جَلَسَتْ في شُرفةِ الدارِ، المُطلةِ على حَديقةِ المَنزلِ، تَنتَظر قدومهُ، بعد أن إتصل بها وأخبرها: بإنهُ سيقضي معها إسبوعاً كاملاً، في أحدِ أشهرِ المصايفِ، شمال البلد…
بَدَتْ هادئة، ولا تبدو عليها علامات الفرح حين إستقبلته، والذي بدورهِ إحتظنها، وقبلها، فبادرتهُ بإبتسامةٍ مُغتصبة…
دخل الحمام، وذَهَبتْ هي لإعداد طعام العشاء، وبعدُ لم تُتم نَقَلَ المأكولات، فآجئها بدخولهِ إلى المَطبخِ، وليس على جسمهِ شئٌ من ملايسٍ، إلا المنشفة يَضَعها عَلَى كَتفيهِ…
* هههه لماذا جَفلتِ حبيبتي؟
* لا! ولكنك فآجئتني
* سإفاجئكِ كثيراً، وستتمتعين في الأيام المقبلةِ جداً، فلو تعلمين كم كُنت أُعاني وأنا بعيدٌ عنكِ لمدةِ شهرٍ كامل… أعدك أن لا يتكرر هذا أبداً
* لنذهب إلى العشاء، ونكمل حديثنا
* أنتِ عشائي
وبدأ يقبلها ويداعبها، لكنها ما لبثت أن أفلتت منهُ، وأوصلت سلة الفواكه إلى المائدة، فلحق بها وجلسا لتناول العشاء، فقالت:
* الليل طويل، ولك ما تشاء… والآن أخبرني كيف سارت الأمور؟
* تمكنت من إخراج البضاعة من الميناء بأسرع وقتٍ، قبل أن تتلف، فلولا ذهابي مبكراً قبل وصول الباخرة، وإتمام أوراقها، لكانت خسارتي كبيرة ولا تعوض، ولكن الحمد لله لقد سارت الأمور على ما يرام، ولن أتعامل مع تُجَّار تلك الدولةِ مجدداً، فهم غير ملتزمين ولا منظبطين
* وأين كنت تنام؟
* في فندقٍ قرب الميناء
* لوحدك؟
* هل تشكين بي؟!
* لالالالا … من المؤكد أنك لا تفعل ذلك…لكني…. كنت… سرحت في… لا عليك
بعد أن أتما عشائهما، ساعدها في ترتيب المطبخ، ثم حملها إلى السرير، وكأنهما في ليلةِ دخلةٍ جديدة، وبعد الإستفاقة من ساعات الجنون، أخذا حماماً جميلاً وجلسا في الشرفة يتناولان عصير الليمون، قال:
* والآن لنحضر حقائبنا
* نعم.. ما سنأخذ معنا؟
* شيئاً خفيفا، وما توديه من أشياء فسوف أشتريهِ لكِ هناك، لقد حولت مبلغاً كبيراً
* امممممـ…هلا ننامُ قليلاً، قبل أن يأتي الصباح؟!
* ولماذا النوم؟! غيري ثيابكِ ولننطلق الآن، هيا
غيرا ثيابها، وأحضرا حقائبهما، فحمل الحقائب ووضعها في صندوق السيارة، وصعدا، فركب الريح مسرعاً يدندن لها ويسمعها أحلى الكلمات، حتى بدأت دموعها بالنزول رويداً رويداً كحبات الندى، فانتبه لذلك، وقال:
* ما يبكتكِ حبيبتي؟
* ……. لا شئ، كلامك عذبً جميلٌ أسعدني
ثم أشاحت بوجهها نحو نافذة السيارة…..
بدأت خيوط الفجر ترسم ملامحَ يومٍ جديد، حيثُ ظهرت المناظر الجميلة لتلال حمرين، وهما يخترقانها بسيارتهما، لاح لهما شخصان يرتديان الزي الأسود، ويحملان سلاحاً رشاشاً بأيديهما، وضعا عارضاً خشبياً على الطريق، فأوقف سيارته وأنزل النافذة، تقدم أحدهما إليهِ قائلاً:
* من أين وإلى أين؟
* من بغداد وإلى الشمال
* إنزل
* لماذا؟
* أنت أسيرٌ … نحن الدولة الإسلامية
* لا بأس خذوا السيارة وكل شئ ودعونا نذهب
كان المسلح الآخر يحاول فتح الباب الآخر للسيارة لإخراج الزوجة، وقد بدأت بالصراخ، فما كان من الزوج إلا أن ركل المسلح الأول بباب السيارة وأسقطه، وأخذا يتصارعان، وصار ينادي:
* خذي السيارة وأهربي بسرعة
فلقد بدأ الآخر يصوب سلاحه عليهِ، وهو يتصارع مع الأول، فتحولت الزوجة إلى كرسي السائق، وأحكمت غلق الأبوب، فأصابَ المسلحُ(الذي هو قرب السيارة) المتصارعَين، بعدة إطلاقات نارية وبشكلٍ عشوائي، ولما سقط الإثنان، ظن أنهما ماتا، فعاد وكسر زجاج النافذة، وأخرج الزوجة وأخذ يجرها، لكنهُ تفاجئ بهجوم الزوج عليه، بالرغم من تلقيه عدة إطلاقاتٍ في جسمه….
فقد المسلح سلاحهُ وجرى صراع بينه وبين الزوج، لكن الزوج إستطاع أن يحكم قبضتهُ على المسلح، وهو يمتطيه، والمسلح منكفئاً على الأرض… صار الزوج ينادي زوجتهُ ويكرر:
* أهربي… خذي السيارة وأهربي
في تلك الأثناء حضرت مفرزة للقوات الأمنية، وأنهت الصراع، كان الزوج في حالة يُرثى لها… تم نقلهُ إلى أقرب مستشفى، حيثُ أُجريت له الإسعافات الأولية، ثم نُقل إلى مدينة الطب في بغداد بسيارة الإسعاف…
كانت الزوجة جالسةً بقربهِ، تنظرهُ وتجهش بالبكاء، فقد عاد بها الفكر إلى الشهر الذي فارقها فيه، وكيف أنها خانتهُ! مع عامل إيصال الطلبات، عندما أوصل لها قطع البيتزا، بعد بضعةِ أيام من سفر الزوج، حيث شاركها سريره ووسادته، كُلَّ يومٍ تقريباً…
بدأ ضميرها يؤنبها، لخيانتها هذا الرجل العظيم، الذي ضحى بنفسه من أجلها، ولم يكن لهُ هَمٌ سوى إنقاذها، فصرخت وهي باكية:
* أنا لا أستحق كُل ذلك منك… إنني أحقر مما تتصور
وصلت سيارة الإسعاف إلى المستشفى… أدخلوه صالة العمليات، وبعد برهةٍ خرج الطبيب، ليخبر الزوجةَ والحاضرين بموت المصاب…
صرخت الزوجة وأخذت تركض نحو الجسر، وألقت بنفسها في نهرِ دَجلة، لعل ماءه يُطهرها، ولتُكفر عن ذنبها في توبةٍ متأخرة…
[email protected]