أبو حسين عالم- عفواً-عامل صمون* (خباز)في أحد أحياء بغداد, اللهمته حرارة الفرن في صيف العراق اللاهب, ومتابعته المتواضعة للأخبار توقعات قد تكون صحيحة أو خاطئة…لكنه مقتنع إنها حقيقية وحدوثها مسألة وقت لا أكثر..وهو يحاول أن يضعها بين يدي أولي الأمر حتى لأتحدث أزمة طحين كتلك التي حدثت عقب أحتلال الموصل وقطعت رزقه لعدة أيام!!
النيؤة الرابعة: أبناء سنستان يترحمون على أيام المالكي!!
قال وزير الإعلام الأردني الأسبق صالح القلاب في لقاء معه على شاشة إحدى الفضائيات مبرراً احتضان السنة للحركات الجهادية المتطرفة وعلى رأسها داعش إن المكون السني يحكم العراق منذ مئات السنين ولا يمكن أن يرضى بان تحكم إيران هذا البلد في إشارة إلى النفوذ الإيراني على الطبقة السياسية الشيعية وهذا هو السبب الجوهري لفشل التجربة الديمقراطية في العراق , فالتاريخ يتحدث عن حكم مطلق للسنة منذ العهد الأموي وحتى عام 2003–عدى فترات محدودة تمكن الشيعة فيها القيادة – وقد أدت هذه السنوات الطويلة من امتلاك السلطة إلى نشوء وتبلور نزعة تسلطية للمجتمع السني وشعوراً قوياً بانتمائه الوطني والعروبي وازدراء كامل للشيعة وقذفهم في وطنيتهم بل وشرعية انتمائهم للعراق, فهم مجرد (شروكية) وهو المصطلح الذي يطلق على سكان وسط وجنوب العراق من الشيعة بعد أن كان مقتصراً على سكان الاهوار ثم توسع ليضم سكان شرق دجلة في اتهام واضح بانتمائهم العرقي والمذهبي والثقافي إلى الشرق(إيران), رغم أنها كلمة سومرية محرفة عن (شرو- باك..بمعنى انا سومري ), بل تمادى صدام حسين بإرجاع أصولهم إلى الهند في سلسلة مقالات مهينة للأكثرية الشيعية كتبها في صحيفة الثورة الرسمية عام 1991بأسم مستعار, وان خص بها سكان الاهوار وهم إحدى المجموعات الأصيلة من سكان وادي الرافدين ينحدرون من الشعب السومري فأنه قصد الشيعة الذين انتفضوا ضد حكمه في ذالك العام وللتذكير فان سكان الاهوار هم الشعب الوحيد في العالم الذي مازال محافظا على نمط عيشه منذ سبعة ألاف عام فإذا كنت تريد معرفة كيف كان يعيش السومريون ما عليك سوى زيارة مناطق الاهوار جنوبي العراق.
كان الهم المشترك للمجتمع السني والسلطة التي تمثله هو إثبات إن الشيعة ليسوا عربا لتبرير عملية الاضطهاد الواسع التي تعرضوا لها خلال التاريخ وليس مهما أن يكونوا من أصول هندية أو فارسية, وهذه النضرة الضيقة يشترك فيها معظم العرب ألسنه تجاه العرب الشيعة, والمدهش إن هذا التشكيك في عروبة الشيعة وانتمائهم الوطني يشمل كل الدول العربية تقريباً وهو ما يفسر الحملات الإعلامية ضد التجربة الديمقراطية التي أوصلت الشيعة لحكم العراق كونهم يشكلون أغلبية سكانه, وهو ما يفسر أيضا ابتعاد العرب عن دعم بغداد بل وتورط بعض الدول العربية في تسهيل مهمة الإرهابيين في مسعاهم للقضاء على الطموحات السياسية للشيعة والتجربة الديمقراطية الجديدة التي تهدد دكتاتوريات وملكيات عريقة في المنطقة.
سنة العراق المعروف عنهم ارتباطهم بالفكرة القومية مستعدين اليوم في – تغير دراماتيكي لا أيدلوجيا دافعوا عنها باستماتة لقرن من الزمن – للقبول بتقسيم العراق على أن يروا حكومة شيعية تحكمهم من بغداد,في انتصار واضح للانتماء المذهبي على الانتماء الوطني ومن سخرية الأقدار إن الشيعة المتهمون دوماً في وطنيتهم والمطعون في عروبتهم هم من يدافع عن وحدة العراق ويدفعون ثمن هذه الوحدة دماء خيرة شبابهم ومليارات الدولارات من وارداتهم النفطية!! إن فكرة الإقليم السني هي في الحقيقة مجرد توطئة لقيام دويلة سنية يحكموا فيها أنفسهم بدلا من الخضوع لحكومة شيعية تدير شؤون دولة عراقية موحدة, وهذه الدولة ستكون حقيقة واقعة بعد أن تستكمل مستلزماتها بدعم أمريكي -عربي , رغم معارضة شيوخ القبائل العربية في الانبار وكركوك لهذه الدويلة لكن هذا الرفض لن يستمر طويلا بفعل الضغوط الأمريكية والإغراءات الإقليمية.
بعيداً عن المشاعر الطائفية التي تجتاح المجتمع العراقي والعربي وبنضرة موضوعية هل تملك الدولة السنية فرص حقيقية للنجاح بالقدر الذي يحدث فرقاً حقيقياً بين أوضاع الناس العاديين في ضل عراق موحد يشاركون في حكمه وما ستؤول إليه في دولة مستقلة؟
للإجابة عن هذا السؤال المهم يجب تحليل المقومات الجغرافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهي أهم عوامل النجاح لأي مجموعة تنشد الاستقلال وتقرير المصير.
أولا- العوامل الجغرافية:
من أصعب المشاكل التي ستواجه الدولة السنية هي مشكلة رسم حدودها السياسية فمن الشمال ستحدها دولة كردستان وتركيا وللاثنين مشاكل حدودية مع جمهورية العراق وسترث الدولة السنية هذه المشاكل التي يبدو من الصعوبة حلها في ضل تمسك كوردستان بكركوك والمناطق المتنازع عليها , بالإضافة إلى إن تفتيت الدولة العراقية سيطرح من جديد موضوع عائدية الموصل لتركيا التي مازالت تشير كتبها المدرسية الي أنها جزء من الجمهورية التركية, أما من الشرق فسيكون التوتر الحدودي على أشده مع إيران على خلفية مشاكل معقدة أخرى لن يكون البعد الطائفي غائباً عنها إذ لا يمكن تصور قيام علاقة ودية بينهما, أما في الجهة الجنوبية فعليها مواجهة مشاكل مماثلة مع الدولة الشيعية فاغلب المناطق الحدودية بينهما يسكنها مزيج من الشيعة والسنة ويصعب فصلها على أساس الأغلبية الطائفية للسكان ولكل منطقة على حدة , بالإضافة الى مشكلة سامراء التي ستكون بؤرة للصراع الدامي بين الطرفين , ولن يكون الحال أفضل على الجانب الغربي والشمال الغربي حيث مصير الجارة سوريا قيد المجهول وتمركز الفصائل الإسلامية الأكثر تشدداً في المعارضة السورية على الجانب الأخر من حدود لاتؤمن بوجودها فهي تمارس نشاطها في أي منطقة رخوة امنياً وسياسياً تحت شعار إقامة دولة الخلافة الإسلامية العابرة لحدود الدولة الوطنية , وصفة المستقبل المجهول تنطبق على الأردن الذي تدرس أمريكا وإسرائيل فرضية تحويله إلى وطنً بديل للفلسطينيين بجدية ومن المحتمل جداً أن يتكرم الأمريكان عليهم بأجزاء من الدولة السنية في الرمادي كتعويض عن الضفة الغربية وغزة التي ستضم لدولة إسرائيل الكبرى نهائياً والأردن على كل حال ليس ببعيد عن الفوضى التي ستعم المنطقة حتى لو لم يتم تنفيذ هذا المشروع في المدى المنظور.
العوامل الاقتصادية:
رغم وجود العوامل الاقتصادية الواعدة للدولة السنية الا ان عملية الاستثمار لهذه العوائد لن يكون بالسهولة التي يتوقعها البعض , فبالرغم من الإمكانية المتاحة للاكتفاء الذاتي بالنسبة للمحاصيل الزراعية والطموح بفائض يمكن تصديره الا ان العقبة الرئيسية التي ستواجه عملية التصدير هي عدم وجود منفذ بحري اولاً ومحيط عدائي شبه كامل ثانياً وكون اغلب دول الجوار هي مكتفية ذاتياَ بل ومصدرة للسلع الزراعية, وما يمكن ان يقلل من حجم هذه المشكلة هو تحكمها بمصادر المياه لنهري دجلة والفرات حيث يمكن استغلال هذه الميزة الاقتصادية في تنشيط عملية التبادل التجاري مع الدولة الشيعية – في حال استقرت الاوضاع السياسية بين الدولتين وهو أمر مستبعد – لكنها ستتحول الى مجازفة كبيرة قد ينتج عنها صراع عسكري شامل اذا تجاوزت عتبة المساومة المقبولة الى الابتزاز خصوصاً وان موضوع المياه يشكل موضوعاً ذو حساسية كبيرة في وجدان سكان الفرات الأوسط والجنوب (وادي الرافدين ) يتجاوز القيمة المادية الى نوع من الترابط التاريخي والروحي بينهم وبين نهري دجلة والفرات الأساس الأول لوجودهم وحضارتهم التي يعتزون بها, كما يمكن ان تكون هذه الميزة ثغرة يمارس فيها الكورد عملية ضغط مباشر للحصول على ذات الامتيازات التي تريدها الدولة السنية من الدولة الشيعية وهو ما يفتح الباب واسعاً لتركيا لممارسة الدور ذاته لان منابع النهرين تبدأ من أراضيها وترى انها صاحبة السبق في التحكم بمسار حروب المياه المستقبلية , أما المنتجات الصناعية فهي من السوء والندرة بدرجة لا يمكن لها المنافسة مع السلع المستوردة فضلا عن صعوبة تسويقها داخلياً بسبب ارتفاع كلف الإنتاج وخاصة أجور العاملين وتضخم البطالة المقنعة مضافاَ إليها التخلف التكنولوجي , وهي أمراض مزمنة تشمل القطاع الصناعي في الأجزاء الثلاثة للعراق منعت نهوضه رغم الدعم المالي المستمر للصناعيين في القطاع العام والخاص , ويبقى الأمل بالاستثمار الخارجي الذي سيبقى مجرد أمنيات بسبب الأوضاع السياسية والأمنية للدولة الوليدة ,و المشروع الحقيقي والوحيد والقابل للتطبيق والذي يمكن له ان يكون المحور الاقتصادي للدولة هو حقل عكاز الغازي المكتشف حديثاً في الانبار لكن الاستثمار في مجالات ضخمة كالنفط والغاز تحتاج الى بيئة استثمارية مناسبة غير متوفرة , واذا فرضنا وجود شركات مستعدة للمغامرة متجاوزة المشاكل الأمنية والبيروقراطية فمن الذي سيضمن التوزيع العادل لهذه الثروة ثم ان كلفة الصراعات المتوقعة ستلتهم معظم عائداتها.
العوامل السياسية:
أثبتت الكتل السياسية السنية من خلال أدائها خلال سنوات ما بعد الاحتلال وما قبل التقسيم خلالا كبيراً يتمثل في عدم وجود أرضية مشتركة للتفاهم حول القضايا التي تهم جمهورهم رغم وجود حافز قوي لتوحدهم وهو الانتماء الطائفي المدعوم عربياَ أولا ومحاولة إفشال عمل الحكومة المركزية ثانيا, مما أدى إلى تشضيها إلى عدة كتل صغيرة لا تتحد إلا في تقاسم مغانم السلطة, لذالك سيكون المشهد السياسي مرتبكاً جداً في سنستان إذ على النخب السياسية تعلم إدارة الخلافات بينها والتعايش السلمي في ضل تناقضات تفرضها عملية التأسيس, ومن المفترض إن تجربتهم السياسية في الدولة العراقية ستساعدهم في تشكيل مؤسسات الدولة لكن تبقى هذه الفرضية ضعيفة وإذا ما نجحت في البداية في إنشاء قاعدة مؤسساتية سياسية فان استمرارها أمر مشكوك فيه بسبب غلبة المصالح الشخصية والعائلية والعشائرية والحزبية على المصلحة الوطنية , مما يزيد من صعوبة أنشاء نظام ديمقراطي يوفر الرفاهية والعدالة التي ينشدها السنة بعد سنوات من التهميش والظلم من قبل الحكومة الاتحادية (حسب وجهة نضرهم) والأخطر هو انتشار الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة والتي لا تؤمن بأي قوانين وضعية وتريد فرض تفسيرها المتشدد للشريعة بالقوة ولن يكتب لها الاستقرار السياسي إلا في حال وجود عامل خارجي يسعى بهذا الاتجاه والدول المرشحة لن تكون قادرة على إنجاح العملية السياسية هي المجموعة الخليجية التي تساند أحزاب ومجموعات سياسية وعشائرية مختلفة وسينعكس اختلاف الرؤى في سياستها الخارجية وخاصة السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى بشكل سلبي على المشهد العام للدولة ونمط الحكم فيها , هذا أذا لم تنشغل تلك الدول بمشاكل داخلية ناتجة عن تداعيات تقسيم العراق, أما تركيا فلا يمكن لها ممارسة هذا الدور وهي التي تستعد للانقضاض على جزء من أراضي الدولة السنية التي تعتبرها تاريخياً جزئاً من أراضيها أما أمريكا فليس لها مصلحة في تهدئة الأوضاع وهي التي رسمت خطة تقسيم العراق أصلا, وستواجه السياسيون معضلة وجود حزب البعث الذي يطرح نفسه ممثلا وقائدا للسنة فكيف سيتم التعامل مع طموحات الرفاق بالحكم الدكتاتوري المطلق بلا منافسة من أي جهة كانت؟ وهل يستطيع هذا الحزب الشمولي التكيف مع اشتراطات الديمقراطية؟
العوامل الاجتماعية:
يعد التباين الطبقي وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين سكان المدن والريف والبادية والاختلاف الجوهري في العادات والتقاليد من ابرز التحديات التي ستواجه سنستان , فبالرغم من الانسجام الظاهري من الناحيتين القومية والمذهبية إلا إن ثمة فوارق جدية تهدد السلم الأهلي فيها خاصة مع بروز النزعة الدينية المتشددة في أوساط الشباب وانتشار الأسلحة بشكل كبير بين المدنيين , وفشل السلطة القضائية في التمسك باستقلاليتها بسبب الضغوط السياسية والعشائرية, ستعم الفوضى الداخلية في مشهد يشبه إلى حد بعيد ما يحدث ألان في ليبيا.
أن أسليب ألعيش وطريقة كسب الرزق وتنوع البيئي للمجتمعات المحلية يحمل تناقضاً يمكن أن يعصف بأي فرصة للتعايش الحقيقي, فسكان الموصل يميلون للحياة الحضرية (المدنية) وفيها الكثير من النخب المبدعة في مجالات الثقافة والفنون بينما تسكن المجموعات البدوية من عشائر شمر في جزيرة ربيعة المحاذية لها تمتهن تربية الأغنام وزراعة الحبوب متمسكة بتراثها البدوي العريق, وفي تكريت يعيش خليط من السكان يحمل تناقضات القيم العشائرية من جهة والحضرية من جهة أخرى فهي مدينة بلا هوية واضحة , بينما يحيط بها قرى ونواحي يحمل سكانها العاملين في الزراعة موروثاً قبلياً أكثر صرامة, وقد تهدد النزاعات العشائرية بين الجبور وشمر والعبيد والجنابات والبوعجيل والبو ناصر فيما بينها او مع قبيلة الدليم التي تستوطن الانبار أي فكرة لقيام مؤسسات الدولة , ومن المحتمل جداً تجدد الخصومات التاريخية على أساس مناطقي خاصة بين أهالي سامراء وتكريت والتي كانت على اشدها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, بينما ستعاني الانبار مشاكل اقل على المستوى الاجتماعي بسبب الانسجام العشائري فالأغلبية الساحقة من سكانها ينتمون لقبيلة الدليم العربية , لكن النزاع على زعامة القبيلة فضلا عن العشائر المتفرعة عنها سيكون برميل البارود الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة , ولنتذكر إن قبائل الدليم اليوم بلا أمير بسبب النزاع بين علي حاتم سليمان وعمه ماجد العلي السليمان.
والخلاصة إن سكان سنستان سيترحمون على أيام المالكي وحكومته الطائفية بعد أن يتهدم حلمهم الوردي على أعتاب الفوضى الهائلة التي سوف تنتج عن إعلان دولة سنستان.
لكن ماذا عن دولة (سومر) الشيعية , هل ستكون بحال أفضل؟ هذا ما سيخبرنا به ابو حسين في نبؤته الرابعة.
• نوع من الخبز العراقي