قبيل نهاية الموسم، يُعلن باعة المفرد، أفراداً أو مؤسسات، عن تخفيضات في الأسعار لتصريف البضاعة المُهددّة بعدم الإقبال عليها بعد انتهاء الموسم. بعض الباعة يلجأ إلى حِيَل ذكية لتحقيق غايته.
في العادة يكون التخفيض بنسبة معينة على القطعة الواحدة، لكنّ الأذكياء من الباعة بدلاً من أن يخفّض بضاعته بنسبة 40 أو 50 بالمئة يُعلن عن أنه يبيع ثلاث قطع بسعر قطعتين، فيضمن بهذا تصريف ثلاث قطع بالعائد نفسه الذي كان سيدرّه عليه بيع قطعتين بنصف السعر.
مجلس النواب العراقي الذي يتعامل في الغالب مع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعقلية باعة المفرد غير الأذكياء، مهتمّاً بتحقيق المنافع الشخصية والحزبية ومُقدّماً إياها على المصلحة الوطنية، فعلها أول من أمس وعرض علينا ثلاث قطع بسعر قطعتين!
مفوضيّة الانتخابات الجديدة، وهي ستكون بالطبع كسابقاتها غير مستقلة ،لأن أعضاء مجلسها رشحتهم الأحزاب والقوى المتنفذة ليرعوا مصالحها، أي التلاعب بالعملية الانتخابية ونتائجها لصالحها.. هذه المفوضية تشكّل مجلسها الجديد من تسعة أشخاص، كلهم رجال، فمن وجهة نظر أحزاب الإسلام السياسي المهيمنة على البرلمان والدولة لا توجد امرأة واحدة من نساء العراق اللائي يزيد عددهن على عدد الرجال، تصلح لأن تحتلّ مقعداً في مجلس المفوضية. الإسلام السياسي يقدّم بهذا مرة أخرى الدليل على أنه يحتقر النساء مثلما يحتقر الثقافة والمدنية، فهنّ لسن سوى وعاء لكبّ النفايات في الليل.
بعدما صوّت المجلس على الأعضاء التسعة الممثلين للقوى السياسية المتنفذة، اتّخذ قراراً بإضافة شخصين آخرين بوصفهما عضوين ناقصين، فليس لهما حقّ التصويت في الاجتماعات، أي أنّ مهمّتهما الوحيدة هي شرب الشاي والقهوة والعصير وأكل الحلويّات!
على طريقة “ثلاث قطع بسعر قطعتين”، جاء في قرار مجلس النواب إذ إنّ العضوين القاصرين هذين سيكونان ممثلين لكل من: النساء والتركمان والمسيحيين! .. بالطبع هذه نكتة بايخة وسمجة للغاية، فالسعر المعروض للمكوّنات الثلاثة (النساء والتركمان والمسيحيين) بخس للغاية، وفي الحقيقة ليس من ثمن على الإطلاق مادام العضوان لا يحقّ لهما غير التفرّج على ما يدور في الاجتماعات وعدم التفوّه بأيّ كلمة مفيدة.
عدا عن هذا فإن قرار مجلس النواب إنّما يعكس نظرة دونيّة من القوى المتنفذة للنساء والتركمان والمسيحيين، فهو يتعامل هنا معهم بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية، وهذا مناهض لمبادئ وأحكام الدستور التي ساوت بين العراقيين وحظرت كل أنواع التمييز في ما بينهم.
القوى السياسية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني مطالبة بالاعتراض على هذا القرار من منطلق دستوري، فضلاً عن المنطلق الوطني.
لا يمكن الختام من دون الإشارة الى الموقف العجيب الغريب لكتلة الاحرار (التيار الصدري) بانحيازها في نهاية المطاف عند تشكيل المجلس الجديد الى نظام المحاصصة التي صدّعت رؤوسنا بمعارضته والتهديد بقلب عاليها سافلها إن جرى تشكيل المفوضية الجديدة على أساس هذا النظام غير الدستوري هو الآخر، وها قد تشكّل المجلس محاصصاتيّاً وكانت لكتلة الاحرار فيه حصة معتبرة..!!
فما عدا ممّا بدا ..؟!
هذا السؤال موجّه إلى السيد مقتدى الصدر تحديداً.