عندما نذكر التيار العلماني في العالم العربي والإسلامي يتبادر للأذهان التيارالإلحادي بشكل مباشرولكن العلمانية هي ليست تيار إلحادي بل هي فصل الدين عن الدولة وليس فصل الدين عن المجتمع والفرق شاسع بين الإثنين فعلمنة الدولة لا تعني سلخ الدين عن المجتمع فيمكن أن يحظى المجتمع بتعدد الأديان والطوائف وأن يكون المجتمع دينياً ولكن الدولة علمانية تقف على مسافة واحدة من جميع الطوائف من خلال فصل الدين عن الدولة ومؤسساتها . إن التيار الإلحادي هو أقرب إلى التطرف في العلمانية وهذا يعني فصل الدين عن المجتمع كما فعل مصطفى كمال أتاتورك في تركيا فهو لم يكتفي بفصل الدين عن الدولة من أجل القضاء على بقايا الدولة العثمانية بل قام أيضا بفصل الدين عن المجتمع فمنع قراءة القرآن في المساجد ومنع خطب الجمعة والأذان في المساجد ومنع الحج والعمرة وحظر إرتداء الحجاب في مؤسسات الدولة والجامعات ومنع رجال الدين من إرتداء الزي الديني خارج دور العبادة وتحويل كافة المراقد والتكايا إلى متاحف ومنع أداء الطقوس الدينية للمسلمين وألغى المناسبات الدينية ومنع الاحتفال بهذه المناسبات لقد أراد أتاتورك سلخ المجتمع التركي من الدين الإسلامي وهذا تطرف في تطبيق العلمانية وصل إلى حد الإلحاد ومهاجمة الدين الحنيف لأنه لم يكتفي بفصل الدين عن الدولة بل حتى عن المجتمع الذي يمثل الإسلام هويته وتاريخه العريق .
وأنا عندما أدعوا إلى النظام العلماني في العراق فإن هذا لا يعني مهاجمة الدين الإسلامي كما فعل أتاتورك بل فصل الدين عن الدولة حتى تقف الدولة على الحياد بين السنة والشيعة دون الانحياز إلى طائفة معينة ولكن فصل الدين عن الدولة لا يعني فصل الدين عن المجتمع كما فعل أتاتورك فنحن نعتز بديننا لأنه هويتنا وتاريخنا . ولكن قد يعتبر البعض إن آليات التحول إلى النظام العلماني في العراق والتي تحدثت عنها في مقالتي السابقة قد تصل إلى حد التطرف في العلمانية وبالتالي الإلحاد ولكن هذا غير صحيح لأننا عندما ننظر عن كثب إلى هذه الاليات نجد أنها تعتمد في مجملها على تشريع قوانين تضمن علمانية الدولة ومؤسساتها فقط دون المساس بالمجتمع أو التعدي عليه فالعلمانية هنا تنحصر في الدولة ومؤسساتها الحكومية فقط من أجل ضمان حياديتها أمام طوائف المجتمع المختلفة وعدم ميلها لصالح أي طائفة وبهذا الشكل يكون الدين خارج الدولة بكل مؤسساتها إلا أنه يبقى في إطار المجتمع ومؤسساته والمنظمات الدينية الأهلية الخاصة التي يمكن للطوائف العراقية أن تشكلها بشكل مستقل عن الدولة حيث تقوم كل طائفة بتأسيس منظمة دينية خاصة بها وتديرها بنفسها بعيدا عن الدولة وقوانينها ومؤسساتها مما يعني أن تتمتع كل طائفة بحرية ممارساتها الدينية في حين تبقى الدولة على الحياد بين هذه الطوائف دون انحياز لجهة معينة ولأن الدولة علمانية لذا فهي محايدة لا تنحاز لمذهب معين بمعنى أنها لا تتعامل مع العراقيين على أساس مذهبي أوطائفي بل ستتعامل معهم على أنهم عراقيون دون النظر إلى دينهم أو مذهبهم .
كما إن علمنة القنوات الإعلامية الحكومية إلى حد منع البرامج الدينية فيها بالإضافة إلى الأذان السني والشيعي معاً هو ليس تطرف في العلمانية لأن هذه القنوات الإعلامية هي واجهة الدولة واللسان الناطق بإسمها لذلك يجب أن تكون محايدة في برامجها وتوجهاتها دون الانحياز لمذهب معين حتى لا يظلم أحد وبالتالي فإن هذه العلمنة سوف تقتصر على المؤسسة الإعلامية الحكومية فقط دون أن تمتد إلى المؤسسات الاعلامية الأهلية والخاصة لأنها مستقلة عن الدولة أو أن تمتد إلى المجتمع ومؤسساته فلا يمكن أن أدعوا إلى منع الأذان في المساجد مثلاً أو منع الناس من أن يمارسوا عاداتهم وطقوسهم الدينية بحرية أو بتطبيق ما فعله أتاتورك في تركيا في العراق إن هذا الامر غير مقبول وكل من يفعل ذلك لا يعتبر ملحداً فقط بل شخصا يريد القضاء على الدين الإسلامي الحنيف وأن لا أدعوا إلى ذلك ولا أقبل به بل أرفضه بشكل قاطع لأنني مسلم وأعتز بديني لأنه هويتي وتاريخي ولكن ما أدعوا إليه هو فصل الدين عن الدولة ومؤسساتها فقط وليس فصل الدين عن المجتمع ومؤسساته وبناء دولة علمانية تقف على مسافة واحدة من الجميع دون الانحياز لطائفة معينة فالغاية من وجود نظام علماني في العراق ليس مهاجمة الدين بل إيجاد نقطة مشتركة وحلقة وصل بين السنة والشيعة وبقية الطوائف تحفظ حقوق الجميع دون أن يظلم أحد من أجل إنقاذ السنة والشيعة وبقية الطوائف من الحرب الأهلية التي ستقتل العراقيين وستقسم العراق على أساس ديني مذهبي وهذا مالا يريده أي عراقي فالنظام العلماني سينهي الصراع الديني في العراق ويمنع تقسيم البلاد على أساس مذهبي مما يعني حفظ دماء المسلمين والعراقيين كافة .