اسمحولي ابتداءآ بهذ الرأي : اعتقد ان اغلب اشكالياتنا مردها قضية في غاية الاهمية الا وهي قضية التوقيت ، وللاسف الشديد ان تعاطينا مع هذه القضية لازال سلبيا، لذلك اصبحنا عبارة عن تاريخ من الفرص الضائعة كما عرفنا الفرنسي روجيه غارودي لاننا لم نحسن ادارة الوقت تحديدا عندما نكون في مفترق طرق وازاء لحظات حاسمه وقرارات مصيرية فتضيع الفرصه تلوى الاخرى ، هذا التعاطي السلبي مع الوقت يبدو انه مكتسب فينا وليس وراثي ، والدليل لم اسمع يوما ان عراقي واحد بالمعمورة قد فاتته الطائرة رغم كل التعقيدات والحواجز التي يواجهها وهو في طريقه الى مطار بغداد ، فلو تعاملنا مع التحديات التي تقف امامنا وكأنها طائرات واحسنا التوقيت لكنا قد قدمنا استجابات عقلانية تجعلنا نصل الى محطاتنا الامنه والمبتغاة، ولكن يبدو اننا نحسن ادارة الوقت فقط عندما يتعلق الامر بمغادرة هذا الوطن ، اما اذا مكثنا به فتتعطل كل مهاراتنا في ادارة الوقت، وهذا ليس جديد علينا فتاريخنا زاخر بالامثله في هذا المقطع ،فعلى سبيل التمثيل وليس الحصر، تظاهر الحزب الشيوعي في عيد العمال ١٩٥٩ بمليون متظاهر عندما كان تعداد العراق ٧ مليون نسمه ضد حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم التي كانت تعاني داخليا من تأمر القوميين وخارجيا من ضغوطات الجمهورية العربية المتحدة، وتم تأجيج هذه التظاهرة لتصبح فيما بعد نواة لصراع الشيوعيون مع حكومة الثورة الفتية فضاعت عليهم فرصة مداهنة الحكومة سياسيا والاستفادة فيما بعد للوصول تدريجيا الى سدة الحكم بسبب سوء التوقيت .
اليوم كنت قد قرأت تحذير وزارة الداخلية العراقية من اجراء التظاهرات يوم ٨/٣١ وخشيتها من الاستهداف الارهابي ، لذلك لم تجيز التظاهر حفاظا على سلامة المتظاهرين كما تزعم ، وسواء كانت نية الوزاره سليمة ام غير سليمة ؟ وسواء الحكومة مع حرية التعبير ام ضدها ؟ وسواء فجرونا القردة ام لا ؟ فهذه ليست المشكلة .. المشكلة في التوقيت فأنا متأكد ان هذه التظاهرات ستكون عبارة عن اصوات في البرية لان العالم اليوم يعيش اشد انواع الضجيج والصخب فلا حياة لمن تنادي، فكيمياوي الغوطة لم يترك أذان صاغيه الا وغلقها وبات هو المسموع الوحيد في العالم ونحن بانتظار ما سيسفر عنه تقرير لجان التفتيش، وما ستقرره الايام القريبة المقبلة من اجراءات، قد تتغير فيها حسابات المنطقة برمتها، وقد يحترق الاخضر بسعر اليابس والله اعلم .
وعليه اقول – ورأي خطأ يحتمل الصواب -ان توقيت التظاهر غير محسوب ، وغير مدروس، ولايؤدي الا الى فقدان الطاقة وتبديد الجهود وضياع الاصوات ، التي نحن بأمس الحاجه اليها اليوم ، فلو وضفت هذه الطاقات توضيفا عقلانيا منزوع الانفعالات وبعيدا عن اقلام بعض المتحمسين الراغبين بتصفية الحسابات مع الحكومة عن طريق المتظاهرين لكنا قد ارجأنا التظاهرات واستثمرنا الجهود والطاقات للدورة التشريعية المقبلة ،والتي يعلم الجميع انها على الابواب ونعطي اصواتنا لمن يسمع اصواتنا، وكفانا مزيدا من التوقيت الضائع .