23 ديسمبر، 2024 10:43 ص

توأمان لاينفصلان.. الإرهاب ومواعيد البرلمان

توأمان لاينفصلان.. الإرهاب ومواعيد البرلمان

يبدو أن الجو السوداوي العام السائد الذي يعيشه العراقيون منذ عقد مضى، لايروم الرحيل عن سمائهم، فالضباب المعتم الذي يخيم عليه مازال يتراوح بين الشديد والشديد جدا، إذ أنهم على موعد ثابت مع السواد لايتغير إلا بالكم والعدد، وما هذا إلا بفعل من يسمون أنفسهم ساسة، وهم مشتركون في العملية السياسية، فيما شراكتهم الحقيقية في الكعكة ليس إلا. فالموعد الوحيد الذي يتحقق في عراقنا من دون إخلاف كل رأس شهر، هو الحصيلة النهائية لعدد العراقيين الذين يروحون ضحية الهجمات الإرهابية للشهر الذي يسبقه. إذ عودتنا بيانات تصدر من جهات مختصة، على استقبال شهر جديد بتوديع آخر قبله، مضمخا بدماء أخوتنا وأصدقائنا وأبنائنا وأحبتنا وزملائنا، بحيث أصبح الموت أقل ضريبة وأوطأ جباية على العراقي أن يدفعها (قرض فرض) في صباح من صباحات حياته، او مساء من مساءات أيامه إن عاجلا أو آجلا، في بلده الذي يحلم أن يكون يوما ما آمنا. أما السبب في هذا فهو هويته العراقية، وانتماؤه لبلده وأرضه، وأما المسبب فهم حتما القريبون منه والراعون له والمسؤولون عنه والمفوضون بأمره، وليسوا مخلوقات غريبة نزلت عليه من سماء سادسة او سابعة.

لقد قدم العراق خلال الشهر المنصرم كعادته، عددا من (ولد الخايبة) تجاوز تعدادهم الألف مغبون ومظلوم ومغدور، وهي -كما تقول مصادر- تعد أكثر بثلاثة أضعاف من تلك المسجلة في المدة نفسها من العام الماضي. مقابل هذا نرى ان مجالس البلد الثلاثة تعمل في وادٍ غير وادي الشعب، ولاسيما مجلس النواب الذي كان حريا به ان يتعجل بإقرار القوانين التي تخدم الصالح العام، فالإسراع في بتها وتشريعها، وإلزام مؤسسات المجلس التنفيذي بالعمل بها، سيقود البلد الى وضع أكثر أمنا وأمانا. ومازالت عقدة التأجيلات والإرجاءات هي الداء العضال الذي أصاب مجلس نوابنا منذ تأسيسه حتى اللحظة، ولاأظن بارقة أمل توحي بنهاية لهذه المعضلة. كذلك معضلة أخرى هي تمييع القضايا والمشاريع تحت سقف زمن غير معقول، هم ليسوا بغافلين عن مساوئ المماطلة به، بل هم موقنون تماما أن المماطلة والتسويف هي أقصر الطرق لتمييع قضية او قرار او مشروع قانون يصب في خدمة المواطن، والشاهد على هذا كثير وكثير جدا. وتطول بهذا المواعيد حتى تكاد تغلب (عرقوب) بمواعيده، وكأن لسان حالنا يقول لنوابنا:

لا تدعني ككمون بمزرعة

إن فاته الماء أغنته المواعيد

فهل يعلم رئيس البرلمان وأعضاؤه وأرباب الكتل والأحزاب، ان التلكؤ والتباطؤ في إقرار القوانين يفضي الى استغلال المتصيدين في عكر المياه هذا التأخير، ويجيّرونه لصالحهم ولصالح أجنداتهم التي تسيرهم، أي أن الإرهاب وتقصير البرلمان في أداء واجباته مربوطان على التوالي، وقطعا معلوم من يكون الضحية، ومن يدفع الثمن الباهظ من جراء ذلك. إذ باستطلاع للسنوات العشر السابقة، يتبين بكل وضوح ان الوضع الأمني للبلد مرتبط بشكل وطيد بالسياسيين وقراراتهم، وكذلك بالقوانين وتأخير البت بها. فهل علم النواب أن الإسراع بإقرار القوانين هو صفحة من صفحات الدفاع عن الوطن ضد الإرهاب، ولايقل أهمية عن البندقية والمدفع والطائرة؟ أم أن لهم مأربا في تأخير إقرار القوانين والإكثار من التأجيلات في قراءتها!

*[email protected]