قضية بيع كرسي نائب برلماني مستقيل لآخر لم يفز بالانتخابات الماضية واستعجال السيد رئيس مجلس النواب بعرض التصويت على البديل قبل البت بقبول استقالة المتنازل – لولا اعتراض البعض وسحب التصويت في آخر لحظة – والبرلمان مقبل على اطفاء شمعته البرلمانية بعد اربعة اشهر, قوبلت بأستغراب شعبي ولامبالاة من لدن اغلب برلمانيينا على اعتبار انها باتت تقليداً مشت عليه الاحزاب المهيمنة من اسلامية ومتحاصصة معها, وهو يشكل احد مصادر مدخولاتها .
فكم من مرة, علق احدهم غسيل الآخر الوسخ في كشف عمليات بيع وشراء مقاعد برلمانية ؟!
العلة هذه المرة تكمن في التسعيرة المعلنة والتي ربما اثارت غيرة البعض من نواب الشعب على برستيج البرلمان وكراسيه, فقد بدت كما لو انها تنزيلات آخر الموسم لمتجر ( سكند هاند ) اعلن افلاسه, والتي لم تتعد النصف مليون دولار تافه, كما أعلن, وهو ثمن بخس لكرسي مجلس نواب عراقي الذي ليس ككل الكراسي في العالم… ليس لأن وظيفته الطبيعية بأراحة عجائز ممثلي الشعب ليفكروا برفاهه, تختلف.
ولا لأن جماله يضاهي طراز كراسي لويس السادس عشر وعروش قياصرة آل ايفانوف المرصعة ولا حتى عرشا طيبا الذكر هيلاسي لاسي والشاهنشاه محمد رضا بهلوي المذهبة, بل لأنه يرفع بمكانة المتربع عليه الى مستوى لورد في مجلس اللوردات البريطاني, بفترة قياسية لاتتعدى الربع دورة برلمانية, لما تدره ( صنعة ) تمثيل الشعب بتسخين احد كراسي مجلس نوابنا الموقر من غنائم على شكل رواتب ومخصصات مليونية, تضمن لحائزه ثلاثية السعادة – الامان والرفاه والمستقبل الزاهر.
الامان بما يعطيه من حصانة برلمانية تبيح له تشكيل الميليشيات التي تتيح له الاستيلاء على اراضي المواطنين وعقارات الدولة واستلام الكومشنات من صفقات اسلحة او تمرير اغذية فاسدة عبر الحدود لفائدة دولة جوار شقيقة او تهريب نفط الى ميناء ايلات الاسرائيلي, بدون رادع.
اما الرفاه فهو بما يضمنه له وعائلته من رغد العيش الهني, الآني والمستقبلي, بتقاعد باذخ و قصر منيف في المنطقة الخضراء مؤبد, مع جوازات سفر دبلوماسية له ولكل افراد عائلته ليبددوا ضجرهم في اوربا او امريكا. مع حمايات وسيارات مصفحة رغم قبوعه بالمنطقة الخضراء وعدم مغادرتها, تجنباً لنظرات الحسد الشعبي او قل الحقد الشعبي وغبار وازدحامات شوارع بغداد الحضارة. ليدوم له كل ذلك حتى بعد انهاءه لخدمة الشعب الذي يئن من وطأة الفقر والمرض ونقص الخدمات وحصار احزاب الشريعة.
والمستقبل الزاهر المدعّم بحساب بنكي تقاعدي وسمعة نيابية وتاريخ نضالي محاصصي.
لاتخلو هذه الصفقة من لمسة انسانية, اخوية لايمكن اغفالها, وهو تنازل السيد النائب البرلماني, حبياً, عن كرسيه الدافيء لزميل حزبي محروم مقابل مبلغ تافه كما ذكرنا.
وهذه اللمسة الحبية موصولة بأجتهاد السيد رئيس مجلس النواب بالتعجيل بالانجاز لتجاوز التعقيدات البيروقراطية الغبية والروتين الأداري الممل.
بالنتيجة, خرج الجميع من الصفقة بحمص ومستوي بعد, راضين مرتاحين… النائب المستقيل وحزبه وزميله المرتقي لكرسي النيابة !
فقد خرج النائب المستقيل بتقاعد عالٍ وحافظ حزبه على حصته الطائفية المقدسة مصانة من اطماع المتربصين بالكرسي والطائفة, مع ضمان حماية دستورية لزميله المستفيد المتهم بقضايا فساد, بحصانة برلمانية تمنحه وقتاً لتدبير اموره للهروب الآمن الى الخارج او تسوية مشرفة مع قانون العفو النافذ عن المزورين والفاسدين وتجار المخدرات والارهابيين.
الايجابية الاخرى ( حسب التعبير العلماني ) او الحسنة الاخرى ( حسب التعبير الديني ) التي يتصف بها النائبان المستقيل و البديل هي ” القناعة ” وهي كنز اثمن من اي كنز, فليس من واحد منهما طامع ان يعمّر على كرسي النيابة, كما عمّر لُبد نسر لقمان الحكيم, او كما غيرهم من ديناصورات ممثلي الشعب الذين اخذوها من ايام التكوين الديمقراطي الأولى الى اليوم وربما الى يوم يبعثون.
حمى التحالفات التي نراقب مشاهدها عن كثب اليوم, حيث الصراع محتدم على ضمان الكرسي وموارده وليس على افضل البرامج واعدلها التي تخدم المواطن, تعكس قيمة الكرسي البرلماني الحقيقية وثمنه الاخلاقي الباهض.
مسؤولية تثمين الشخوص والاحزاب والتحالفات والكراسي المتنازع عليها تقع على عاتق المواطن والكلمة الفصل لهذا الناخب. وله ان يشارك بقوة لقلب الطاولة على المعتاشين على مآسيه وجوعه !
ومضة – ” ما احد يعرفك يا هوى الناس
غير اليحب الوطن والناس “