23 ديسمبر، 2024 6:05 ص

تواقيع الشظايا (( عدنان حسين في أسفاره ))

تواقيع الشظايا (( عدنان حسين في أسفاره ))

في ديوان (( أسفار في ذاكرة الجمر – للشاعر عدنان حسين )) الصادر عن دار الجواهري / بغداد , تطفو المعاني والأسئلة الوجودية في نسق شعري جميل , يمتلك الأدوات الكافية ((لسرد)) جملة من الهواجس والصور الشعرية التي تمتاز بالعمق والأيحاء والوعي والمعرفة والأيماءات النازفة بوجع وصلوات وهسيس أرواح – الجمع – الذي تم فقده بين أظلاف عجلة وتوابع – الأله الحديدي – أو أذرع الموت في عهد (( المليك الأخطبوط ص9 )) أو في عهد – الأعداد – لوليمة غاز جديد (( حينما تغزو العناكب ماتبقى من ندى أعمارنا فوق الجرار ص8 )) أو حين (( فوق دمائنا حطت غرانيق الفجيعة في عجاف التيه ص10 )) أو حين (( أحلامك استلبت – بلادك انتهكت – أنهارك اختلطت – سماؤك الأولى تشوه غيمها ص13 )) . حيث يتابع ويواصل الشاعر موضوعه ورؤياه في مسيرة الهاجس المؤلم والشعور العميق بالهزيمة ، ويتابع نقلنا الى امضاءات جديدة وتواقيع متعددة الوجوه للهزيمة التي أوغلت بنا كثيرا وعميقا ، اذ يكمل معنا نشيده المتألم – المدرك – المتفحص – السارد – الراوي – الذي يعلم الحقائق جيدا ويدرك ماهية أبعادها ويبصم على خلجاتنا بصرخته هذه ويضعنا أمام أسئلته الوجودية من خلال صورة لنا تمتاز بأنها صورة (( مثقوبة الخاصرة – منهوبة الذاكرة ص16)) عبر تاريخ طويل لنا من الحروب وأنواع متعددة من وجوه الدمار التي تساورنا وتصارعنا .
لقد كانت الصورة الشعرية والأنتقالات الشعرية – السردية – توحي بمعرفة وثقافة عالية لدى الشاعر وقدرة على توظيف عدد كبير من المسميات والرموز التاريخية والروحية ذات الدلالات التي يستخدمها الشاعر لأضاءة موضوعه وهدفه ، حيث تقودنا القصيدة بغوايات جميلة وتتابع جميل للصور الشعرية المليئة بالمعاني والحكايات كما (( سرب حمام مرتجل ص18 )) فنجد الشاعر يقودنا ليذهب بنا الى :
ننماخ التي دنست ، و(( تاريخ كل البرق في صحف الغمام ص23)) ، وصوت مردوك النبي – وتلمود الخطيئة . والى تواترات شعرية معبرة ولها قدر كبير من الأيحاء (( أبناء يهوه الغائرون بحقد آلاف السنين . . . . أبريل ياشهر الولادة ص27)) و (( تعود آشور على أبوابها
< شيدو > يقوم بحرس الأرض . . . . نشرت على أصقاعها ليل الوباء ص28 )) . ويذهب بنا الى الوطن المتعب ، ويعود الينا اذ نقتل بعضنا لكي يبقى الغراب ، والى (( بغداد ليست من ورق ص37 )) وأناشيد السمو البابلي ، و (( هاهنا كانت تربى الأمنيات – هاهنا كانت بأوج بهائها روح الطبيعة ص43 )) و (( جناسا ناقصا من أي معنى بالربيع العربي ص48 )) والخبايا الموغلة التي يتعذر فك أسرارها ، والى بعض الدمى في مسرح المصير ، وماضينا الذي يلوح يأتينا ، وخفقة الطين التي ربما تمتلك جوابا ، والرصاصة والقتيل ، وفوضى التساؤل ، والموت الذي نبعث منه مجددا ، وعودة كلكامش المهزوم ، وكيف (( يولد الشعر – بين نرجسة وأخرى ص71 )) ، والى ظلال (( أقصى الهزيمة ص26 )) . وغير ذلك الكثير من التوصيفات والصور والرسوم الشعرية التي – تسرد – لنا بلغة شعرية حية ونابضة بالوجدان تفيض بالمعنى والمضمون الدلالي والأشاري واقعا نحن بأمس الحاجة الى الحديث عنه طويلا ومفصلا . وقد تتابعت الصور الشعرية التي تنبثق من نقطة وجذر ثم تتفرع الى عدة صور أو تترادف وتتواتر مع عدة صور جزئية في بناء القصيدة لتكون موضوعا ومضمونا غنيا وتضفي زهوا وتماسكا للنص الشعري .
ان الطقوس الزمنية لقصائد ديوان (( أسفار في ذاكرة الجمر )) للشاعر المبدع (( عدنان حسين )) تتفاعل في لغتها وصورها ومضمونها مع الواقع والمحيط الذي أنتجها بعلاقة تفاعلية تتسم بالرصف والرسم والأيحاء والتحفيز وبث الوعي بطريقة ذكية وبملفوظات لغوية متراصة بدلالاتها تبتعد عن (( الرصف المكرر أو السقيم المبتذل )) وتمنح القاريء شغفا ودفقا يتولد ويأتي من خزين معرفي وثقافي لدى الشاعر .
واننا بأمس الحاجة الى القصيدة والكلمة التي تعرف دورها ، فتوثق لنا تاريخنا العميق وسيرتنا الأصدق في كل التوثيقات – (( سيرتنا الهاجسية )) . تلقي الضوء وتقودنا لنبصر ونزور مساحة ما ربما لم نزرها من قبل . وهذا ماحصل في أسفارنا بين المساحات والمسافات التي ينيرها الجمر .
فتحية الى الشاعر عدنان حسين وهو يمضي بنا في أسفاره التي وثقت (( تواقيع الشظايا )) وأثرها العميق فينا .

[email protected]