تؤكد معطيات الواقع السياسي العراقي ازاء العلاقة بين الرئاسات الثلاث ان حالة التوازن الظاهري تبدو لافتة للنظر على اكثر من صعيد ، وهي ربما تقابل بحالة ارتياح من الرئاسات الثلاث أزاء دور كل منها في حل اشكالات وتعقيدات الوضع العراقي، وبخاصة العلاقة بين رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، وحتى بالنسبة الى العلاقة مع رئاسة الجمهورية ونواب الرئيس، لكنها في الوقت نفسه تخفي حالة من الضعف والتردد في اتخاذ قرارات مهمة لم يلمسها الكثيرون حتى الان وبخاصة مطالب ما سمي بالمكون العربي التي بقيت بلا تطبيق.
وهناك مخاوف من قبل قياديين في الرئاسات الثلاث ان حالة التوازن هذه ربما تخفي سلبيات كثيرة اكثر مما تحمل من الايجابيات، وهي وان كانت محل ارتياح من قبل بعض هذه الشخصيات، الا انها في الوقت نفسه لم تظهر لنا مدى قوة وتأثير رئاستين مهمتين، وهما مجلس النواب ومجلس الوزراء، اذ يبدو دور كليهما ضعيفا ليس لديه القدرة على اتخاذ القرارات الجريئة، وبخاصة ازاء قضايا مهمة وردت في وثيقة الاتفاق السياسي ولم يظهر الجانبان حتى الان دورا مهما في تنفيذ بنودها.
ويرى متابعون للشأن العراقي انه حتى في زمن التفرد والدكتاتورية التي انتهجها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كانت هناك شخصيتان قويتان تفرضان نفسيهما على الواقع العراقي ولم يظهر رئيس مجلس النواب السابق اسامة النجيفي أية حالة ضعف امام خصمه الذي كان يسعى للايقاع به باية طريقة لكن شخصية النجيفي القوية ومواجهته لنوري المالكي على اكثر من صعيد وفي اكثر من مواجهة كانت فيها الغلبة لرئيس مجلس النواب في ان يفرض وجوده ولم يكن بمقدور المالكي ازاحته عن مواقفه الصلبة قيد انملة.
اما ما يظهر الان من حالة توافق بين الرئاسات الثلاث فهو وان كان عاملا ايجابيا في التوصل الى توافقات مقبولة بينها، الا ان حالة الضعف تبدو واضحة ازاء قرارات تتطلب اتخاذ موقف مسؤولة ازاء تعهدات قطعها الدكتور حيدر العبادي كي يطبقها على ارض الواقع وبخاصة مطالب ما يسمى بالمكون العربي ، الذي لم يحصد حتى الان اية مكاسب عملية ملموسة ان لم تكن داعش قد امتدت الى مساحات واسعة من اربع محافظات عراقية لم تر فيها المواجهة مع داعش اي تقدم عملي ملموس وبقيت الانبار ونينوى وقد تمركزت داعش فيها ، ولم تجد سبيلا لحل امثل يوصل الى تحريرها في وقت قريب ان بقي التعامل مع مطالب المكون العربي على هذه الشاكلة من الفتور من قبل الحكومة الحالية.
اما رئيس الجمهورية فؤاد معصوم فيبدو حتى الان الحلقة الاكثر ضعفا في هذه الدائرة ، ولولا مواقف نوابه القوية لتحولت رئاسة الجمهورية الى ديوان لاستقبال الضيوف ليس الا، اما نواب الرئيس فهم ربما الوحيدون الذين تظهر شخصياتهم قوية وتفرض وجودها على المسرح السياسي وبعضهم ينظر الى خطوات العبادي على انها تعكس حالة ضعف وبرود وبخاصة المالكي الذي لايجد في اسلوب تعامل العبادي مع قرارات كثيرة تخدم طموحات المالكي في ان يكسر ظهر بقية الشركاء، في وقت يبدو نائبا رئيس الجمهورية اسامة النجيفي واياد علاوي اكثر توافقا مع العبادي ، لكن النجيفي يبقى الاكثر حضورا في الواقع السياسي، وقد تحمل اعباء مسؤولية غاية في الاهمية على عاتقه وهي مهمة تحرير نينوى وتهيئة المعسكرات اللازمة والاسلحة المطلوبة لتحقيق هدف ابناء هذه المحافظة في ان يروا مدنهم وقد تحررت من ربقة داعش، ولهذا تأخذ تحركاته في هذا الصدد موقفا مسؤولا واكثر جدية، وهو الشخصية المحنكة القوية القادرة على فرض احترامها على الاخرين، ما يوفر لها علامات تفاؤل بامكان نجاح مهمتها في تحرير نينوى في أقرب وقت ممكن.
أما المصالحة الوطنية فلم تظهر حتى الان اية خطوات عملية على ارض الواقع تشعر الاخرين بانه حصل تقدم يذكر ، لأن لا أحد من قادة الكتل والقوى السياسية راغب في تقديم ( تنازلات ) تخدم هذا التوجه، ما ابقاها في دائرة المؤتمرات والمحاولات الفاشلة ليس الا، أما الشعب فهو متصالح مع نفسه لكن السياسيين هم من يضعون العراقيل بوجه هذه المصالحة، إذ يعد البعض منهم المصالحة ( نهاية ) لدورهم السياسي، وهو ما لايتمناه بعض السياسيين الحالمين بمجد السلطة والزعامة والحصول على المغانم الكثيرة