23 ديسمبر، 2024 2:26 م

توظيف المربع السيميائي في تحليل القص (قصة شبيب نموذجا)

توظيف المربع السيميائي في تحليل القص (قصة شبيب نموذجا)

المربع السيميائي طريقة في التحليل الدلالي ، اجترحه غريماس ، وأريد منه اظهار التقابلات ونقاط التقاطع في النصوص ، وتطور حركة عناصر السرد وانتقالاتها من زاوية الى اخرى ، ويتكون من اربع زوايا تمثل الزوايتان العلويتان الشيء ونقيضه , اما الزاويتان في الاسفل فتمثلان  نفي الشيء ونفي نقيضه ــ كما في الشكل المرفق ــ ويتضح الامر اكثر في تحليل قصة شبيب للقاص احمد الجنديل ــ من العراق ــ التي نشرها في مجموعته القصصية (سواقي العسل المر) .
  وملخص قصة شبيب يتمثل في اقتراف احد الضباط  (عمران) جريمة قتل لرجل وزوجته (منعثر وغيدة) امام انظار ولدهما (شبيب)  في احدى القرى مما تسبب في جنون شبيب وعزلته خارج القرية على ضفاف النهر ، لكن هذا الحال يتطور الى سعي شبيب للفتك بالضابط (عمران) ويتحقق له ذلك في احدى الليالي حينما كان عمران يستمتع بليلته مع الغانية (سهام) , لكن شبيب يجرح في فخذه في هذه المواجهة ، ليذهب الى النهر ، مكانه المفضل ، ويدخل النهر لكنه لم يعد ثانية … لقد ابتلعه النهر .
   وسوف نعمد في تحليل هذه القصة الى تبويب مفاصل القصة على اركان المربع لملاحقة تطورات الحكي , وبما ان شبيب عنصر حركي في القصة  لذلك سوف نرمز له في المربع السيميائي بالقيمة
(أ) اما المجتمع فهو ثابت لا يحرك ساكنا ازاء الضابط عمران الذي قتل والدي شبيب ولنرمز له بالقيمة (ب) ، ومثله الحكومة التي اكتفت بنقل الضابط الى مكان اخر دون معاقبته بما يستحق فهو تعير عن قيمة ثابتة فلنرمز لها بالقيمة (ب 1) , اما النهر الذي لازمة شبيب طيلة فترة اعتزاله فإن المياه التي تتدفق تعبر عن الحركة لذلك فهو متحرك ولنرمز له بالقيمة (أ1) وكذلك سهام العاهرة خليلة الضابط عمران التي اكتسيت حركتها بخروجها على مألوف القرية الاخلاقي لتمارس العهر والرذيلة ، اما الخرابة التي يلجأ اليها شبيب احيانا فهي شاهد عيان جامد لا يضيف شيئا على احداث القصة ولذلك فهي عنصر ثابت ولنرمز لها بالقيمة (ب2). اما منعثر وغيدة والدي شبيب فهما عنصران لا متحركان بوصفهما مقتولين لكنهما في الوقت ذاته لا يمكن ان يكونا ثابتين اذ ان ذكراهما حيه في ذهن شبيب ولنرمز لهما بالعنصر (ج) اما بيوت القرية وشجرة الكالبتوس والنخيل فهي عناصر لا ثابته ولنرمز لها بالعنصر (د) .
  وعليه فان اي حركة من الزاوية (أ) الى (ب) يعني انتقال السرد من الحركة الى الثبات ، واثناء رصد آليات السرد عند القاص الجنديل وجدنا ان هذه الحركة تكاد تكون معدومة في قصته هذه ، وهو ما يتطابق وفرض غريماس الذي فضل ان تكون الانتقالات السردية بين زوايا المربع عكس عقرب الساعة وعليه فإن الانتقالات الحدثية في هذه القصة اتجهت عبر المسارات التالية :
1ـ سعي شبيب الى الفتك بخصمة طيلة فترة جنونه , وهذا يعني الانتقال من (أ) الى (د) , وبما ان العنصر (د)  يعبر عن (اللاثبات) فإن هذه الحركة تعني ان شبيب انتقل من الحركة الى حالة لا توصف بإنها مناقضة لحالته اي انه لم يتنقل الى الثبات بل انتقل الى حالة اللاثبات , وهذا يعني ان الحركة من (أ) الى (د) لا تعني التناقض بل تعني حالة اخرى لا توصف بالحركة ولا بالثبات على اعتبار ان قيامه بقتل الضابط حالة بشعة لكنها في الوقت ذاته ضرورية لإرضاء عطش شبيب للانتقام مما جعل السرد يتجه فيما بعد الى حالة اخرى تتمثل في العنصر (ج) الذي يعبر عن (اللامتحرك) اذ ان شبيب بعد انتهائه من قتل الضابط  فقد عنصر الحركة الداخلي الذي كان يجيش في نفسه . لكن وقوف السرد عند هذه النقطة لم يدم طويلا بوصفها نقطة مرور الى الحركة (ب) التي تعني الثبات وهو ما تعبر عنه احداث القصة بموت شبيب وغرقه في النهر .
2ــ وفي الاتجاه ذاته وانطلاقا من الزاوية (أ) يمكن رصد الانتقالات السردية للنهر بوصفه عنصرا متحركا ففي كل لحظة تتغير مياهه وعلى حد تعبير هرقليطس : انك لا تنزل النهر مرتين ففي كل لحظة تتغير مياهه ,  فإن حركته الافتراضية تتجه نحو العنصر (د) الذي يعبر عن (اللاثبات) ويمكن ان نستنبط تلك القيمة من دلالة الجريان المستمر فهو فعل بالثبات على الرغم ما يراه الرائي من ثبات جريانه للوهلة الاولى ، وفي الوقت ذاته لا يمكن ان يوصف بالسكون فهو مستمر الجريان , وعليه فإن دلالات النهر في هذه النقطة بالتحديد من زمن القصة يمكن ان توصف باللاثبات ، لكن هذا التوصيف لا يدوم كثيرا فسرعان ما يتحول النهر الى حالة رتيبة عند شبيب من فرط الاعتياد  لذلك فإن الفعل السردي للنهر ينتقل بالتزامن مع الفعل السردي لشبيب الى النقطة (ج) او الزاوية (ج) التي تعبر عن اللا متحرك لتنتقل بعدها ليشي بدلالة الموت في النقطة (أ) حينما تلاشت دلالة النهر مع موت البطل .
3ــ والامر ذاته ينطبق على سهام الذي تمارس الغواية مع الضابط عمران فان دلالات الانتقال لهذه الشخصية من (أ) الى (د) الى (ج ) الى (ب) تعبر عن الانتقال من رفض قيم المجتمع والخروج عليها الى ممارسة المنكر فعلا الى عدم القدرة على ابداء اي دور سردي اثناء قتل عشيقها الى نهايتها بإفتضاح امرها علنا امام الناس .
4ــ اما حركة المجتمع والحكومة من الزاوية ( ب) الى (أ) اي من الثابت الى المتحرك فيمكن ان يشي بدلالات كثيرة اهمها : ان عنصر الرفض موجود داخل المجتمع لكنه لم يتبين اثره الا حينما قام شبيب بقتل الضابط عمران وخروج اهل القرية شامتين فرحين ، لكنهم في الوقت ذاته لم يفعلوا شيئا , وما تعبر عنه الزاوية (ج) التي تفضي بدورها الى النقطة (أ) التي يعود معها دور المجتمع الى الثبات والديمومة .
وفي المسار ذاته يمكن تتبع دلالات الانتقال لشخصية الحكومة من الزاوية (ب) بوصفها تدل على الثبات الى الزاوية (أ) بوصفها تدل على الحركة المتمثلة بقيام الحكومة بنقل الضابط الى الزاوية (أ) المتمثلة بسكوت الحكومة عن توجيه عقوية اشد لعمران الى الزاوية (ج) المتمثلة بقبول استمرار عمران في عمله مع العلم بإقترافه جريمة قتل الى الزاوية (ب) ثانية .
5ــ اما انتقالات شخصيات منعثر والد شبيب وزوجته غيدة فتبدأ من الزاوية (ج) التي تدل على عنصر (اللاحركة) بوصفهم امواتا لكنهم احياءا في ضمير ولدهم شبيب  لتنتقل لحركة الى العنصر (ب) بوصفها تدل على الثبات حينما ظل خيالهم يعشعش في ذاكرة شبيب لكنه في الوقت ذاته  دفع شبيب الى الانتقام من غريمه لتمر عبر الزاوية (د) التي تتمثل في المزامنة بين صورة منعثر وصورة عمران وهما يعانيان القتل .
6ــ اما انتقالات الضابط عمران من الزاوية (د) مرورا بالزاويا (ج ، ب ، أ ) اي من اللاثبات الى اللا حركة الى الثبات فتشي بدلالات عدم استقرار هذه الشخصية من الناحية الاخلاقية ، ثم عدم قدرته على تغيير نمط حياته تبعا لمتطلبات العيشة والنزوات الجسدية ، ثم قبوله بحاله هذا ، ثم قيامه بالتصرف وفق هذه الرؤى وقد توج تصرفه بالقتل غير المبرر لمنعثر وزوجته .