23 ديسمبر، 2024 10:41 ص

توم وجيري والمصالحة الوطنية

توم وجيري والمصالحة الوطنية

في استعارة وبتصرف لتشبيه زميلي الكاتب الجزائري  د.حسين مجدوبي لشخصية توم وجيري الكارتونية واسقاطها على الواقع السياسي ، فقد استمتعت أجيال متلاحقة بأفلام الرسوم المتحركة لبطليها توم وجيري، القط والفأر، فكل واحد منهما يحاول توريط الأخر في مقلب، وتنتهي كل حلقة بالتعادل، فلا القط يأكل الفأر، ولا الأخير ينتصر نهائياً في شغبه، وبهذا تمتد الحلقات الممتعة الى الأبد، وبأسقاط هذا الكارتون على واقع المصالحة الوطنية نرى ان لعبة القط والفأر مستمرة الى مالانهاية اعلامياً فقط، والشعب المغلوب على أمره ينتظر بترقب وبألم وليس متعة كما في حلقات توم وجيري، ان يرى الأمن والآمان يعم البلاد كنتيجة حتمية لحلقات مسلسل المصالحة الوطنية ، وكلما اختلفت الأطراف المختلفة المتصالحة نرى انعكاسات الأنفجارات والضحايا والحرائق، ومن المفارقات ان تبرز هنا شخصية كارتونية اخرى هي رجل الأطفاء التنين كريسو الذي ينفث النار بدل الماء، فتزداد الحرائق ويزداد نزيف الدم ومساعي المصالحة الوطنية في غياب كامل لشخصية كريندايزر العراقي الوطني الجريء بخطواته الجريئة وقراره العراقي المستقل لحسم الأمور وتحقيق المصالحة الوطنية الناجزة.

من شروط تشكيل حكومة العبادي، اشترط الدكتور أياد علاوي المشاركة على ان يستلم ملف المصالحة الوطنية، وعلى أساسه اشترك علاوي وتفائل العراقيون خيراً نظراً لما يتمتع به علاوي من شخصية تتبنى المشروع الوطني، رفضت المشاركة في الحكومة السابقة ولم تتلوث يده بالفساد الأداري، بالأضافة الى خبرته الطويلة في المشاركة بحل النزاعات الأقليمية منها الوساطة في النزاع بين منظمة فتح وحماس، والمشاركة والوساطة في حل قظية الخلاف على رئاسة الجمهورية اللبنانية وغيرها من الوساطات

وفعلاً اشترك علاوي بالحكومة كنائب لرئيس الجمهورية لشؤون المصالحة الوطنية، واعد برنامجاً وآليات وخطوات جريئة لتحقيق المصالحة، بأصدار قرارات وقوانين واضحة وأعادة بناء جسور الثقة بين المواطنين بعيداً عن المأزق الطائفي لتحقيق مبدأ المواطنة بشكل سليم وفعال، (ويمكن ان يرجع القاريء الى اصل مشروع المصالحة والوحدة الوطنية المقدم من قبل الدكتور علاوي بتأريخ ٢٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤ ) لكي يعلم كيف يضع علاوي اليد على الجرح العراقي وما يقدمه من آليات وخطوات ومعالجات حقيقية وجريئة فقط لو وفرت له الأمكانيات لتنفيذ مشروعه، ولو توفرت النية الصادقة لبقية الأطراف في دعمه.
 
لذلك هناك أولويات حتى في مفهوم المصالحة، وعلى رأسها وجود جبهة وطنية جامعة ومانعة تعمل من أجل العراق فقط، جبهة جامعة في مكوناتها السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وتضم العراقيين بكل انتماءاتهم، ومانعة لبذور الشر والفتن والتعصب والمذهبية والفئوية، وتستبعد رموز التحريض والأجندات الحزبية والفكرية المتطرفة مهما كانت أسماؤهم ومواقعهم، وتستقطب من يملك الجرأة والشهامة في التصدي لأقرب المقربين من الإقصائيين والمرضى الذين لا يستطيعون أن يعيشوا في ظل الوجود المشترك والتعايش السلمي، ولا يمكنهم أن يتحرروا من فكرهم المعقد وعقائدهم البالية، وأمثال هؤلاء لا مكان لهم على الإطلاق في جبهة تواجه الإرهاب والتطرف واستباحة الدماء البريئة، ويجب ألا توهمنا الشعارات السياسية والمطالبات الإصلاحية التي قد يرفعها هؤلاء من فترة لأخرى.

الملاحظ في الفترة الأخيرة هو الألتفاف على أتفاق تشكيل الحكومة ومحاولة تمييع القضية وأدخالها ضمن مسلسل لعبة القط والفأر، المحاولة الأولى هي طرح فكرة تشكيل لجنة للأشراف على الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية، وجميعنا يعلم ان تشكيل لجنة في موضع ما، يعني تمييع الموضوع، وهنا تم تقييد الدكتور اياد علاوي وتحركاته الفعلية والحقيقية في هذا الأطار من خلال تعدد الآراء والأعتراضات والخلافات في اللجنة نفسها.
والملاحظ مؤخراً ان جميع الساسة العراقيين ومستشاريهم تبنو اعلامياً الحديث في موضوعة المصالحة الوطنية وكأنهم جميعاً ادركو فجأةً اهميتها او ربما للتشويش على مفهومها أصلاً عن طريق طرح مفاهيم وآراء وشروط هي اصلاً تصب في تأزيم المواقف وتزيد من هوة الخلاف وبالتالى إفشال المصالحة الوطنية.

اهم القوانين التى تعديلها واقرارها يصب بالأيجاب في جهود المصالحة الوطنية هي، قانون العفو العام وقانون المسائلة والعدالة وتشريع قانون الحرس الوطني وقانون تجريم الطائفية وقانون تجريم الفساد واهدار المال العام وقانون تجريم الأعمال العسكرية المحلية وغيرها من القوانين والتشريعات، والواضح بشكل جلي ان القوانين التي تتطلب التعديل او التشريع، أرسلت من مجلس الوزراء الى مجلس النواب بصيغ أسوء من الصيغ السابقة لها، ولو اقرت ستكون نسفاً لأي جهد تصالحي وأذا اعيدت من مجلس النواب الى مجلس الوزراء سيستمر مسلسل التسويف والمماطلة ونصب الفخاخ والمقالب بين توم وجيري، ويستمر نفخ النار بدل الماء  من قبل رجل الأطفاء التنين كريسو وتبقى الحاجة لكريندايزر ليقضي على وحوش فيكا المعشعشة في الدولة.