من السهولة القول أن الصراع العربي الفلسطيني ومنذ عشرات السنين, لازال يراوح في محله تقريبا, فلا تقدم أو حل حقيقي.. فرغم كثرة المواجهات العسكرية, والمعاهدات وإتفاقيات السلام اللاحقة, وحملات التطبيع الأخيرة لدول عربية, لكن لازال الفلسطينيون مظلومون بشكل واضح ومضيق عليهم ومغتصبة حقوقهم, ولا هم نالوا دولة ولا حتى شبه دولة, ولا نجحت أمريكا والغرب في جلب السلام لوليدها اللقيط.. فما الذي تغير بعد المواجهة الأخيرة؟!
لم تختلف المواجهة الأخيرة بين الفلسطينيين في غزة والكيان المحتل, من حيث أسبابها وكيفية بدايتها, فإعتداءات المستوطنين المحمية بقوات المحتل, ومحاولات لإغتصاب مزيد من الأراضي وخصوصا في القدس, ورد فعل غاضب وتراكمات لعشرات السنين, من القتل والتهجير والعقاب الجماعي, فكانت المواجهة نتيجة حتمية بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الغاصب..
كالعادة كانت مواقف الغرب, منافقة وتميل لمصلحة الكيان المحتل, فيما كانت مواقف العرب تكتفي, ببيانات “شجب وإستنكار وإدانة” وهو أكثر ما يبدوا أن حكامنا يجيدوه ومنذ عشرات السنين, ومن تجرأ منهم وتشجع فقد أقام مهرجانا تضامنيا, تذاع فيه الأغاني الحماسية والأناشيد التي يتمايل ويرقص عليها شبابنا..
رغم تشابه البدايات, لكنا ما بعدها وخواتيهما ونتائجها اللاحقة إختلفت بشكل جذري, وربما يصح أن نقول أنه هائل.. فرغم التخريب والتدمير وعدد الضحايا المرتفع من الجانب الفلسطيني, وتواضعه من الجانب الإسرائلي, من حيث الضرر الملحق أو الخسائر, لكن ما أختلف كثيرا هنا, هو تغير معادلة الصراع, وإختلاف ما يصطلح عليه ” بتوازن الرعب”.. ودخول عوامل مؤثرة جديدة في معادلة الصراع..
من الواضح أن رد المقاومة الفلسطينية, على إي إعتداء إسرائيلي لن يكتفي مستقبلا بإحتجاجات أو قذف حجارة, بل سيكون هناك صواريخ, يمكنها الوصول لأي مكان.. ورغم أن منظومة “القبة الحديدية” نجحت في إسقاط ربما “90%” من تلك الصواريخ كما ينقل, لكن ما نجح في الوصول, كان كافيا, لإفزاع الإسرائيليين, ناهيك عن الكلفة العالية لذلك, وتأثيرها المدمر على الإقتصاد والسياحة, وصورة الدولة التي تحاول أن تسوق نفسها ” كجنة صغيرة في الشرق الأوسط” ومعروف مصدر تلك الصواريخ, ومن أوصلها لأيدي المقاومة الفلسطينية, أو زودهم بتكنولوجيا تصنيعها..أليس كذلك؟
العامل المهم الأخر هو إنتقال القضية الفلسطينية, من كونها واقعيا وبشكل عملي, تخص العرب وحدهم ولعشرات السنين, وتحولها لقضية تخص المسلمين بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم, وهذا ما نجحت إيران في ترسيخه.. في الذهن العربي والإسلامي, وهو نجاح عقائدي وسياسي كبير جدا, ويحسب لها وحدها..
إيران التي لم تعد ضعيفة كما كانت, رغم الحصار الخانق المطبق عليها, فقد نجحت في تنمية حلفاء وثيقين لها في المنطقة, يتميزون بإتفاقهم مع إيران في, قناعات وثوابت سياسية وعقائدية ودينية, حول كثير من القضايا.. وهذه القوة منحتها مزيدا من القدرة في المناورة والتفاوض, مع أمريكا والغرب, وهذا زاد قوتها وكذلك حلفائها, ليفرضوا وجودهم في ساحاتهم المحلية, ولتستمر كرة الثلج في النمو..
يقال أن السياسة لا ثابت فيها, وتتقلب بتقلب الظروف وتغير المصالح.. والقضية الفلسطينية ليست مسالة بسيطة أو محلية أو إقليمية حتى, ويمكن حلها بحروب أو معاهدات سلام فحسب, فهي أعقد من ذلك بكثير, ومهما نجحت القوى الكبرى في أوقات سابقة, أن تميع القضية وتفقدها زخمها وتأثيرها, وتدفنها تحت تراب التطبيع أو معاهدات سلام, أو تجعلها مسألة تخص “الفلسطينيين” أو حتى “أهل غزة” وحدهم, فهي لن تنجح.. فالأمور قبل حرب غزة الأخيرة, لم تعد كما بعدها.