7 أبريل، 2024 12:46 م
Search
Close this search box.

تواطؤ القانون

Facebook
Twitter
LinkedIn

إن صدور قانون ما أو أنظمة وتعليمات، تسبقها حاجات اجتماعية وسياسية ملحّة، استدعت وجود إطار شرعي، بغية إشباع تلك الحاجات، وعندما كانت العملية التشريعية، غاية في الصعوبة، فإننا نلاحظ، حرص الكثير من الدول خصوصا الدستورية على أن يكون المشرع يمتلك مؤهلات خاصة تمكنه من سنّ قانون يحقق إشباعا فعليا لتلك الحاجات، فقد وضعت شروطا تتمثل بوجوب كون المشرع من أهل الاختصاص، ورجل قانون، متمرس على العمل القانوني والتشريعي، قريب من الفئة التي سيكون هذا القانون أو القرار نافذا بحقها. وبالتأكيد، فان هذا العمل، يتطلب كثيرا من الوقت والجهد، بغية وضع تشريع سليم، خال من العيوب التي ستكون معرقلا، لا منظما للعملية التنظيمية في المجتمع، بعكس الدول الشمولية التي لا تحترم القوانين، فإنها من السرعة، بحيث، إن المدة التي يتطلبها سن قانون أو نظام ما، وبل وحتى الدستور الذي هو قمة الهرم القانوني والتشريعي، لا تتجاوز أشهر، بل وحتى أيام قليلة، وهذا بالطبع يعود إلى أن القانون المُسنْ، يخاطب ذهنية السلطة، لا المجتمع. ينقل حسن العلوي في كتابة( العراق دولة المنظمة السرية) رأي صدام بالمجلس الوطني( البرلمان ) واتهامه له بأنه لو أعطاه صلاحيات تشريع القوانين، لتأخر العراق تسع سنوات، أن صدام يصدر سنويا مئات القوانين!! وأستمر حال التشريع في العراق، قبل سقوط النظام، من قيام مجلس قيادة الثورة المنحل( الجهة المخولة بالتشريع آنذاك ) بإقرار القوانين، التي لا هم لها سوى ترسيخ دعائم النظام، وتحقيق مصالحه وغاياته، وليذهب المواطن إلى الجحيم.. وما يؤسف له حقا، هو مرور عدة سنوات على سقوط النظام، وتغيير الآليات القانونية والدستورية في التشريع، على اعتبار أن البلد تحول إلى الحكم الديمقراطي، ولم يتم تغيير تلك القرارات الجائرة في كثير منها. بعد السقوط، الأمر أختلف، اختلافا جذريا، ولكن السؤال: نحو الأحسن؟ الآن، ثمة مجلس نواب منتخب من قبل الشعب، مختص بالتشريع، ما معناه، أن القوانين التي يصدرها نابعة من رغبات الشعب، وتطلعاته إلى وجود قوانين تخدمه، وتحرّك عجلة البناء والتقدم في البلد، هذا ظاهر الأمور، لكن بواطنها، والتي باتت هي الظاهر: أن مجلس النواب، لم يجعل من وظيفته الأساسية، أي التشريع همها أساسيا له، ولم يكتف بهذا فقط، بل جعل تشريع قوانين، تخدم أعضائه، هي من أولوياته وأساسياته، كقانون حماية امتيازات أعضاء مجلس النواب!! بينما الميزانية العامة للدولة، لا زالت تغط في مخاضات عمية، والشعب مازال ينتظر تحسّن مزاج هذا النائب أو رئيس الكتلة، كي يتم إقرار الموازنة التي تتوقف عليها أمال الملايين من أبناء الشعب. إذا، نعود لنسأل مجددا: هل حال التشريع في العراق تحسّن؟ نعود إلى قولنا، أن القانون يقترن بوجود الحاجة له، لنأخذ مثلا، حين استشرى الفساد الإداري والمالي في العراق، عقب سقوط النظام، توصّل القائمون على التشريع آنذاك، إلى حقيقة مفادها ضرورة وجود قانون يحّد من هذا الظاهرة، وكان أن سنّ القرار 55 لسنة 2004 ، وذلك بغية تأسيس هيأة النزاهة التي تأخذ على عاتقها محاربة الفساد.  لذلك نلاحظ، عبارة ( الأسباب الموجبة ) في أي قانون مشرّع، والتي تعني: بيان الأسباب التي دعت السلطة التشريعية لسنّ هذا القانون، وهذه الأسباب يجب أن تكون مقنعة، حقيقية، استدعت تشريع هذا القانون، وإلا، فان على السلطة التشريعية، عدم الموافقة على تمريره، وهذا الأمر، نلاحظه حتى في الأوامر الإدارية الصادرة في عهد الحاكم المدني الأمريكي السابق بول بريمر. وهذا الكلام، ينطبق على القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية، ضمن حدود صلاحياتها، لأنها لا تقل أهمية عن تلك التي يصدرها البرلمان. لكن للأسف، ظهرت في الآونة الأخيرة، ما يذهب عكس ذلك، فقد أخذت السلطات المحلية في المحافظات، تصدر القرارات تلو القرارات ، وعلى مزاجها، متجاوزة اختصاصاتها الإدارية والقانونية، والتي غالبا ما تتقاطع مع اختصاصات المركز، ومع الدستور، في أحيان كثيرة، والمشكلة تكمن في أن هذه القرارات تصدر، دون وجود لأسباب موجبة لإصدارها، مما تجعل العملية الإدارية، متخبطة، وغير مستقرة على قرارات ثابتة، وهذا التخبط يعزى الى عدة أسباب منها غياب المرجعية القانونية للدوائر الرسمية، وعدم معرفة كل دائرة لاختصاصاتها مما يجعلها تتجاوز على اختصاصات المركز، وغياب الرقابة على دستورية القوانين، وغياب الوعي القانوني لدى الأفراد، بحيث ان صدور قرار ما، وهو مخالف للدستور او لقانون، ينبغي على الأفراد الطعن به أمام المحكمة الاتحادية، بالطرق التي حددها القانون، كل هذه الأسباب جعلت من المؤسسات المحلية، تصدر قرارات على هواها، والمتضرر الوحيد، هو المواطن العراقي، الذي بات يفقد ثقته بالقضاء، يوما بعد يوم. المشكلة تكمن في استخدام هذه القرارات لأغراض شخصية، ولغرض الحصول على منافع ومكاسب جراء سريات هكذا قرارات، لنأخذ مثلا، قيام حكومة محلية في إحدى المحافظات، بإصدار قرار يقضي، بمنع انتقال وإفراغ الأراضي الزراعية، بالرغم من أن هكذا قرار، ليس من اختصاصها، وهذا تسبب في إرباك للمواطن، وفوضى في دائرة التسجيل العقاري، التي لم تعد تعرف، بأي تعليمات تلتزم، بمرجعيتها الإدارية، التي تبيح مثل هكذا معاملات، أم بالسلطة المحلية التي تمنع مثل هكذا معاملات؟ بالتأكيد، فقد كانت أضرار المواطن لا حصر لها، حيث اضطر إلى تقديم مبالغ مالية كبيرة إلى موظفين، كرشاوى، بغية استكمال معاملاتهم، ونقل ملكيتها إليهم، وبعد مرور عدة أشهر، تم إلغاء قرار السلطة المحلية على اعتبار أن الدائرة قررت أخيرا الاحتكام إلى مرجعيتها، لا إلى سلطة لا سلطان لها عليها. لكن بعد أن أفرغت جيوب المواطن، وفاز من فاز بالملايين. وهنا نسأل مجددا: إلا يعتبر هذا تواطؤ من قبل القانون مع المفسدين؟ أليس استغلال القانون، لتحقيق مكاسب غير مشروعة، هو قمة الفساد؟ نعم القانون متواطئا، حين يكون دمية بيد المفسدين، وحين يعجز عن مكافحة الفساد، وحين يتسبب بإضرار المواطن واستنزاف أمواله، في سبيل إثراء نفر من المفسدين. سؤال أخير: ألا يمكن أن يكون من يصدر مثل هكذا قرارات متواطيء مع الموظف المرتشي؟ بعد أن أيقنا، أن لا وقت لمجلس النواب، بتعديل، وسنّ القوانين الكفيلة بمكافحة الفساد، فان المسؤولية، تقع على عاتق رجال القانون، والباحثين الذين عليهم، فضح تلك القوانين والقرارات الجائرة، وتشكيل كتلة شعبية ونخبوية ضاغطة على صنّاع القرار، في سبيل تغيير ما يمكن تغييره.
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب