منذ 2003، والعراق يشهد عمليات تهجير منظمة لمكوناته، لعل “السنة” اول ضحاياها، واكثر من اجبروا على النزوح من مدنهم، ومناطقهم ، والبحث عن ملاذات آمنة داخل الوطن وخارجه.
وما يحصل اليوم في محافظة نينوى، من تهجير للمسيحيين، هو جزء من مخطط كبير ، لا علاقة للسنة به، يهدف الى تفيت اللحمة المجتمعية للعراق، من خلال ايجاد فئات موتورة ، تخرج هنا تحت هذا العنوان، وتخرج هناك تحت عنوان آخر، لتمزيق النسيج المجتمعي ، وتشويه صورة الاسلام في الداخل والخارج.
ومن هنا يبدو التساؤل مشروعاً: من هجر المسيحيين من بغداد، وتحديدا زيونة، والغدير ، وبغداد الجديدة ، وغيرها، ومن هجرهم من البصرة ، والناصرية؟.. ومن هجر السنة والشيعة.. ومن هجر الشبك واليزيديين والاقليات الأخرى؟.. انها يد واحدة تعمل ضمن مخطط مرسوم لضرب المكونات ببعضها ، وخلق الفرقة والشحن الطائفي والعرقي بين ابنائه.
اذاً نحن بحاجة اليوم الى البحث عن المستفيد الأول من عملية تهجير المسيحيين قبل اطلاق التهم من دون فحص وتدقيق ، على مكون مهم ، من مكونات العراق، عاش معه وفي ظله المسيحيون وغيرهم في أمان قرونا طويلة، ولم يشهد التأريخ قديمه وحديثه عمليات من هذا النوع، بل العكس كان التواصل ، سمة العلاقة الغالبة التي لا يكدر صفوها معتقد أو دين، خاصة في الموصل ، حيث الكنائس والمساجد عامرة، والمسلمون والمسيحيون يعيشون في وئام دائم، ويشتركون معا في هم واحد، ومعاناة واحدة، مثلما يسعدون سوية ويفرحون في اعيادهم ومناسباتهم.
ما يجري اليوم في الموصل ، يعيدنا بالذاكرة الى اربعينات القرن الماضي، عندما هُجّر اليهود من بغداد، واتهم البغداديون بـ”الفرهود” ، لكن تبينت الحقيقة في ما بعد ، عندما هدأت النفوس ، وجد البحث عن خيوط المؤامرة لينكشف الفاعل من وراء ذلك، حيث ظهر ان منظمات صهيونية كانت تعمل بالخفاء لاجبار يهود العراق على الهجرة الى فلسطين المحتلة، من خلال عمليات تفجير منظمة لمؤسسات يهودية، وشركات ، رافقتها حملات اعلامية كالتي نسمعها ونراها اليوم، لاظهار مسلمي العراق ، وكأنهم قتلة وقطاع طرق وسراق، يعادون كل من يخالفهم في الدين والمعتقد، وينتقمون منه بابشع الصور.
القضية ليست محصورة في المسيحيين ، فسنة العراق يعانون الظلم والاضطهاد، وتشن ضدهم حملة كبرى لتهجيرهم ، مرة بالزي الرسمي ، ومرة بازياء أخرى، والشيعة تعرضوا ايضا الى حملات تهجير، لكن ازاء عملية خلط الاوراق ، وعملية الشد الطائفي التي اخذت بالتصاعد ، غفل كثيرون او تغافلوا عن الفاعل المتستر عن ما يجري اليوم ، وبدت اصابع الاتهام لا تتجه الا الى ذلك المكون الذي يعد من ضحايا التهجير.
لا شك ان هناك ادوات من هذا المكون او ذاك، تعمل ضمن هذا المخطط ، لكن علينا ان نقلص الدائرة قدر الامكان ، بدلا من اطلاق الحكم على العموم، من اجل الوصول الى الرؤوس المدبرة لعملية التهجير التي لم تستثن احداً طوال احدى عشرة سنة مضت.
اهل السنة والجماعة، ابرياء من تهجير المسيحيين وسواهم، وكل من يمارس مثل هذا الدور باسمهم، فهو مدع كذاب على هذا المذهب، والدين الاسلامي في العموم، ولا نشك لحظة انه يعمل ضمن اجندة تآمرية ضد هذا المذهب وضد الاسلام، لاظهاره بصورة أخرى، غير التي عرف بها، من التسامح والاحسان والعدل والانصاف مع الغير، وتأريخه الطويل يشهد عليه، مثلما تشهد تلك الكنائس والبيع التي ظلت شامخة منذ عصور الفتح الاسلامي والى يومنا هذا.
نؤكد مرة اخرى ، فتشوا عن المستفيد من تهجير المسيحيين ، قبل اطلاق التهم جزافا على اهل السنة والجماعة، ولا تحكموا على هذا الدين ، من خلال فكرة ضالة ومنهج منحرف، نعتقد جازمين انه نشأ وترعرع داخل اجهزة مخابراتية اقليمية ودولية ، لتمزيق المسلمين قبل غيرهم، واهل السنة والجماعة قبل سواهم.