على الرغم ممّا هو معروفٌ ومتعارفٌ عليه من أنّ برقيات التهاني اللائي يبعثوها ملوك ورؤساء ورؤساء وزراء الدول الى ايٍّ ممّن يتبوّأ رئاسة الجمهورية او رئاسة وزرائها في إحدى دول العالم , فلا شكّ أن لا قيمة فعلية لمثل تلكنّ البرقيات سوى الجانب البروتوكولي – التقليدي , وهذه من سُنن وفقه الدبلوماسية المعتّقة والسائدة والتي غالبية القرّاء لا يكترثون لقراءة تفاصيلها الموجزة ومفرداتها واسلوب التعبير والصياغة فيها .
ما يدعونا ” دونما دعوةٍ ” لطرحِ هذا الطرح , هو إعادة التذكير المقارن ! , بأن في حين جرى الإعلان عن تولّي حيدر العبادي لرئاسة الوزراء , فقد كانت برقيات التهاني ” الملكية والرئاسية ” والأتصالات الهاتفية بسيادته , كانت تحمل او محمّلة بدرجة حرارة من الدفء وبعضها بنسبةٍ من المسك السياسي المصنّع او المستورد .! , لكنها في الحقيقة لم تكن موجّهة للعبادي تحديداً بقدر ما كانت للتعبير ” غير المباشر ” عن مديات الأنشراح والأفراح لإزاحة وخلع و التخلّص من رئيس الوزراء السابق – المالكي وعلى كلا الصعيدين العربي والدولي , إنما ولكنما في هذه المرّة وبأنتخاب عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء وبرهم صالح رئيساً للجمهورية , وكما العادة فقد ارسلوا بعض قادة الدول برقيات التهنئة التقليدية اليهما , لكنها كانت تخلو من ايّ دفءٍ وحرارةٍ وعطور , ولا حتى من رائحة البخور , بالرغم من الأستشعار والأستقراء أنّ تلكم البرقيات كانت ذي ميولٍ نحو رئيس الجمهورية السيد برهم صالح , ليس لأنه من القومية الكردية فحسب ” حيث عموم الغرب يدعمون الأقليم بالضد من العراق ولربما من احزاب العراق الدينية ” , لكن لأنّ الرجل او الرئيس علمانيّ الهوا والنهج والتوجّه .. والحديث وأبعاد الحديث هنا غير منفصلة عن اطول انتخابات في العالم وجرى حرق صناديق الأقتراع فيها لأكثر من مرّة , لتتمخض عن هذه الحكومة الجديدة – القديمة .!
والواقع ودونما شكّ فأنّ نظرة دول العالم تتعدى وتتجاوز مسألة برقيات التهنئة الى ابعد من ذلك , فالنظرة السياسية المترسخة نحو العراق ومنذ قرابة 15 عاماً تنطلق بأنّ عراق ما بعد الأحتلال امسى دولةً غير مستقلة بالمعنى الفعلي للأستقلال بسبب موالاة قادته ورؤساء احزابه الى طهران بما يفوق الموالاة للأنتماء الوطني والمصلحة الوطنية , وجرّ العراق للأبتعاد والأنسلاخ عن محيطه العربي , ولعلّ مشاركة ميليشيات او فصائل مسلحة عراقية للعمل المسلح خارج الحدود سواءً في سوريا او غيرها , قد عزّز تلك النظرة السلبية للرأي العام العربي والعالمي تجاه العراق , والحديث هنا يتجاوز مسألة محور < طهران , موسكو , بغداد > وبغض النظر عن مركز العمليات المشتركة لضرب اهداف الدواعش سواءً داخل سوريا او على الحدود العراقية – السورية المتداخلة .
وقد يتساءل البعض لماذا لا ترسل الحكومات العراقية واحزابها الأسلامية قطعاتٍ وقواتٍ مسلحةٍ نظامية الى سوريا لدعم الجيش السوري والرئيس بشار الأسد , وفي ظل سيطرة قيادات هذه الأحزاب على القوات الأمنية والعسكرية العراقية .! حيث من المؤكد او حتى شبه المؤكد على أبعد تقدير , أنّ التحسّب او الخشية من موقفٍ دوليٍّ مضاد قد يقف وراء ذلك , لكنه وبجانب الحسابات النفسية لذلك , فالأمر سيان اذا ما شاركت الميليشيات في القتال داخل الساحة السورية او القوات النظامية العراقية , ففي كلتا الحالتين فهو موقف رسميّ عراقي مفهوم , وبغضّ النظر عن المستوى التسليحي لكلتا الجهتين , رغمَ أن التمويل المالي والدعم اللوجستي هو واحد .!
الخلاصة المستخلصة لكلّ ذلك , ولأكثر من ذلك مما شهده وتعرّض له الشعب العراقي في ظلّ هذه الأحزاب الحاكمة من مآسٍ تفوق التراجيديا بمفهومها الأجتماعي والأكاديمي وفي ميدان الفن , فأنّ العراق ” وللأسف ” اضحى كدولةٍ منبوذة او غير مرغوبة على الصعيد العالمي , والأمر الوحيد الذي يخفف او يلطّف ذلك على الصعيد الدبلوماسي الناعم والمصطنع هو النفط وعمليات تهريب النفط المسنودة سياسياً , وهذا أمرٌ بات مكشوفاً وعارياً .
والى متى والى ايّ مدى يبقى العراقيون يدفعون ثمن حصار الغرب , وثمن الأحتلال وداعش , وثمن تحكّم احزاب الأسلام السياسي التي تحارب ادنى مباهج الحياة والطبيعة وتحرّمها بشريعتها السياسية – المسلحة المشرعنة .!