22 ديسمبر، 2024 8:58 ص

تهافت الاغلبية السياسية

تهافت الاغلبية السياسية

يكثر الحديث هذه الايام وبمناسبة قرب الانتخابات النيابية في العراق عن
مشروع اسمه الاغلبية السياسية . ونشاهد تحالف دولة القانون ورئيسه السيد نوري المالكي لايترك مناسبة دون ان يذكر الاغلبية السياسية في العراق على اعتبار انها الحل الامثل . ولكن الحقيقة ان موضوع الاغلبية السياسية يطرح الان لتبرير الفشل الذريع الذي مني به حكم الاحزاب الاسلامية بقيادة حزب الدعوة الذي استمر منذ السقوط والى يومنا هذا ، ولا احد يستطيع تعداد مواطن الفشل وسوء الادارة والفساد الاداري والسياسي وسرقة اموال الدولة وتخريب الزراعة والصناعة ، اضافة الى عدم وجود اي بادرة لانشاء مشروع اقتصادي او خدمي او علمي او فني طوال الفترة الماضية . وبدلا من ذلك تم عسكرة الشعب واشعال الحروب الاهلية العلنية والخفية من خلال ضرب القوميات والطوائف بعضها ببعض في مخطط خبيث لتدمير النسيج الاجتماعي للشعب العراقي ، والقضاء على الروح الوطنية وحذف مفهوم المواطنة لاحلال الولاء الطائفي بدلا عنها ٠
وتحت هذه الظروف الكارثية فاننا لايمكن التسليم بمفهوم الاغلبية السياسية
في ظل احزاب طائفية او قومية متنفذة ، لان ذلك يعني طغيان طائفة على بقية
الطوائف والاديان والقوميات الاخرى . ونحن في العراق لدينا اديان وطوائف وقوميات متعددة لايمكن مصادرتها تحت اي مسمى او دعوة . هذا من جهة ومن جهة اخرى فان رئيس الوزراء السابق لم يستطع تحقيق
الاغلببة السياسية رغم التزوير الكبير في الانتخابات الجارية في حينه .
وقد كانت التحالفات السابقة متماسكة الى حد ما مثل التحالف الوطني ودولة
القانون وكذلك اتحاد القوى والتحالف الكوردستاني . فكيف يمكن ان نحقق الاغلبية السياسية في البرلمان بعد انفضاض هذه التحالفات . فالتحالف الوطني مات سريريا بعد تشظي الاحزاب والكتل المتآلفة فيه . وكذلك اتحاد القوى الذي تحول الى تكتلات وجماعات مناطقية ومشايخ مختلفة . وينطبق ذلك ايضا على التحالف الكوردستاني الذي نسف اثر الاستفتاء الكردي بالاستقلال . واذا تعذر الحصول على الاغلبية السياسية في ظل تحالفات كبيرة كانت شبه متماسكة ، فكيف يمكن تحقيق اغلبية سياسية في ظل هذا الكم من الاحزاب والتكتلات المتناحرة والمتصارعة للاستحواذ على سلطة الدولة واموالها لاغراض حزبية طائفية وشخصية انانية
لقد كان السيد المالكي يتمتع بسلطة مطلقة عندما كان رئيسا للوزراء طوال ثمانية اعوام وكان يمارس سلطة الاغلبية فهو الذي يختار الوزراء وهو الذي يمنح العطايا على من يواليه حتى افلس الدولة وميزانيتها دون حسيب او رقيب ولا احد يعرف الى يومنا الحاضر اين ذهبت ميزانية الدولة خلال سنوات طويلة دون تدقيق او مراجعة من اي هيئة تدقيقية او برلمانية . فعن اي اغلبية سياسية يتحدث الان . ان الحقيقة لا تحجب بغربال الاقوال الخادعة ، والناس مازالوا شهود عيان لكل ماجرى عليهم من مصائب وويلات وسرقات لاموال الدولة وممتلكاتها ولايمكن خداع الشعب مدة اطول . ان رئيس حزب الدعوة السابق الذي اخرج بعنوة من باب الحكومة الواسعة يريد ان يدخل من شباك ضيق اسمه الاغلبية السياسية واذا كانت الاطروحات الدينية والتفرقة الطائفية السابقة قد اوصلتهم الى السلطة والحكم في غفلة من الزمن ونتيجة التجهيل المطلق للشعب وتغييب مصالحه الاساسية ، فانها لم تعد تجد نفعا بعد الان . وحتى التنظيرات الجديدة والاطروحات المخادعة مثل الاغلبية او المدنية او العلمانية التي لبسوا ردائها مؤخرا سوف لن تساعدهم من قريب او بعيد للعودة الى السلطة الفاسدة والحكم الاوتوقراطي فقد عرفهم الشعب ونبذهم . . انهم يبدلون جلودهم فقط لاعادة تدويرهم في السلطة من اجل مزيد من النفوذ المطلق والمكاسب المالية غير محدودة ٠

ان الاسلام السياسي قد فشل فشلا ذريعا بشقيه الشيعي والسني الطائفيين . ولايمكن استعادة ثقة المواطن بالاحزاب الاسلامية بعد ان تم نهب الدولة والقضاء على طموحات الشعب بالحياة الحرة الكريمة . وان المرحلة الجديدة ستكون بعيدة جدا عن كل السموم الطائفية التي بثها الطرفان خلال عقد ونصف من الزمان الردئ وان مناهضي العبودية الطائفية في زيادة مستمرة بعد استعادة الوعي وادراك عظم
الخداع الذي وقع فيه غالبية الشعب من قبل جهات دينية متعددة داخل العراق وخارجه ٠
الان وفي الانتخابات القادمة يتوجب على كل الناخبين الحريصين على سلامة وطنهم والراغبين في القضاء على الفساد السياسي وسوء الادارة ان لاينتخبوا اي شخص ساهم بالعملية السياسية الحالية سواء بالحكومة او البرلمان لانهم جميعا وبلا استثناء اصبحوا اما ملوثين بالفساد او ساكتين عنه وعن سوء الادارة وانعدام الخدمات ، اضافة الى انهم ساهموا بعمليات التخريب الاجتماعي واحلال الفوضى والاقتتال والتهجير بفعل مباشر ، او بافعال غير مباشرة عندما سكتوا او لم يتعرضوا الى اولئك الذين عملوا على تخريب البلد بطرق ممنهجة وخبيثة ٠
ان الدعوة للاغلبية السياسية اضافة الى انها خدعة انتخابية فانها غير قابلة للتحقيق الا بعد القضاء على الاحزاب والتكتلات الطائفية واستبدالها باحزاب تمثل كل فئات وطوائف الشعب ، وتتنافس على برامج تطويرية ورؤية وطنية جامعة لكل قوميات ومكونات الشعب . وعندئذ فقط يمكن تحقيق اغلبية سياسية حاكمة واقلية سياسية معارضة وحكومات ظل ، اسوة بالدول الديمقراطية المتقدمة .