23 ديسمبر، 2024 6:01 ص

توأمان لايفترقان.. الكتل والمحاصصة

توأمان لايفترقان.. الكتل والمحاصصة

قبل أيام، اكد عضو في اللجنة القانونية النيابية ان “رؤساء اللجان البرلمانية سيتم تغييرهم وفقا للكتل التي ينتمون لها”. وهو بهذا يؤكد أن بعبع المحاصصة مازال يتنعم بصحة وافرة، ومازال دوره في العملية السياسية دورا أساسا وجوهريا في توزيع القياديين على مؤسسات الدولة، كما أكد العضو أن “النواب لهم حرية الاختيار داخل اللجنة لاختيار الرئيس”..! لافتا الى ان “موعد تغيير رؤساء اللجان سيجري بعد ان تطالب الكتل التي لها رئاسات لجان نيابية لإجراء التغيير”.
إن أول شيء نستشفه من هذا التصريح هو ابتعاد رؤوس الحكم والساسة والمسؤولين في مفاصل البلد عن العمل لصالح الوطن والمواطن، إذ من المؤكد أن من يسلك طريقا سبق أن سلكه وجرب مساوئه ومردوداته على أبناء جلدته، ويصر على السير فيه فإن انتماءه وولاءه حتما يكون لغير العراق، ولغير الذين ضمخوا أصابعهم بلون العرس البنفسجي، بعد تحديهم كثيرا من التهديدات والمخاطر. فالولاء شطّ بعيدا عن هؤلاء، والانتماء يلوِّح بكل جرأة بعيدا عنهم، معلنا ان آخر المستفيدين من التغيير الذي ينادون به هم العراقيون. فقد سبق أن دفع رؤساء الكتل مرشحيهم للتشكيلات الوزارية وفق مقاييس لاتخدم الوزارات ولا المؤسسات ولا الهيئات ولا حتى استعلامات الدوائر الحكومية، فالمهنية كانت تغط في نوم عميق أثناء انتقاء الكتل مرشحيهم، كذلك الكفاءة شدت رحالها بعيدا عن موازين الكتل، إذ دُفعت أسماء المرشحين وفق نظرية الـ (گوتره). كما لم يكن لفقرات الدستور حضور واحترام.
قبل ربع قرن كان الملعون صدام يأتي بالشخص غير المناسب، الذي لايفقه شيئا غير التلفظ بعبارة (نعم سيدي) وقد يكون حاصلا على الشهادة الاعدادية على أبعد احتمال، ويريه من المغريات المادية مالم يكن يحلم بنيلها بتاتا، ليوزره وزارة حساسة تتطلب ممن يستوزرها مواصفات ومؤهلات علمية، ويتمتع بشخصية قيادية، فضلا عن سيرته وسلوكه وتاريخه المهني وحتى الشخصي والعائلي، وبذا يضمن الملعون ان الوزارة أخذت طريقها الى الحضيض، حيث يتدنى العمل بمؤسساتها وهيئاتها إداريا وانتاجا، فتصبح إسما على غير مسمى، وهذا ماكان يرسم اليه ويخطط له ويعمل كل شيء من أجل تحقيقه. وبسيناريو ساذج يقيل هذا الوزير بعد حين بسبب او من دون سبب، ويأتي بغيره بذات المواصفات المتدنية، فيكمل مشوار سابقه في صنع الخراب ونشر الفوضى والتخلف ومظاهر الفساد في وزارته. ومن المؤكد أن الحال في التسلسل الهرمي للوزارة يصبح بفعل وزراء كهؤلاء تسلسلا ليس له اول ولا آخر، فتنتقل عدوى سوء الإدارة الى المديرين العامين فالمعاونين فالمديرين فباقي الموظفين، وهكذا سار الحال الى ان استحال حال البلاد الى رقعة جغرافية على سطح الكرة الأرضية، بعيدة عن مسيرة باقي الأمم في الرقي والبناء والعمران، ومحاصرة داخل إطار معزول عن العالم، وكأنها في كوكب آخر، وهذا ما أراده المقبور وحققه.
هي تجربة يعيها جيدا كل ساستنا في العراق ويذكرونها بالتفصيل الممل، سواء الذي ركبوا موجة السلطة وأبحروا في تيار الجاه والسلطان، ام الذين يتطلعون الى نيل مركز مرموق في سدة الحكم، ويسعون الى الوصول اليه بشكل او بآخر!. وباستقراء بسيط لما كان وما سيكون، تتضح مآلات الأمور، ويسهل التخمين في مكانة البلد ووزاراته وبأي درك ستقبع فيه بعد حين، مادام النهج الذي اتبع سابقا في الاستيزار والتنصيب نهجا محاصصاتيا، ومادام المتسلطون فيه تسلقيين متصيدين في عكر المياه فرصا غير نظيفة، بعد أن تبوأوا مناصب ظنوا أنها تشريف، ونسوا -لاتناسوا- أنها تكليف، وليس لمصلحة العباد والبلاد حساب ضمن حساباتهم، فبطبيعة الحال والمآل تكون النتائج وخيمة بعيدة عن التقدم والرقي والنهوض، فتضحى مؤسسات الدولة بنايات حديثة التصميم والديكور.. سارة للناظرين.. مدهشة للزائرين.. تخدم الفاسدين وتنفع السارقين.. فيما يعم ضررها وشررها العراقيين.. وتكون الفأس حينها قد وقعت في الرأس والجذع والأطراف!.
[email protected]