنهج الذي يعتمده المنهج اللاديني في بيان افكاره و منطلقاته ، بل صار مشروعا لديه استغلال و استعمال كل ما يمكن ان يحقق ميلا فكريا او عاطفيا كالتأشير الى حالة خلل تطبيقي ديني او خرق فردي و اعتبارها نموذجا و ممثلا للدين و اهل الدين ، و من الواضح ان هذا من صفات الطرح السياسي و ليس الفكري ، وهو مؤشر فقر و عوز في النظام الفكري للمنظومة الدينية او على الاقل في القاعدة الفاعلة فيها .