25 نوفمبر، 2024 3:14 ص
Search
Close this search box.

توماس هوبز في العراق

توماس هوبز في العراق

ما نراه من فوضى المواقف الانفعالية التي قد نجدها مبتورة الإرث العقلاني، فأن الكثير منها قد تجد لها جذور منطقية في أزمنة مضت،
كانت (الأزمة) السمة الأبرز التي صاحبت السلطات (على اختلافها) في العراق منذ تأسيسه السياسي الحديث (1920….للآن) نتيجة تداخل عدة عوامل ذات جوهرية خارجية وثانوية مفتعلة داخلية، مما جعل الواقع المجتمعي يمر في عديد من المطبات التي ضيقت الحلول السلمية وجعلت القوة حلًا أوحد، فمنذ اتخاذ الدولة شكل المملكة وإلى هذا اليوم، تأطرت الحلول السياسية في وداي غير ذي سلم، هذا الأمر أدى بطبيعة الحال لترسيخ بديهيات ذهنية مجتمعية على شاكلة هذا التأزم .
جميعنا استمع بشكل عابر أو أثناء نقاش عن أُطروحة (رايدلنا واحد مثل صدام أو واحد قوي يله يكدرلنا) وهنا تنصرف الإشارة تمامًا كمعنى للحكم المطلق، ومن اتخاذ المقدمة أعلاه كمنطلق لسببية العنوان، سنبين مالذي جاء بفيلسوف القرن السابع عشر الإنجليزي توماس هوبز (1588_1679) إلى هنا.
شب هوبز بفترة زمنية شهدت البدايات الفعلية للحرب الأهلية الإنجليزية ابتداء بالتضخم الذي حل بأوروبا للفترة من 1530 إلى 1640م، والذي ساهم بتقليص نفقات الملك الباذخ جيمس الأول (أول ملك من ال ستيوارت) عبر رفض البرلمان منحه مالًا إضافيًا، وهذا ماتكرر مع خلفه تشارلز الأول الذي منع من ضربيتيّ البرميل والجنيه، وبدون الدخول بالتفاصيل التي جرت من خلال قيامه بإجبار أصحاب الأملاك على إقراضه والخ….، ولاننسى قضية البيوريتان (التطيهريون) ووليم لود والصراع البروتستانتي، ولايعنينا بهذا الصراع الشكل الديني بقدر ما هو تدخل الملك تشارلز لجانب وليم لود الذي لطالما شجعه على التمسك بنظرية الحق المقدس للملوك، وصولًا للتأزم الأخير المتمثل بإجازة البرلمان للاحتجاج الأعظم على خلفية تمرد الرومان الكاثوليك في ايرلندا، وما أعقبه من أمر تشارلز بمحاكمة خمس برلمانيين ورد البرلمان بالرفض، فنشبت الحرب الأهلية بين أنصار البرلمان وأنصار الملكية.
وقبل إن أعود للعراق ككيان جمعي (دولة) وفردي كذهنية خاضعة لمختلف التأثيرات،
ومادمنا في صدد وضع مقارنة ضمن السياق التاريخي فلا بد من بيان وجهة نظرنا الخاصة حاليًا بمسألة هل يعيد التاريخ نفسه؟، فإذا صحة هذه المقولة فهل تكون هذه الإعادة كلية شاملة أم جزئية حاسمة؟، أي أن يتكرر حادث ما كليًا أم يقتصر التكرار على جزئية تشكل جوهر الحدث، وإذا انتفت صحة هذه المقولة فما هو تفسير التشابه الذي يحصل في كثير من الأحيان بين حقب تاريخية سابقة وحوادث في الوقت الحاضر؟،
وبدون الدخول في عراك طرفيّ نزاع هذه المقولة من الرافضين والمؤيدين، نرى ولو لهذا الوقت الراهن أو كرؤية أولية، أن التاريخ لايعيد نفسه بالمعنى المتعارف بقدر ماينطوي الأمر على تشابه البديهيات المكانية والزمانية في الحقب التاريخية المختلفة، فمثلًا أن بديهية الظالم تقابلها المظلوم، وحتمية أن يعمل الاحتلال على أضعاف البلد المحتل هي ذاتها في كل الأزمنة، لذلك فأن هذه البديهيات المتعارف عليها والتي في أغلبها لاتخضع للعامل البيئي المختلف، تكون متشابهة ولاتعني بأي صورة من الصور أنها إعادة لحوادث التاريخ.
فلو أخذنا ببديهيات هذه المراحل التي مر بها هوبز بتلك التي مرت على العراقيين، سنجد إن ثمة تشابه من حيث متتاليات الفوضى والصراع على النفوذ وإن اتخذ نمط قد يكون مختلفًا فيه من حيث إنه كان في البدء كردود فعل ضد الملكية ومن ثم تطور فيما بعد هذا النزاع ليتخذ شكل الجموح العسكري للسيطرة على السلطة، توالت هذه الثنائية لفترة طويلة بل كادت إن تكون ثابتة في معادلة الصراع، دون إن ننسى الرفض الشعبي الذي اتخذ شكل الانتفاضة في التسعينات، وهذه الأضداد كانت ولاتزال مدعمة بالعنصر الخارجي الذي كان واضحًا لاسيما في العهد الملكي وبعد 2003 والذي حمل أيضًا سابقة خطيرة تمثلت بانعكاس الصراع السياسي على المجتمع والذي كان مفتعلًا بلمسة نيغربونتيه خالصة (السفير الأمريكي 2004_2005)، وصولًا لتفجر الاقتتال الأهلي، ومن ثم في خط تصاعدي برز الصراع السياسي وهذه المرة لم يكن بين سلطة وجهة أخرى إنما كان عراك النواة المشكلة لها( الأحزاب) فتولد التخبط وعدم الاستقرار ولاننسى عامل الإرهاب الذي يعتاش على هكذا أوضاع، كل هذه العوامل وغيرها لم يكن ليسلم منها أي مجتمع خصوصًا مع التجربة الديمقراطية التي من المفترض إن تنتشل العراقيين من مغبة الاستبداديات الماضية.
فالظروف ساهمت بشكل كبير في تكوين فلسفة توماس هوبز في السياسة (العقد الاجتماعي) والذي أعتبر إن الحالة الطبيعية للبشر السابقة لنشوء الدولة كانت عبارة عن حياة عدوانية أنانية يسودها الشر والخ….، ولاسبيل لكبح جماح البشر إلا بحاكم مستبد لايستند في حكمه لا على قانون ولا على أساس تعاليم دينية، بل الأساس الذي يستند إليه هو العقد الاجتماعي الناجم عن رغبة الأفراد بالعيش في بيئة آمنة يسودها الاستقرار
وبالتالي لا يكون هذا الحاكم حتى طرفًا بهذا العقد وغير ملتزم بأي شيء وإن كان ظالمًا فعنده ذلك أهون من حالة التمرد والعصيان التي تولدها حركات الاحتجاج والثورات والتي يرى بأنها تهدد حياة البشر.
وبالرجوع للحالة العراقية فقد تولدت عند الكثير من عامة الشعب مفاضلة الاستقرار على عملية المشاركة في أختيار السلطة، نتيجة إيغال الفوضى والإرهاب في معظم مراحل الدولة العراقية الحديثة، وهذا مايدفعنا للقول
بإن ذهنية المجتمع والافراد المشكلين له إذا ما استمرت في العيش ضمن بيئة غير مستقرة في كافة المجالات، فإن من شأن ذلك إن يدفع بها لكي تنشد أي حلٍ مفضي للخلاص، فحالة الفوضى تؤدي لتأصيل الحالة الهمجية في نظرة الافراد لبعضهم البعض بل وتمتد لترسيخها كبنية في طبيعتهم، بشكل يجعلهم يشعرون بإن لا سبيل لتدجينهم سوى بالقوة.
كما إن التعددية العقدية والقومية لمجتمع ما، لايضبط إيقاعه إلا بتوافر إيمان لا مجرد (الوعي) بفكرة سمو المواطنة دون سواها على إن لايمس أصل هذه الخصوصيات العقدية، هذا الشعور أهم من ديمقراطية النظام، ولادليل أقوى من هذه الحالة التي نعيشها، وفي انعدامه تبرز القوة حلًا أوحد.
لذلك نجد باستمرار إن من يتولى الحكم في هكذا مجتمعات دائمًا ما يركن للصورة التي تحاول إشباع نفسية الجماهير المتعطشة لرمزية الزعيم القوي، هذا الأمر أدى ويؤدي لأن تتضخم المصروفات الإعلامية والعسكرية مقابل إهمال بقية المجالات.

أحدث المقالات

أحدث المقالات